شهادات ومذكرات

علي حسين: مطاردة شوبنهاور في معرض الرياض للكتاب

وصلت الرياض فجر يوم الاثنين، بعد رحلة سفر من بغداد الى الدوحة ثم الرياض، لم انم كثيرا كنت متشوقا للوصول الى معرض الكتاب ومطاردة الكتب التي وضعت قائمة خاصة بها . كان القرار حاسما: يجب الحصول عليها .. كنت قد حصلت على خريطة لاجنجة المعرض احتفظت بها في هاتفي النقال، ما ان دخلت البوابة رقم واحد حتى وجدت امامي مركز ابو ظبي للغة العربية وجناج دار كلمة الشهير باصداراته المتميزة، وجدت نيتشة ودستويفسكي يطلان براسيهما، خرجت من دار كلمة وانا احمل معي كيسين كبيرين تنوعت محتوايتهما بين الفلسفة والادب والفنون، بحثت في الموبايل عن موقع جناح دار الكتاب الجديد، فهناك ينتظرني الصديق سالم الزريقاني وكان قد وعدني بالحصول على الترجمة الكاملة لكتاب شوبنهاور " العالم إرادة وتمثلاً "، والذي صدر منه الجزء الاول عن المركز القومي للترجمة في مصر، بعدها توقف المشروع، وعرفت من الزريقاني ان الكتاب سيصدر كاملاً بصفحاته التي تتجاوز الـ " 2000 " صفحة عن دار الكتاب الجديد وبتوقيع المترجم القدير سعيد توفيق ابرز المشتغلين العرب بقلسفة المرجوم شوبنهاور ..  للاسف لم يف الزريقاني بوعده فالكتاب لا يزال في المطبعة وسيتم الاعلان عنه في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام بداية العام المقبل، هكذا باءت محاولاتي للقبض على شوبنهاور بالفشل، إلا أن الصديق الزريقاني لم يدعني اخرج من جناحه خالي الوفاض فقدم لي تحفة جديدة كتاب " هايدغر واسطورة المؤامرة العالمية اليهودية " للفيلسوف الالماني  بيتر ترافني .. لايزال هايدغر يحتل مكانا بارزا في الساحة الفلسفية، حتى ان هابرماس وصفه بانه:" اعمق انعطافة في الفلسفة الالمانية منذ هيغل " .

قلت لسالم الزريقاني قرأت مذكرات المترجم سعيد توفيق والتي وضع لها عنوان "الخاطرات"  وفيها يتحدث عن شغفه بشوبنهاور الذي يقول عنه:" علمني شوبنهاور ان الحياة تتحكم فيها وتسيرها إرادة الحياة " .. ويخبرنا سعيد توفيق انه امضى سنوات طويلة من عمره في رفقة شوبنهاور وكتابه العالم إرادة وتمثلا:" وجدت نفسي كأنني دخلت مغارة لم يقو احد غيري على دخولها، ووجدت نفسي مضطرا إلى خوض دروبها إلى النهاية حتى النهاية .لم يكن دافعي إلى موةاصلة مساري سوى فتنتي بفلسفته " – سعيد توفيق الخاطرات سيرة ذاتية فلسفية - .

في بداية تعلقي بالفلسفة كنت اقرأ اسم شوبنهاور كثيرا، لكنني لم اعثر على كتاب له، وسألت احد الاصدقاء ذات يوم عن كتبه فقال لي جملة لا زلت اتذكرها:" حين يكون الكاتب في مزاج سيء تغدو صحبة كتبه مرهقة " .. ولأنني اعتقد أن الكتب هي وحدها التي تفوز بلقب افضل صديق للانسان .. قررت ان ابحث عن هذا الفيلسوف صاحب المزاج السيء ..كانت رحلة البحث عنه  ممتعة، وكان باب الدخول اليها من خلال الفن، فقد تعرفت على شوبنهاور من خلال كتاب " ميتافيزيقيا الفن عند شوبنهاور"  تاليف سعيد توفيق . ولكن اين كتب شوبنهاور ؟ يدلني صديق على  مقال مهم كتبه الدكتور فؤاد زكريا في مجلة تراث الانسانية بعنوان "  العالم إرادة وتمثلًا لشوبنهور" والمقال بصفحاته التي تجاوزت الـ " 30 " صفحة يقدم عرضا مبهرا لكتاب شوبنهاور  ولظروف كتابته،  ويسلط الضوء على حياة شوبنهاور .. وياخذ فؤاد زكريا بيدي ليرشدني الى ان الطريقة الصحيحة تتلخص في قراءة حياة شوبنهاور التي تكشف نقاطا كثيرة في مذهبه الفكري، وهو بذلك كما يقول زكريا يختلف عن استاذه ايمانويل كانط الذي كانت حياته الجافة والرتيبة على النقيض من مؤلفاته .. اذن حياة شوبنهاور ستكون مدخلا لقراءة مؤلفاته فيما بعد .. واثناء البحث ساعثر على كتاب صغير بعنوان " اضواء على شوبنهاور " كتبه احمد معوض وكان استاذ للفلسفة في الاربعينيات، والكتاب صادر في خمسينيات القرن الماضي .في كتابه " مهنة القراءة " يكتب برنار بيفو ان الكتب يمكن ان تتناسل وهو ما حصل معي فما ان وضعت كتاب " اضواء على شوبنهاور " حتى خضت معركة للبحث عن كل ما يتعلق بهذا الفيلسوف المتجهم .. الى ان يقع بيدي ذات يوم كتاب عبد الرحمن بدوي شوبنهاور " الذي اصدره عام 1942. بعدها سيطل شوبنهاور خجولا بين الحين والاخر، من خلال مقالات او ترجمات مختصرة  لكتبه، حيث اصدرت سلسلة الالف كتاب المصرية في الستينيات كتابا بعنوان " فن الادب  مختارات من شوبنهور "، واصدر فؤاد كامل كتابا بعنوان " الفرد في فلسفة شوبنهور" كان من امتع ما قراته آنذاك، ثم سيتولى المترجم القدير سعيد توفيق اصدار اكثر من كتاب عن شوبنهاور توجها بترجمة الجزء الاول  لكتابه  الضخم "العالم إرادةً وتمثلاً" في جزئين عام 2006،، ويترجم لنا سعيد توفيق كتاب روبرت فيكس" شوبنهاور "، وفيه نفقرأ واحدة من اهم الدراسات عن فيلسوف التشاؤم .. حيث ياخذ المؤلف موقف الحياد من فلسفة شوبنهاور ويحاول ان يقدمها للقارئ بصورة محايدة تهتم بتفاصيل حياته واثرها على فلسفته، ولعل الفصل الاول من الكتاب يوضح رؤية المؤلف حين يعتبر شوبنهاور فيلسوفا منشقا عن الفلسفية السائدة،  هكذا بدأت كتب شوبنهاور تتناسل حيث سيقدم لنا الصديق قحطان جاسم كتاب نيتشه " شوبنهاور مربيا " ويصدر وفيق عزيزي كتاب " شوبناهور وفلسفة التشاؤم "، لتتوج الرحلة برواية عالم النفس ارفين يالوم " علاج شوبنهور "، وكان آخر الكتب التي قضيت معها وقتا محيرا كتاب  بعنوان " شوبنهاور مقدمة موجزة " تأليف الأميركي كريستوفر جاناواي ترجمة  سعيد توفيق   في هذا الكتاب يخبرنا  جاناواي ان الفيلسوف الالماني تمتع بروح استقلالية كانت هي أكثر السمات المميزة لطبيعته، فهو يكتب بلا خوف، وبقليل من الاحترام للسلطة، ويمقت الخضوع للتقاليد السائدة التي وجدها في المؤسسة الأكاديمية الألمانية .

بعد كل هذه السنوات وعندما انظر الى كتب شوبنهاور تتوسط مكتبتي اتخيل وانا انظر الى وجهه المجعد الجاف والمكتئب  وشعره المتطاير، كيف كان يعيش هذا الفيلسوف الذي ينظر اليه على انه عدو للبشر وعدو للمراة، والذي انخرط ذات يوم في مناقشة فلسفية حول قسمات وجهه قائلاً ببساطة:" يتضح على وجهي انني اشتغلت كثيرا في حياتي " ..والذي ظل يخبرنا دائما على ان لانقنع انفسنا ان لدينا شيئا في عقولنا .. وعندما سئل لماذا لا يتزوج ؟ كان جوابه ساخرا:" لقد امتنعت عن الزواج رحمة بالابن الذي كان من الممكن ان انجبه " .. يتذكر المصير الذي آل اليه ابيه وكيف انتهت حياته على كرسي العجزة بائسا يائسا مهملا، بينما كانت امه تقيم الحفلات الساهرة، على حين كان الابن " آرثر" يعيش الوحدة " .

كان في الثامنة والاربعين من عمره حين قرر الاجابة على سؤال طرحته  اكاديمية العلوم في درونتهايم: هل يمكن البرهنة على حرية الإرادة لدى الانسانية عن طريق الوعي ؟، وعندما اجاب " آرثر شوبنهاور" على السؤال، فانه لم يخسر الجائزة فقط، وانما اعلنت الاكاديمية أنه لم يدرك شيئا من المسألة المطروحة، واضافت الاكاديمية ان المدعو شوبنهاور أبدى قلة احترام نحو فلاسفة عظام مثل فيتشه وهيجل، غير ان الأمر لم يمنع شوبنهور من توجيه النقد إلى الاكاديمية التي ظلت طريق الحقيقة على حد قوله، في ذلك الحين كان شوبنهاور يعيش اعزب، في غرفة مليئة جدرانها بصور الكلاب، فقد كان يعد هذه الحيوانات اكثر رفقاء الإنسان اخلاصا، وفي وسط صور الكلاب كانت صورة ملونه ليوهان جوته، وهناك تمثال لديوجين في احدى الزوايا، هذا التمثال كان بالنسبة اليه يمثل " الايمان المستقيم متوجا بقوة الارادة "، ولم يكن من رفيق له في هذه الغرفة سوى كلب يسمى " إتما " . يكتب شوبنهاور في رده على الاكاديمية  ان الانسان في سعيه وراء المطلق  يستطيع ان يدركه من خلال التجربة الذاتية، التي يتم من خلالها الادراك بصورة مباشرة، فكل انسان منا يستطيع ان يرى الوجود ذاته في تمامه، ان يراه متبديا على هياة اخاذة، هياة الإرادة ..فما هي هذه الارادة ؟، انها الأختار الحر، الذي يتمثل في قدرة الانسان على توجيه ذاته، فالإرادة هي النزوع، وهي الجهد المستمر المتصل الذي نحسه في اعماقنا، وهذا النزوع يدفعنا الى " ارادة الحياة " دفعا لاسبيل الى مقاوته . ويؤمن شوبنهور بما قاله سبينوزا من ان جوهر كل كائن يتألف من النزوع الى الاستمرار في وجوده .فارادة الحياة هي الشيء الاكثر جوهرية في كياننا، فهي التي تسيطر على جميع وظائف شيئين لايمكن فصل احدهما عن الاخر، وهما الجسد والروح، فعندما ناخذ وعيا بهما، نكون قد لمسنا اكثر جذور طبيعتنا عمقا .وها هو شوبنهور يؤكد ان الانسان الذي ياخذ وعيا بارادته التي هي فيه، والتي هي هو، فانه لايتبين فقط، ماهو مطلق في ذاته، وانما يكون قد نفذ إلى المطلق المحض، او ما يسمى المطلق العام، اذ ليس هناك ارادات عدة، وإنما يوجد ارادة واحدة، هي الإرادة ذاتها التي تكمن في اعماق كل انسان، ويصر شوبنهاور على اعتبار الإرادة حرة دون ان يكون لها مع ذلك، أية صفة من صفات الاختيار الحر .وينبغي ان تكون حرة، بكل ما في الحرية من معنى، ولأن الإرادة هي الطاقة الروحية النازعة دوماً إلى المحافظة على الحياة، وعلى انتشارها، فهي لابدء لها، ولا نهاية، فهي ترغب في الوجودج لانها موجودة، وهي تريد لانها تريد ان تعمل بحسب طبيعتها وجوهرها " بنهم شيطاني لايعرف الكلل " .

وشوبنهاور هو اول ممثل في الفكر الغربي لمذهب فلسفي قائم على انكار العالم والحياة، لكنه متصالح مع نفسه .. يكتب في العالم ارادة وتمثلاً:" استطيع ان افهم العالم بقياسه الى نفسي فحسب، ونفسي اذا نظرت اليها من الخارج ادركت على انها ظاهرة فيزيائية في الزمان والمكان، اما في الداخل فهي ارادة الحياة .وتبعا لهذا فان كل شيء القاه في عالم الظواهر هو تعبير عن ارادة الحياة " .

يسخر آرثر شوبنهاور المولود في الثاني والعشرين من شباط عام 1788، من الفلسفة التي تبتعد عن: " العالم الواقعي الذي ينبسط جليا امامنا "، ويصر في معظم كتاباته على ان يؤكد ان حياتنا حلقة مزعجة غير ذات نفع، وان الوجود البشري نوع من الخطأ، تمضي ايامه من سيئ الى أسوأ .

كان هذا الفيلسوف التشاؤمي قد ولد لعائلة، للجنون حضور كبير فيها، فوالده "فلوريس" اصيب في الأربعين من عمره باكتئاب حاد ادى فيما بعد الى انتحاره، كما ان اثنين من أعمامه أُدخلا الى مصح عقلي، وكانت جدته قد فقدت عقلها بعد وفاة زوجها . وقد ورث شوبنهور عن أبيه إرادته وعزلته، اما عن أمه  فقد ورث ذكاءها وحبها للآداب والفنون، فقد كانت من ابرز كاتبات القصة في عصرها .لم يبد الوالدان اهتماماً كبيراً بابنهما:"حين كنت طفلا في السادسة، وجدني والداي في حالة من اليأس العميق بعد عودتهما من نزهتهما في احدى الأمسيات "، ويخبرنا نيتشه ان معلمه شوبنهور:"عاش وحيدا في عزلة مطلقة، ولم يكن يتخذ له في حياته صديقا قط".

 في السابعة عشرة من عمره استيقظ على خبر سقوط والده من سقيفة البيت، هل كان ذلك حادثاً ام انتحاراً؟ لم يعرف الجواب، واسدل الستار على الحادث الذي اصاب الأبن بالبؤس، لكنه في المقابل منح الأم الحرية حيث قررت اخيرا ان تؤسس صالوناً ادبيا، وتصبح الصديقة المفضلة لشاعر المانيا الكبير "يوهان غوته"، وقد آلم ذلك ذلك الفتى شوبنهور الذي ورث عن ابيه ثروة ستضمن له عيشة مريحة وعدم اضطرار لممارسة اي نوع من الأعمال، ورغم ذلك كان يشعر بالملل والاحباط :"حين كنت في السابعة عشرة من عمري، دون تعليم مدرسي نظامي، جذبني بؤس الحياة، وكانت الحقيقة التي اكتشفتها مبكرا ان هذا العالم لايمكن ان يكون نتاجا لكائن محب، بل كائن شرير، اوجد الخلق كي يبتهج لمرأى معاناتهم " .

عام 1814 سيكون علامة فارقة في حياة شوبنهاور حيث يشرع في كتابة السطر الاول من كتابه الشهير  "العالم كإرادة وتمثلاً "  وقد وافق الناشر الذي يطبع قصص والدته  ان يتولى امر طباعة كتاب الابن  عام 1819، ولم يبع من الكتاب سوى 200 نسخة، الأمر الذي دفع الناشر لأن يخبره ذات يوم ان يتجه لكتابة القصة مثل والدته  عسى ان تحظى كتبة بالاهتمام، يحاول الحصول على منصب جامعي في قسم الفلسفة بجامعة برلين، يلقي محاضرات عن جوهر الفلسفة لم يحضرها سوى خمسة طلاب، فيما كان الطلبة يتزاحمون على محاضرات غريمه هيغل الذي كان شوبنهاور يحمل له كره خاص ويصف فلسفته بأن: " أفكارها الأساسية هي الوهم الأسخف، عالم مقلوب رأسا على عقب، تهريج فلسفي، اما مضامينها فهي التمظهر الأجوف والأشد خواء للكلمات حين ينطق بها المغفلون " .

في "تاريخ الفلسفة الغربية " يكتب برتراند رسل " ان:"شوبنهاور يبدو غريباً بين الفلاسفة، في أنحاء عدة من شخصيته. فهو متشائم بينما يكاد الفلاسفة الآخرون أن يكونوا كلهم، بمعنى ما، متفائلين. وهو ليس أكاديمياً تماماً مثل كانط وهيغل، لكنه لا يقف خارج العرف الأكاديمي بالمرة. وهو يؤثْر على المسيحية، أديان الهند الهندوكية والبوذية معاً. وهو ذو ثقافة واسعة، كما أنه يهتم اهتماماً كبيراً بالفن اهتمامه بالأخلاق. وهو يقر بثلاثة منابع لفلسفته (كانط وأفلاطون والأوبانيشاد) ولكني أظن أنه يدين لأفلاطون بالمقدار الذي يظنه هو" .

بدأ ارثر شوبنهاور حياته بازدراء شيئين النساء والأمل، وفيما بعد كتب بسخرية أن " الأضداد تتجاذب " وفي واحدة من رسائله الى امه يخبرها ان:" السعادة الحقيقية هي أن لا نولد "، ولأن شوبنهاور عاش وحيدا، لم يكن يتصور العلاقة مع الاخرين إلا ضمن حالتين: القسوة بمعنى انزال الألم بالآخر لاثبات الذات كارادة، او الشفقة والتي تعني بمفهومه التماهي مع معاناة الاخرين، ومنذ سنوات شبابه الاولى لم تدخل في حساباته ابدا العلاقات السائدة بين الناس، وقد جعل من الوحدة غايته في الحياة،  والحياة في نظره لها شر كذلك، مادامت الآلام هي طبيعة مادتها التي تتكون منها، وليست السعادة إلا حالة سلبية يقف فيها تيار الآلام، وما اصطلحنا على تسميته بالسعادة إنما هي الحالة التي ينعدم فيها وجود الألم " ليست ثمة سعادة حقيقية " ..وشوبنهاور مثل ارسطو يعتقد  ان الفيلسوف لايجوز له ان يبحث عن السعادة، بل يجب عليه ان يسعى وراء التخلص من آلامه ونجده يتساءل:" إلى متى تدفعنا الحياة أمامها دفع الخراف وهي لاتحوي إلا شقاء وعناء ؟ متى نستجمع كل ما نملك من قوة وشجاعة لنصيح ان الحياة اكذوبة وخدعة .

بعد كل هذه السنوات كيف اقرأ شوبنهاور ؟ ربما اطرح على نفسي سؤالا آخر: لماذا البحث عن فيلسوف اصر ان ينظر الى الدنيا من برجه العاجي  فيكتب: "ان معظم بني البشر يقفون بعناد ضد قبول الحقيقة الواضحة وهي اننا في الجوهر وفي الأساس مماثلون للحيوانات، بل انها لتتراجع مذعورة امام اي تلميح الى صلة القرابة بيننا وبينهم " ..احتار في الاجابة على سؤال: لماذا اطارد  شوبنهاور بشكل دائم ؟ عندما عدت الى بغداد اخذت انظر الى الرف الذي يضم كتبه وما كتب عنه وتخيلت انه سيمد راسه من بين الرفوف ليسألني بسخرية: لماذا تطاردني، فمن الافضل لك ايها القارئ اللجوج  قرا الكتب، بدلا من البحث عن خفايا مؤلفيها  .. فالفلاسفة عندما يصلون الى المجد لا تستطيع حياتهم ان تضيف لك شيئا عدا قصص واحاديث عن بؤسهم وعاداتهم القبيحة .. ابتعدت عن الرف لكن نظرات شوبنهاور ظلت تلاحقني وكأنه يقول: لكي تعرف ما الذي رأيته في الحياة، يجب ان تتمعن جيدا بما كتابي الذي فشلت في الحصول عليه كاملا: " العالم إرادة وتمثلاً" .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

في المثقف اليوم