ثقافة صحية
محمود محمد علي: الفطر الأسود الانتهازي بين مطرقة كورونا وسندان نقص المناعة!
بينما يتصارع العالم حول مصدر جائحة "كورونا".. يقف الإنسان عاجزاً أمام أعراض مرض "الفطر الأسود"، فهناك حالة من الهلع والرعب سيطرت علي العالم بأكمله خلال الأيام الأخيرة، حيث توالت الأخبار عن "الفطر الأسود"، حتى أن الحديث عنه تصدر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية ومصر ودول عربية أخرى. وانتشرت عبر التدوينات شائعات ومبالغات بشأن "الفطر الأسود"؛ وذلك بعد إعلان السلطات الصحية في الهند عن ظهور مرض" الفطر الأسود " مؤكدة أن عدد الأشخاص الذين يموتون من الفطريات السوداء يتزايد بشكل كبير، كما انتشر الخوف بين المصريين بعد إعلان شقيق الفنان المصري سمير غانم عن إصابته بالفطر الأسود قبل وفاته، فهل خرج مرض الفطر الأسود من موطنه الأصلي الهند وانتقل لدول أخري، ووصل إلي مصر .
سؤال انتشر بشكل وافر خلال الأيام الماضية والساعات الأخيرة،وتصدر محركات البحث مؤخراً، خصة بعد تضارب الأقوال حول بداية ظهور حالات في مصر منها الفنان الراحل كما قلنا سمير غانم، فهل وصل المرض الجديد إلي مصر ؟ .. والسؤال الأهم : ما هو الفطر الأسود بالضبط وعراضه؟
وهنا نقول كثر الحديث في الآونة الاخيرة عما يسمى بالفطر الاسود واسمه العلمي، Mucormycosis ، وذلك في كل أنحاء العالم مع ملاحظة زيادة حدوثه تزامنا مع استمرار موجات الكورونا المتتالية، وحقيقة الأمر أن ما اطلق عليه بالفطر الأسود ليس أسود اللون ولكن اطلق عليه هذا الاسم نظرا لأنه يتسبب في تحول الأنسجة التي يصيبها إلى اللون الأسود، وهو من أسوأ أنواع فطريات الأنف والجيوب الأنفية فهو نوع متغلغل يتسبب في تجلطات الأوعية الدموية، وبالتالي غرغرينا بالأنسجة وتحول الجلد أو العظام أو الغشاء المخاطي أو الأعضاء إلى اللون الأسود مع الرائحة الكريهة جدا التي يشعر بها المخالطين للمريض وليس المريض نفسه
والفطر الأسود هو نوع من الفطريات الذي ينمو في الأماكن الرطبة، وهو يمكن أن يظهر علي أرض بها رطوبة أو مبللة، ويمكن أن موجود علي السماد، والفواكه والخضروات خاصة المتعفنة، ولذلك الفطر الأسود شبيه بالعفن الذي يظهر علي الخضروات والفاكهة، وهو عدوى نادرة جدا، تكون نتيجة للتعرض لعفن يوجد عادة في التربة والسماد الطبيعي والنباتات والفواكه والخضراوات المتحللة.
ولذلك الفطر الأسود هو عبارة فطريات نادرة، توفر بشكل أساسية علي من تكون مناعته ضعيفة، وتعيش عددا في التربة والمواد العضوية المتحللة، وهي تصيب عادة الإنسان كأثر جانبي لتدهور مستوي الجهاز المناعي immunocompromised، ولكنها نادرة الحدوث، وتصيب عادة الأغشية المخاطية المبطنة للجيوب الأنفية، أو العينيين، أو الأنف، أو الفم، أو الأسنان، أو عظام الوجه، وقد تمتد إلي الرئتين، أو الجهاز الهضمي، أو حتي الأوعية الدموية، كما يمكن أن تحدث أيضاً علي الجلد عند حدوث جروح، أو حروق، أو أي نوع آخر من إصابات الجلد، والسؤول عن حدوث المرض هي كما قلنا بعض الفطريات التي تنتمي إلي عائلة العفنيات والتي تعيش في البيئات الرطبة، مثل التربة، أو المواد العضوية المتحللة، مثل الأوراق، أو أكوام السماد، أو الخشب .
وهذه الفطريات تسمي الفطريات المخاطية mucormycetes منها : أنواع Rhizopus وأنواع Mucor، وأنواع Rhizomucor، وأنواع Syncephalastrum، وأنواع Cunninghamella bertholletiae، وأنواع Apophysomyces، وأنواع Lichtheimia (Absidia)، وكذلك من هذه الفطريات نوع يسمي mucor mould موجود في التربة والنباتات والسماد والفواكه والخضروات المتحللة والبيئات الرطبة.
وأما عن طرق انتقال عدوي الفطر الأسود، فقد أخبرتنا الدراسات المعاصرة أنه مرض غير معدي من الإنسان أو الحيوان، ولكن ينتقل عن طريق : استنشاق الجراثيم الفطرية من الهواء الملوث من التربة الرطبة، أو البيئات العفنة، أو من تلوث جروح، أو حروق الجلد بالعفن الموجود في التربة، أو علي الفواكه، أو الخضروات المتحللة، وتناول الفواكه أو الأطعمة الموثة بالفطر.
ووفقًا لمدير AIIMS والخبير الطبي الشهير، الدكتور رانديب جولريا فإن العدوى الفطرية السوداء على الرغم من أنها تحمل معدل وفيات عالية، إلا أنها ليست معدية للجميع، وهي أكثر إصابة للأشخاص الذين يعانون من مرض السكري الشديد أو غير المنضبط، أو أولئك الذين يستخدمون العلاج بالستيرويد لفترة طويلة، حيث يمكن قمع مناعتهم؛ وتؤثر عدوى الفطريات أيضًا بشكل أساسي على الأشخاص الذين يعانون من أمراض مصاحبة شديدة أو يستهلكون بشكل روتيني الأدوية التي تثبط مناعة الجسم لمحاربة العدوى. علاوة على ذلك، يمكن تشخيص عدوى الفطريات السوداء واكتشافها عن طريق استخراج عينة سائلة من ممر الجيوب الأنفية وتصوير الأنسجة والتاريخ الطبي السابق.
ويسمي الفطر الأسود بالمرض الـ" انتهازي" لكونه يهاجم الفك والعين ويهدد بالوفاة، وسمي انتهازي لأنه يعيش في جسم الإنسان، وينتهز فرصة قلة المناعة، ويبدأ نشاطه، ويهاجم الجسم، ويسبب مرضاً خطيراً ومميتاً في بعض الأحيان، فبحسب الدراسات أن الفطر الأسود مرض ليس وليد اللحظة، ولكن كثر الكلام عليه لظهوره في نسبة من الحالات التي أصيبت بـ"كوفيد-19"، وما له من تأثير على جهاز المناعة.
وبحسب الدراسات فإن الفطر الأسود مرض موجود منذ عام 1885، حيث وجدت دراسة فى عام 2005 تؤكد أن معدل الوفيات بالفطر الأسود بلغ 54%، وصرح الدكتور هيمانت ثاكر، الطبيب الاستشارى وأخصائى القلب فى مستشفى براش كاندى، فى مومباى، أن الفطر الأسود يفرغ الدورة الدموية حتي آخر عضو في الجسم، كما ينتج عنه موت الأنسجة والتي تصبح سوداء اللون بعد ذلك، وهذا هو سبب تسميته بالفطر الأسود، وهو من نوع من الفطريات نادرة للغاية تصيب الجيوب الأنفية وتشق طريقها إلي داخل الجمجمة، فقد يموت 50 % إلي 80 % من المرضي.
وأما عن أعراض الإصابة بالفطر الأسود، فمن المحتمل أن تؤثر هذه الفطريات علي أجزاء مختلفة من الجسم، ويظهر مجموعات مختلفة من الأعراض، خاصة إذا تكونت العدوي في الجيوب الأنفية والدماغ، وبحسب بعض الدراسات الطبية الحالية علي المرض تكون الأعراض كما يلي: الحمي وتكون من خلال تورم الوجه من جانب واحد، والصداع، واحتقان الأنف أو الجيوب الأنفية، وآلام في الصدر، وضيق في التنفس .
وعندما يتسرب الفطر الأسود في مهاجمة الجهاز الهضمي، فقد تظهر بعض الأعراض الأخرى، مثل آلام في البطن، وغثيان وقيئ، وحدوث نزيف في الجهاز الهضمي، وهنا قد يتساءل البعض قائلاً : ما العلاقة بين الفطر الأسود وفيروس كورونا؟
وحسب ما أكده الأطباء ووزارة الصحة الهندية أنه ليس هناك علاقة بين الفطر الأسود وفيروس كورونا، ولكن وباء كورونا يتسبب في قلة المناعة، ومن ثم يتعرض المصاب بمرض الفطر الأسود كمضاعفات كورونا، ولذلك فإن الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة هو أكثر عرضة بالفطر الأسود، ولكن الأكثر عرضة هو مرضي السكري، ومن يتناولون المنشطات وأصحاب الأمراض المزمنة، ومن ثم فإن الفطر الأسود ليس له ارتباط مباشر بالإصابة بفيروس كورونا المستجد، ولا يجب أن يتخوف منه المواطنون، ولا يجب إثارة الذعر بين المرضى، كما أن الفطر الأسود موجود في الطبيعة والبيئة، ومن الممكن أن يصيب بعض مرضى انخفاض المناعة أو الذين يحصلون على أدوية مضادات حيوية وكورتيزون.
بشكل عام، فإن العلاج لفترات طويلة باستخدام المضادات الحيوية تهيئ الجسم لنمو الفطريات عموما، وكذلك الكورتيزون الذي يؤثر سلباً على جهاز المناعة، مما يُمكّن الجراثيم الفطرية من الجسم، وكذلك الإصابة بالفطر الأسود؛ علاوة علي أن الإصابة الشديدة بفيروس كورونا، تكون مصاحبة للحالات التي لديها عوامل خطورة مثل الأورام والأمراض المزمنة، وخصوصاً مرض السكر الذي يعتبر من العوامل التي تساعد على الإصابة بالفطر الأسود.
لكن الجزء المطمئن فى هذا "المرض الانتهازى"، كما تؤكد بعض الدراسات الطبية الحالية، أن "الفطر الأسود" ليس بمرض معدٍ، ومن ثم لا يمكن أن ينتقل بين البشر والحيوانات، ويصاب الأفراد بهذه العدوى عن طريق التعرض للفطريات في البيئة إذا تم استنشاقها، يمكن أن تصيب الفطريات الرئتين أو الجيوب الأنفية.
وعلاج هذا المرض متوفر وسهل، ولكن نظرا لفقر الهند، كان القرار باستئصال العين أسهل وأرخص من العلاج، ولهذا يجب ألا نستمع لما يتم نشره بطرق مغلوطة، فلا يوجد شىء اسمه وباء العفن الأسود، ووارد أن يحدث إصابات، لكن علاجه وتحجيم الحالات سهل، إضافة إلى أنه غير معدٍ أو ضار في معظم الأحيان، غير أنه يسبب التهابات خطيرة لمن يعانون من ضعف الجهاز المناعى، فأغلب المصابين به في الهند هم المصابون أو المتعافون من فيروس كورونا، ممن ضعفت مناعتهم أو يعانون من أمراض كامنة مثل مرض السكرى، الذي يعد من أعلى معدلات الانتشار في العالم بالهند.
ويشترك في علاج مرضي الفطر الاسود مجموعة من التخصصات تشمل اطباء المناعة والأنف والجيوب الانفية والعيون وجراحة المخ والأعصاب والباطنية وآخرين، ويعتمد علاج الفطر الأسود أساسا على سرعة استعادة وتحسين المناعة أولا بعلاج المسببات مع تعاطي عقاقير ضد الفطريات بالوريد تحت رعاية طبية دقيقة وموضعية بالأنف في محاوله لتحديد انتشاره، وبعد ذلك يمكن استئصال كل أماكن الغرغرينا السوداء المصابة بالفطر بالأنف والجيوب الانفية وما حوله
وحسب الدراسات الطبية المعاصرة فهناك عدة نصائح لعدم التعرض لعدوى الفطر الأسود، وهى :
1- عدم استخدام الكورتيزون لمرضى كورونا من الحالات الشديدة إلا بإشراف طبى في المستشفيات.
2- التوجه إلى الطوارئ في أي مستشفى إذا شعر بالأعراض السابقة أي مصاب أو متعاف من كورونا مؤخرا، أو مريض سكرى غير منتظم أو تعاطى أدوية مثبطة للمناعة مثل الكورتيزون أو الكيماوى، وإذا كنت طبيبًا وتتعامل مع أحد المرضى السابق ذكرهم برجاء عدم أخذ الأعراض باستهانة وطلب الأشعة المقطعية لاستبعاد العدوى بالفطر والمتابعة على فترات قريبة.
3- علاج مرضى الفطر الأسود يحتاج إلى إشراف مجموعة تخصصات: أنف وأذن، وأعصاب ورمد وتجميل وأشعة، ولهذا يجب التوجه إلى المستشفيات التخصصية وليس المراكز والعيادات، ويتمثل العلاج في مضاد للفطريات بالوريد مع جراحة لإزالة الأنسجة الميتة من الوجه ومحجر العين (وأحيانًا للأسف تكون إزالة العين هي الحل الوحيد ولكن في حالات بسيطة) مع رفع مناعة المريض، الذي يحتاج عادة إلى الدخول للرعاية المركزة، حفاظًا على حياته.
4- تحويل حالات الفطر الأسود عند التشخيص لمراكز تخصصية لأخذ فرصة العلاج القصوى لإنقاذ الحياة ثم إنقاذ الأنسجة المتبقية.
5- بما أن الفطر الأسود يهاجم مرضى نقص المناعة والسكرى وكورونا المعالجين بجرعات كورتيزون عند نقص المناعة، فيجب منع حقن "فيلر" الوجه والشفاه، وحقن كورتيزون الجلد إلا للضرورة العلاجية الملحة، وتحت إشراف طبى، وعدم أخذ كورتيزون بدون داع، وضبط السكر، وعدم تناول أطعمة مخزنة بالثلاجات لمدة طويلة، والابتعاد عن المعلبات والمواد الحافظة، والحرص على تناول الأطعمة الطازجة.
6- تنظيم حملات لرش مبيدات الفطر الأسود "«تيرازول وبنتاكلور ونيتروبنزين PCNB"، مع ضرورة توفير بروتوكول الفطر الأسود بجميع الصيدليات ويشمل حقن أمبيزوم، وشراب نوكسافيل ٤٠ مجم، ومراهم أمفوتريسين "ب"، لأن الفطر ينتشر في البيئة الزراعية حيث إنها بيئة خصبة لنمو الفطريات ولا ينتقل من إنسان لآخر، أو عن طريق الحيوانات، والطريقة الوحيدة للعدوى به هي استخدام أدوات ملوثة بالفطر الأسود، من مريض بضعف المناعة لآخر مصاب بالضعف المناعة أيضًا.
ونحمد الله أن البلاد التي نجحت في تطعيم نسبة كبيرة من موطنيها يقل فيها ظهور مثل هذه المضاعفات الخطيرة لمرض الكورونا، فالمعلوم ان التطعيم قد لا يمنع العدوى تماما لكل الناس ولكنه أثبت فعاليته بالفعل في عدم تطور المرض إلى مراحل متقدمة وظهور مثل هذه المضاعفات الخطيرة وبالتالي نجح في انخفاض نسبة الوفيات بدرجة ملحوظة.
تخيل؛ شعب منفلت ومتسيب يرفض أخذ المصل كما تقول الأستاذة سحر الجعار في مقالها الفطر الأسود الانتهازي، ويزور مرضى كورونا «تعاطفاً»، ويشك فى بروتوكول العلاج ومصل كورونا والكورتيزون (يدخل أحياناً ضمن علاج كورونا).. أى إنه يهيئ البيئة الحاضنة للفطر الأسود ثم يستغيث منه.. لا عقوبات ولا حظر ولا منع شيشة نافع لأن الناس أصلاً تستهين بالحياة بقدر ما تقدس الموت!.
أ.د. محمود محمد علي
رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط