شهادات ومذكرات

علي الطائي: صالح الطائي.. شيخٌ يعيشُ بقلبين!! روحٌ لا عُمر

في عصرنا الحديث، حيثُ تغرقُ المجتمعاتُ في إيقاع متسارعٍ، وقلوبُ الناس باتت تُثقلها همومُ الحياة، يظهرُ بين الفَينة والأخرى أفرادٌ يتميزون بصفاتٍ استثنائية تجذب الانتباه. من بين هؤلاء شيخٌ نبيلٌ، يملك قَلبين: قلبًا حقيقيًا ينبض بالحياة، وقلبًا شبابيًا ينبض بالروح وبالطموح . هذا المزجُ الفريدُ بين حكمةِ الشيخوخةِ وحيوية الشباب يجعل من هذه الشخصية نادرةً ومُلهمة.

القلب الحقيقي: رمز الحكمة والنقاء

القلب الحقيقي لهذا الشيخ ليس مجرد عضلة تضخ الدم، بل هو مستودعُ الحكمة، الذي تراكمت فيه تجارب الحياة عبر السنوات. كل نبضة منه تحكي قصة، وكلُ خفقةٍ تحمل درسًا. عاش هذا الشيخ حياة مليئةً بالتحديات والانتصارات، فلم يدع اليأس يتسلل إلى نفسه، بل حوّل كلَّ عقبة إلى جسرٍ يعبرهُ نحو تحقيق أهدافه.

إن قلبَه الحقيقي يفيض بالمحبة والرحمة. فهو لا يكتفي بالاهتمام بنفسه فقط، بل يسعى دومًا لإفادة من حوله. يمد يدَهُ للضعيف، يعين المحتاج، ويزرع الأمل في قلوب المكسورين. هذا القلبُ جعل منه صديقًا وأبًا لكل من يعرفه، فهو الحاضن للجميع، دون تفرقة أو تمييز.

قلب الشباب: نبض الحيوية والطموح

أما قلب الشباب الذي يحمله، فهو قوةٌ خفيةٌ، لا يمكن رؤيتُها بالعين المجردة، لكنها تُشع من عينيه وتظهر في تصرفاته. على الرغم من سنوات عمره الطويلة، إلا أن هذا القلب ينبض بحماسة الشباب. إنه يخطط للمستقبل كما لو أنه شابٌ في بداية حياته، لا يعرف اليأس طريقًا إليه.

يملك هذا القلب طاقة لا تنضب. تجده يمارس الرياضة، رياضة المشي على شاطئ دجلة، يسامرُ سدةَ الكوت، وينعم بأصوات النوارس، وزقزقة العصافير، وضجيج الناس والسيارات، يسير في الطبيعة، ويشارك الشباب في أنشطتهم. ولعل أكثر ما يميزه هو شغفه بالتعلم المستمر. فهو قارئ نهم، يبحث دومًا عن الجديد في مختلف المجالات. إن شغفه بالتطوير الذاتي يكاد ينافس شغف الشباب في مقتبل العمر، مما يجعله قدوة تُلهم الجميع.

إن امتلاك هذا الشيخ لهذين القلبين يمنحه توازنًا فريدًا. فقلبه الحقيقي يزوده بالحكمة والهدوء، بينما يمده قلب الشباب بالطاقة والإقدام. يجمع بين الاستماع الجيد والنصيحة الصادقة، وبين المبادرة والعمل الدؤوب. لا يعيش الماضي كغيره من الشيوخ، لكنه يأخذ منه العبر والدروس ليبني حاضره ومستقبله. لم يقبع في المقهى، يلوث ذوقه ورئتيه من وسخ العاطلين واليائسين المنتظرين لملك الموت، بل نراه يزخر بالنشاط ويشغل وقته طول اليوم في تحصيل المعلومة لا حفنة من النميمة والغيبة والانشغال بأمور الناس المستورة والتي لا طائل من كشفها.

هذا التوازن أيضًا ينعكس على علاقاته الاجتماعية. فهو قريب من الشباب بفضل قلبه الطموح، وفي الوقت ذاته يحظى باحترام كبار السن بسبب حكمته وتجربته. لذلك، تجده محورًا لكل مجلس، وأيقونة تلهم كل من حوله.

دروس من حياة الشيخ

الحياة التي يعيشها هذا الشيخ تعلمنا العديد من الدروس المهمة. أولها أن العمر مجرد رقم، وأن الإنسان قادر على الاحتفاظ بروحه الشابة مهما تقدم به العمر. ثانيها أن الحكمة والشباب يمكن أن يتعايشا معًا في شخص واحد، ليخلقا إنسانًا متوازنًا وقادرًا على مواجهة تحديات الحياة.

أيضًا، يعلمنا هذا الشيخ أهمية العطاء. فهو يؤمن أن السعادة الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين، وأن قوة القلب الحقيقي تتجلى عندما يكون مصدر حب ورحمة. أما قلب الشباب، فهو مصدر إلهام للمضي قدمًا وتحقيق الأحلام.

استمرارية العطاء والإنجاز

من أكثر ما يميز هذا الشيخ أنه لم يضع حدًا لأحلامه. بل يستمر في السعي نحو أهداف جديدة. كان كما عرفته يسابق عمره في عدد ما ألفه من كتب تبحث في محنة الإنسان من عقائد وسنن وواجبات. يكتبُ دون كلل وهو في هذا العمر، ولا أدري ماذا كان يفعل لو عاد إلى العشرين أو الثلاثين من العمر!! ستجده يُدير مشروعًا خيريًا، يكتب كتابًا، أو يُلقي محاضرة للشباب، ليزرع فيهم طموحه وشغفه بالحياة.

يرى في نفسه رسالة يجب أن تُنقل للأجيال القادمة. فهو يؤمن أن القلوب الحية لا تتوقف عن النبض طالما أن فيها حبًا للحياة وإصرارًا على التغيير الإيجابي. لذا فلم ولن يتوقف قيد أنملة عن العطاء.

وفي نهاية المطاف، إن هذا الشيخ الذي يحمل قلبين يُعد نموذجًا فريدًا لما يمكن أن يحققه الإنسان إذا ما جمع بين الحكمة والطموح. إنه تجسيدٌ حي لعبارة "الشباب روح لا عمر"، ودعوة لنا جميعًا لأن نحيا بقلوب مليئة بالمحبة والعطاء.

لنكن مثل هذا الشيخ؛ نعتني بقلبنا الحقيقي ليظل نقيًا ينبض بالحكمة، ونزرع في قلبنا الشبابي روح الطموح والحيوية. بهذه الطريقة، يمكننا أن نصنع لأنفسنا ولمن حولنا حياة مليئة بالسعادة والإلهام.

***

بقلم: د. علي الطائي

6-12-2024

في المثقف اليوم