شهادات ومذكرات
طه جزّاع: ماسينيون في الحيدرخانة

كثيرة هي المَّرات التي زار فيها المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون بغداد، لكن أشهرها تلك التي شهدت مناظرة حامية بشأن الحلّاج بينه وبين المؤرخ البغدادي المهتم بالتصوف وأنساب العشائر عباس العزاوي، يوم السابع والعشرين من نيسان 1945. وفي كتابه " تصوف أهل بغداد" للأستاذ الراحل طارق حرب المهتم بالتصوف وتاريخه ورجاله إلى جانب المحاماة والخبرة القانونية، إشارة لتلك المناظرة التي جرت وقائعها في دير الآباء الكرمليين ببغداد وحضرها الأب أنستاس الكرملي. وكذلك ما جاء في البحث القيم الذي أنجزه الدكتور صباح النّاصري حول علاقة ماسينيون بالشيخ محمود شكري الآلوسي وابن عمه علي علاء الدين الآلوسي وهما اللذان ضيفاه في بغداد وقدما له كل مساعدة ممكنة، ومنها مساعدته على إيجاد كل النصوص المكتوبة عن الحلّاج، واعانته أيضاً على تأجير دار في منطقة الحيدرخانة سكن فيها ماسينيون عام 1908 بهدف " الانغماس باللغة العربية بأرض عربية " .
بدأ اهتمام ماسينيون بالحلّاج في وقت مبكر من حياته وهو في الرابعة والعشرين من عمره، فقد " اكتشف في ربيع عام 1907 المتصوّف البغدادي الحسين بن منصور الحلّاج، الذي انجذب إليه حتى شغل عليه لبّه " وفق تعبير النّاصري. وقاده ذلك الشغف فيما بعد إلى البحث في مكتبات إسطنبول عن كل ما يخص هذا المتصّوف، وصولاً إلى انجاز اطروحته الشهيرة " آلام الحلّاج، شهيد التصوف الإسلامي" عام 1922 التي قدم فيها رؤية جديدة، بخلاف الرؤية التقليدية التي كانت تنظر للحلّاج بوصفه زنديقاً منحرفاً عن الدين، إذ كان ماسينيون يؤمن بأنه ليس مجرد صوفي متهم بالزندقة، بل كان مصلحاً، وشهيداً، انتهى إلى تلك النهاية المأساوية بسبب أفكاره الروحية، وآرائه السياسية والدينية والاجتماعية.
***
د. طه جزّاع – كاتب أكاديمي