أوركسترا

عدنان حسين أحمد: الحصان.. فيلم روائي يقاوم سياسة التعريب والتهجير القسري

يقترن اسم المخرج الكوردي مهدي أوميد بالريادة السينمائية في العراق، فهو مُخرج فيلم "النفق"؛ أول فيلم ناطق باللغة الكوردية أنجزه في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. أمّا فيلم "الحصان" الذي نحن بصدده الآن، فهو الرابع من حيث التسلسل بعد "قطيع الذئاب" و "صائد الجن". وتتمحور قصته على ثيمات رئيسة وثانوية متعددة من بينها التعريب، والتهجير القسري، ومصادرة البيوت والممتلكات الخاصة، والاستيلاء على الأراضي الزراعية، ومحاولة محو الذاكرتين الفردية والجماعية. ولو تمثّلنا الفيلم جيدًا لوجدناه يناقش موضوعات متنوعة من بينها الحرب، والإرهاب، والقتل، والانتقام، والنفط، والغاز، نزولًا إلى الحيوانات الأليفة المُدجّنة التي قُدِّر لها أن تخدم الإنسان وتُذلل له الكثير من مصاعب الحياة اليومية وخاصة في القرى والأرياف والبلدات الصغيرة التي تفتقر إلى مستلزمات الحياة العصرية المتقدمة.756 Horse movie

المعروف عن المخرج مهدي أوميد أنه يكتب سيناريوهات أفلامه بنفسه الأمر الذي يُحقق له رؤيته الإخراجية من الناحيتين الفنية والفكرية، ولو شئنا الدقة، لقلنا الجمالية أيضًا. فغالبية المخرجين الذين درسوا في جامعات موسكو ومعاهدها السينمائية وتخرّجوا فيها يتميزون بشكل عام بالرصانة والبناء المُحكَم لأفلامهم بدءًا من كتابة السيناريو والحوار، مرورًا بالتمثيل والأداء المُتقَن، والتصوير، وانتهاءً باللمسات المُونتاجية التي تشذّب الفيلم من زوائده وترهلاته، وثرثرته الكلامية والبصرية إن وُجِدت. يمزج فيلم "الحصان" بين التقنيتين الروائية والوثائقية، فثمة اقتباسات شديدة الأهمية لخُطَب مسعود البارزاني، وجورج بوش الابن، وتوني بلير تمهّد الطريق إلى المتلقي لفهم ما يدور على أرض العراق الذي غزته قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأسقطت نظام صدام حسين وحزب البعث في العراق في 9 أبريل / نيسان 2003. ثم يتولى الأب  پير داوود دور الراوية والمُشارك في صنع الأحداث منذ مُستهل الفيلم حتى نهايته الذكية القائمة على المضمون الدالّ الذي يهزّ مشاعر المتلقين ويمنحهم الإحساس بالنفحة الإبداعية التي يمكن تلمّسها في العديد من مواضع الفيلم.

تدور أحداث الفيلم مكانيًا في كوردستان العراق بحضور وسائل الإعلام المحلية والعالمية حيث تنتظر الناس بقلق شديد في الشوارع والجميع يتساءلون عن لحظة الشروع بالحرب وبدء الهجوم الأمريكي المرتقب. والشعب الكوردي يخشى من الهجمات الكيمياوية التي سبق وأن جرّبها وذاق مرارتها في مدينة حلبجة وراح ضحيتها بضعة آلاف من المدنيين الأبرياء فلا غرابة أن يخشى الجميع من الغازات الكيمياوية السامّة، فالشعب لا يمتلك الأقنعة المُضادة للأسلحة الكيمياوية وليس بحوزتهم سوى الكِمامات التي يبيعها الأطفال في الشوارع. يقول الرئيس مسعود بارزاني في أولى تصريحاته الإعلامية: "إننا نتطلّع إلى أن يتحوّل العراق إلى عراقٍ مُسالمٍ آمنٍ؛ إلى واحة خير. وأن نعفو على أعلى قدرٍ ممكن، وأن تتسع صدورنا لأكبر فسحة ممكنة من التسامح مع المصارحة وكشف الحقائق". أمّا تصريح جورج بوش الابن فقد تضمّن المعلومات الآتية التي يقول فيها: "في هذه اللحظة يتم فيها خلع صدّام حسين ونظامه من الحُكم بينما القوات الأمريكية وقوات التحالف تعمل في داخل بغداد وتُنهي فترة من الخوف والقسوة دامت لمدة طويلة. إنّ هذه القوات تعمل داخل بغداد ولن تتوقف إلّا بعد أن تزول عُصبة الفساد". بينما يؤكد توني بلير على القول: "إنّ قواتنا أصدقاء ومحررون للشعب العراقي؛ إنهم ليسوا غزاة لأرضكم ولن يبقوا فيها فترة أطول مما هو ضروري".755 Horse movie

محاولات التعريب وطمس الهُوية

يروي پير داوود قصته للمتلقين بطريقة حميمة يقول فيها: "أنني شخص متواضع من مدينة "پردێ" أو "آلتون كوبري" التابعة لقضاء "الدبس" في محافظة كركوك. تعرضتُ للترحيل القسري". ثم يمضي في سرد هذه القصة المؤثرة فنفهم بأنّ لديه أراضٍ زراعية خصبة إلى جانب نهر "الزاب الأسفل".وقد بنى بيديه بيتًا جميلًا حتى أنه يتذكّر عدد الطابوق، وأكياس الإسمنت، والأبواب، والشبابيك التي استعملها. كما يتذكر الأشجار والحديقة الرائعة التي رعاها بنفسه. كان والده يقول دائمًا:"إذا كانت كركوك هي قلب بلدي فإن "پردێ" هي عينها". وفي أثناء حكم البعث حاول صدام حسين تعريب محافظة كركوك برمتها حيث جلب آلافًا من العوائل العربية من جنوب العراق وأسكنها في ربوع هذه المحافظة الغنية بالثروات النفطية. وحينما انطلقت الانتفاضة الشعبية العارمة سنة 1991 وفرّ الكورد إلى الشمال تمّ الاستحواذ على منازل المنتفضين ومصادرة أراضيهم وأملاكهم من قِبل بعض الضباط والمسؤولين البعثيين وعناصرهم الأمنية، سيئة الصيت والسمعة. وكان المقدّم جبّار التكريتي هو أنموذج للشخصية البعثية التي استولت على منزل العم داوود وصادرت أراضيه. وسوف يعود هذا الرجل الكوردي بعد أكثر من عشرين عامًا ليطرد منْ تبقى من عائلة المقدم جبار، ويستعيد منزله وأراضيه المستباحة.

لا شكّ في أنّ القوميات الثلاث والمذاهب الدينية المتنوعة كانت متآخية ومنسجمة مع بعضها بعضًا، وأنها "كانت تعيش بسلام حقًا" كما يذهب والد  پير داوود لكن الحكومات والأحزاب القومية هي التي تعتاش على الحروب الداخلية والمنغصات المُدمرة لمختلف أطياف الشعب العراقي، فتارة تعزف على الوتر القومي، وتارة أخرى تضرب على الوتر الديني الحسّاس، وتارة ثالثة تلامس الوتر الطائفي لتتفرج في نهاية المطاف على احتقاناتهم التي قد تصل إلى حد المجارز في بعض الأحيان. وعلى الرغم من ظُلم صدّام حسين وقسوته المُفرطة تجاه الشعب العراقي برمته، ومحاولاته المستميتة لزرع بذور الخلاف والكراهية بين أطياف الشعب العراقي إلّا أنّ الزمن لفظهُ وأصبح جزءًا من التاريخ. ومن يتأمل هذه القصة لا يستغرب نتائجها، فآراس هو الولد الوحيد لأبيه داوود لكنه لم يكن يجرؤ على ذبح دجاجة ومع ذلك فقد سبق والده في الذهاب إلى مدينة كركوك وساهم في تحريرها من ربقة صدام وأزلامه ولكنه مثل بعض الشباب الطائش ارتكب خطأً جسيمًا حينما استولى على سيارة صغيرة تابعة "للعدو" لكن والده أصرّ على إعادتها لصاحبها لأنّ السرقة أمر مذموم ويتمنى ألّا تلتصق هذه الخصلة بأي مواطن كوردي فكيف إذا كان هذا "السارق" ابنه؟! لقد فرِح الأب بتحرير كركوك وغمرته السعادة لكن الشيء الأكثر أهمية بالنسبه له هو كيفية المحافظة عليها وإدامة زخم التحرير في مختلف أرجائها.757 Horse movie

يحاول المخرج مهدي أوميد أن يربط بين نار كركوك الأزلية التي تنير المدينة كلها وبين الديانة الزرادشتية التي تقدّس النار وتمجِّدها. ولعلنا نتذكر الشاعر بشّار بن برد الذي قال:

"الأَرضُ مُظلِمَةٌ وَالنارُ مُشرِقَةٌ

وَالنارُ مَعبودَةٌ مُذ كانَتِ النارُ"

تنطوي قصة هذا الفيلم على آراء وأفكار عديدة تعتمل في أذهان البطل الرئيس والشخصيات المؤازرة بمن فيهم صانع الفيلم ومُخرجه الذي يرى أن نفط العراق لا يستفيد منه العراقيون والكورد معًا، فصدّام يبيع النفط ويشتري بثمنه دباباتٍ ومدافعَ يستعملها ضد العراقيين أنفسهم. كانت شعارات صدّام مبثوثة في كل مكان من أرض العراق وثمة جدارية مخطوط عليها شعار لا يتطابق مع الواقع ويثير السخرية مفاده:"صدام اسمك هزّ أمريكا"! بينما لم يهزّ هذا الشعار الزائف حركة إعرابية واحدة من اسم أمريكا، سيدة العالم بلا منازع حتى الآن.

لعلنا نصل إلى ذروة القصة السينمائية في مشهد الوصول إلى البيت المسلوب وانتزاعه من مُغتصبيه. وقد رأينا الوالد ذو النزعة الرومانسية وهو يصف لابنه آراس شكل البيت الجميل الذي شيّده بيديه ويراه بأنه أجمل من أي  فندق في العالم كله! حينما يصل پير داوود وابنه آراس إلى بيتهم نتعرف إلى عائلة المقدم جبار التكريتي وهما ليلى وشقيقها الأصغر محمد وهو شخص عنيد ومتعصب ولا يتورع عن استعمال السلاح والمقاومة، فهو يَعتبر علي كيمياوي والده الروحي وأنّ أفراد هذه العائلة الكوردية هم مجرد عُصاة ومتمردين لا غير! وحينما يصفعه آراس ليوقف ثرثرته العجفاء يتدخل الوالد ويمنعه من مواصلة ضربه وتوبيخه حتى أنه يفسّر كلمة "عُصاة" التي أطلقها محمد بأنها تعني "الأبطال" وليس "المخرّبين" بحسب المفهوم البعثي الذي مزّق النسيج الاجتماعي للفسيفساء العراقية. يَعتبر محمد أنّ هذا البيت هو بيتهم لأنه عاش فيه ثلاث عشرة سنة ولم يرَ غيره فتصور أن مِلكية هذا المنزل تعود إلى أبيه الذي سنعرف لاحقًا أنه كان عريفًا في الجيش العراقي. وفي أحد الأيام قتل 26 شخصًا في نقطة تفتيش كركوك. ونتيجة لهذا الفعل الوحشي منحه "القائد" رتبة مقدّم. وهذا المقدم هو الشخص الذي استولى على بيت پير داوود وأقام فيه طوال السنوات الطويلة المنصرمة. يطلب الأب من ابنه آراس أن يجلب زوجته "تانكا" وابنته الصغيرة "آفريدا" التي ستتعرّف على ليلى وتتجاذب معها أطراف الحديث وتخفِّف قليلًا من وطأة التوتّر الذي أشاعه شقيقها محمد وفاقمه آراس الذي بدأ يتضايق من تساهل والده وتسامحه معهم واعتبارهم ضيوفًا في منزله لكنه طلب من ابنه أن يرفع السيوف التي تغطي جدارًا كاملًا من صالة الاستقبال حتى أنّ ليلى ساعدته بنزع السيوف وإزالة صورة صدام حسين وابن عمه علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي وإلقائها خارج المنزل الذي بدأ يسترد عافيته.

هاجس الانتقام أم حماية المُستجير؟

يبدو أن العرب أكثر حماسًا وتوترًا من الكورد، فإذا كان العم داوود قد ضبط أعصابه وعاملَ مُحتلي بيته بالحسنى وضيّفهم في منزله فإن العرب الذين هجّرهم صدام من الجنوب وأتى بهم إلى مضارب كركوك هم الذين يرفعون شعارات "طردونا وذبحونا"؛ أي أزلام صدام، ويطالبون بالانتقام من أبناء المقدم جبّار الذي هرب في أثناء سقوط النظام البعثي وذهب إلى جهة مجهولة ولم يترك سوى ابنته ليلى التي تعاطفت مع الضحايا وشقيقها محمد الذي ظل يناوئ أهل الدار ويضمر لهم حقدًا وشرًا واضحَين. لم يكن مهنّد هو الشخص الوحيد الذي يريد الانتقام وإنما شعلان أيضًا الذي يؤكد على عُرف العين بالعين، والسن وبالسن والبادي أظلم. بينما العم داوود الذي قتلَ المقدم جبار أخيه وزوجته وحينما عاد اكتشف أنّ أحدًا لم يأخذ بثأره ومع ذلك رفض تسليم "ضيوفه" إلى الناس المتضررين من المقدم جبار التكريتي، وذهب أبعد من ذلك حينما صفق الباب بوجوههم في إشارة واضحة إلى أنّ الإنسان الحقيقي لا يسلّم من استجار به وإن كان مُحتلًا لبيته قبل سويعات. وحينما هربا من الخوف إلى الممر الخلفي أعادهما العم داوود وشملها بحمايته من جديد. حاول آراس غير مرة أن يتخلص من ليلى ومحمد لكن الأب رفض هذه الفكرة فالحياة في تلك المضارب تسير على هذه الشاكلة وظل يؤكد على فكرة الأخوة العربية الكوردية التي رفضها الابن جملة وتفصيلًا حتى أنه وصفها بالأكذوبة الكبيرة مع أنّ واقع الحال يؤكدها ولا يذهب بالاتجاه المعاكس لها.

تتكرر اللقاءات التلفازية مع المواطنين الكورد رجالًا ونساء وخاصة الشباب منهم وكلهم يحلمون بوطن مستقل لا يخضع للسلطة المركزية ببغداد وهم يطالبون الدول الكبرى في العالم أن تفهم هذا التوجه الأصيل للحرية والاستقلال.

يستثمر المخرج مهدي أوميد أحد المَشاهد المُصوَّرة التي يظهر فيها مواطن عراقي يُدعى "أبا تحسين" وهو يحمل صورة مرسومة على الكانفاس لصدام حسين وهو يرتدي زيّه العسكري ويضربها بنعله صارخًا بجملٍ وعبارات باتت معروفة للمواطن العراقي من بينها:"هذا هو الذي دمّرنا، هذا هو الذي قتلنا، وقتل شبابنا. يا ناس لو تعرفون هذا شسوّى (ماذا فعل) بالعالم، شسوّى بالعراق؟ سوّى ما سوّى بالعراق، لقد قتل الملايين منّا". ثم يظهر بوش ثانية ليؤكد:"أنّ العراقيين سيعيشون من دون مصاعب العقوبات الاقتصادية، أحرارًا في السفر، وفي الإعراب عن الرأي". وفي خضمّ هذه التوترات يشعر العم داوود بغياب ليلى التي توارت فجأة حيث يطلب من آراس أن يفتش عنها في غرف المنزل وزواياه بينما يتجه هو إلى مهنّد وشعلان اللذين كانا يبحثان عنها وعن شقيقها محمد لإشباع رغبتهما في الانتقام من أسرة المقدم جبار التكريتي الذي أساء للناس عربًا وكوردًا ومن بقية المكونات العِرقية والدينية التي يتألف منها النسيج الاجتماعي لمدينة كركوك وضواحيها المعروفة.

يعتقد محمد أنّ شقيقته ليلى هي التي سرقت النقود التي ادخرتها العائلة وهربت بها ولم تترك له سوى مئتي دولار من أصل مئتي ألف دولار. ثمة شخص عربي يغني أغنية تكاد تختصر الوضع العراقي برمته حيث يقول بالمحكية العراقية:"روح أنشرها بالجريدة، يقولون صدّام جان ريّس وإحنا عبيده". ما يزال العم داوود يتهم مهنّد وشعلان بأنهما يقفان وراء خطف ليلى وقتلها وانتقدهما بشدة لأنهما يؤمنان يعقلية الانتقام والتشفّي؛ هذا الفعل السيء الذي يجب أن يُقبر إلى الأبد.

الحصان.. ضحية الاستبداد وقسوة السلطة

يَعتبر العم داوود حصانه كائنًا مسكينًا، فهو بريء بالمطلق، ولم يقترف ذنبًا، ويشعر بأنه ضحية الاستبداد والقسوة البشرية، ولا يريد أن يراه بعد الآن لأنه من بقايا تلك الحقبة المشؤومة، ووعده بأنه سيحرره ويخلي سبيله غدًا، ويمنحه الحرية المُطلقة، ولا يريد أن يراه أمام ناظريه بعد الآن. ثمة شاب يصبغ الجدارية التي تحمل الشعار الكاذب "صدام اسمك هزّ أمريكا" في إشارة واضحة بأنّ هي التي هزّت صدام واقتلعته من جذوره ومحت أحرف اسمه الممقوت من قِبل غالبية العراقيين باستثناء بعض المغفّلين الأيتام أو الضحايا الذين يتماهون مع عقلية الجلّاد.

يعرّج المخرج مهدي أوميد على بائع النفط الذي جسّد دوره المخرج نفسه، وقد كان هذا البائع يتجوّل في الأزقة ويزوّد بيت المقدم جبّار بالنفط والغاز، وقد أخبره ذات يوم بأنه، هو وصدام حسين، كلاهما يبيع النفط لكن الفرق الوحيد بينهما أنه ينفق 15% من دخْله على حماره حيث يشتري له علفًا جيدًا وأعشابًا طرية شهيّة، ويحافظ على سرجه بشكل جيد، أمّا صدام حسين فهو لا يُعطي شعبه شيئًا. ومنذ ذلك التاريخ لم يعرف أحد مصير "دارا"، بائع النفط لأنّ المقدم جبّار أرسله إلى مصير مجهول.

تتضح دلالة الحصان وسبب اختياره عنوانًا للفيلم. ومع أنّ هذا الحصان ليس أصيلًا إلّا أنه كان في الماضي أنيقًا وجميلًا ذا رأسٍ كبير جدًا، وقد خصص له علي كيمياوي خمسين شخصًا يهتمون به، وقد هدّد المقدّم جبار بقتله إذا سقطت من الحصان شعرة واحدة! فلاغرابة أن يقْدم العم داوود على عقد صفقة مع بائع النفط "دارا" مفادها أن يُحرر الحمار ويعطيه الحصان بدلًا منه. ومع أنّ الحصان يرمز إلى القوة والحيوية والنشاط، وأنّ الناس الذين يمتلكون الجياد هم المنتصرون دائمًا بينما لا يمتلك الكورد سوى الحمير. يُخلى سبيل الحمار الذي وصل إلى سن التقاعد ويحصل على حريته بعد فوات الأوان بينما يثور الحصان ويتخلص من العربة والنفط وقناني الغاز.

قبل أن تصل قصة الفيلم إلى نهايتها نكتشف أنّ محمدًا قد خطف ابنة العم داوود وأنه سيقتلها إذا لم تتم الاستجابة لشرَطه القاسي الذي يتمثّل بأن يكتب العم داوود بخط يده تنازلًا عن الدار والأرض والممتلكات إلى السيد محمد جبّار التكريتي. وقبل أن يُكمل نطق الاسم شُهرت عليه فوّهات البنادق من نافذتيّ السيارة وحرروا الضحية المخطوفة. أمّا خلاصة الفيلم فهي تتمثل بما سمعه العم داوود من رجل مؤمن ومخلص جدًا يقول:"الله يغفر كل الذنوب ما عدا ذنب القتل". والإرهاب يعني القتل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. ترى، هل بدأ الإرهاب منذ تلك اللحظة التاريخية الفارقة أم أنّ جمراته كانت مدفونة تحت الرماد منذ أمدٍ بعيد؟ أم أنّ الانتفاضة هي التي ألهبت النار وحرّرت طائر الفينيق من جديد؟

بقي أن نقول بأنّ مهدي أوميد هو قاص ومخرج مسرحي وسينمائي من مواليد كركوك. حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من أكاديمية السينما VGIK . أنجز خلال مشواره الفني خمسة أفلام وهي على التوالي (النفق، قطيع الذئاب، صائد الجن، الحصان، وعازف السنطور). صدرت له رواية بعنوان "أبراج موسكو وفتيات السماء". حاز فيلم "الحصان" على جائزة أفضل إخراج في مهرجان موسكو السينمائي للأفلام الكوردية سنة 2024.

***

عدنان حسين أحمد

في المثقف اليوم