أوركسترا
تشنغدو.. مدينة الضباب والمقاهي وحيوان الباندا
تقع الصين شرق اسيا، تتألف من(22) مقاطعة و(5) مناطق ذاتية الحكم و(4) بلديات تدار مباشرة .. مساحتها الكلية (9،6) مليون كم2 ونفوسها تقريبا (1،500) مليار نسمة ساحلها يمتد لمسافة (14،500) كم يحده من الجنوب الشرقي بحر الصين الجنوبي ومن الشرق بحر الصين الشرقي، اصبحت الصين اسرع اقتصاديات العالم نموا واكبر الدول المصدرة منذ ادخال الاصلاحات الاقتصادية على نظام السوق عام 1978م ويعتبر الاقتصاد الصيني اكبر اقتصاد في العالم اليوم، عندما بلغت ودائع المقيمين فيه (7) مليار دولار وبات اقتصادها ثاني اقتصاد في العالم يضم (315) ملياردير .
مقاطعة سيشوان:
هي ثالث اكبر مقاطعة صينية من حيث عدد السكان يبلغ تعداد سكانها (135) مليون نسمة حسب احصاء عام 2003 ومساحتها (569) الف كم2 عاصمتها الاقليمية مدينة – تشنغدو- التي يبلغ عمرها اكثر من الفي عام يقطنها عشرة ملايين نسمة، تقع في الجنوب الغربي للصين وتتمتع بمناخ شبه استوائي ورياح موسمية ودرجة حرارة معتدلة (16- 35 درجة مئوية)، فهي تعد مدينة الحرية والسياحة بسبب ظروف الطبيعة الفريدة مثل امطارها الغزيرة وأراضيها الخصبة، وهذا يجعل مزاج الناس رائقا بلا هموم بسبب الجو المريح المفعم بالحيوية والنشاط وملذات الحياة المختلفة .
مدينة تشنغدو:
تعتبر مدينة – تشنغدو – قاعدة إقليمية رئيسية للعلوم والتكنولوجيا والتجارة ورابع اغنى مدينة في الصين وعاشر افضل مدينة للاستثمار الاجنبي في منطقة اسيا والمحيط الهادي تقع فيها اكبر قاعدة ابحاث لتوالد – حيوان الباندا – العملاقة في العالم ومطارها الدولي رابع انشط مطارات الصين، وعند التجوال في شوارعها يعجبك الجلوس في مقاهيها لتناول الشاي والجلوس في المقاهي جزء من حياتهم اليومية ولا يستغنون عنه ابدا مثل مقهى الشاي بمعبد داتشي البوذي وبمجرد بزوغ الشمس من خلف الغيوم يتدفق الناس شيبا وشبانا الى اكثر من ثلاثة آلاف مقهى للشاي في شتى انحاء المقاطعة .فهي مدينة لا تنام وفي حالة حركة دائمة بناياتها مزينة بلوحات ضوئية ليلا لا يعانون من ازمة كهرباء . شوارعها عريضة واسعة مزينة بالحدائق والنواعير من الممكن ان تمشي الدراجات النارية والهوائية على الارصفة ضمن مكان مخصص لها ولكن بسرعة بطيئة وهناك من يستخدم الدراجات النارية للأجرة اسوة بالسيارات والكثيرون ينقلون عوائلهم بواسطتها حتى الاطفال .
– تشنغدو- ذات مناخ شبه استوائي تهب عليها الرياح الموسمية مما جعل ربيعها يأتي مبكرا وصيفها حار وخريفها بارد وشتائها دافئ وأفضل الفصول للسياحة آذار – حزيران في نصف السنة الاول وأيلول – تشرين الثاني في نصف السنة الثانية، وهذا ما نلاحظه في وجوه الناس من ابتسامة مرسومة على الوجوه وما يرتدونه من ملابس انيقة ملونة وخاصة النساء ذوات البشرة البيضاء الجميلات الرشيقات .
فندق شانكري لا:
ذو الـ (36) طابق والـ (593) غرفة ضيافة فخمة يخدم زبائنه من خلال حفاوة الاستقبال ويحترم معتقداتهم الدينية .. في غرفة المنام تجد نسخة من القرآن الكريم باللغة العربية والصينية وسجادة صلاة فيها اتجاه القبلة اضافة الى جدول بمواعيد الصلاة اليومية، الثلاجة لا تحتوي على المشروبات الكحولية وتختصر على المشروبات الغازية والحلوى فقط .. وهذا يدلل على انهم شعب مسالم يتسم بالبساطة، يحترم معتقدات الاخرين ولا يتدخل في تفاصيلها .
سوق تشانسكي:
منظم بشكل جميل تتوسطه الاشجار لا تدخله السيارات وعلى جانبيه محلات تجارية تبيع مختلف البضائع لكنها غالية الثمن مثلا نظارة شمسية رجالية بمبلغ 600 دولار وهذا يدلل على ارتفاع القدرة الشرائية لأهل المدينة، النساء في ابواب المحلات تنادي الزبائن للشراء وقد تعتقد للوهلة الاولى بان المحلات هي مزاد علني مفتوح رخيص الثمن لكن عندما تدخل المحلات تصاب بالدهشة لغلاء الاسعار ولا نقاش بالأسعار معهم لأنها – ماركة – ثابتة غير قابلة للتخفيض، والكثير منا يعتقد بان الصناعة الصينية رديئة ورخيصة الثمن لان نظارات شمسية في العراق بسعر 2 دولاركما تعودنا عليها…. زميلي نسى بضاعته في محل لبيع الحلويات وقد عثر عليها احد المتبضعين الصينيين وسلمها الى – ادارة المفقودات – في الطابق السفلي على الرغم من ان جميع ابناء المدينة تدين بالأفكار البوذية فقلت في نفسي وجدت الاسلام الذي فقده بعض الضعفاء في بلدي .
النساء:
يتمتعن بأنوثة فاتنة يظهرن لطيفات جذابات ساحرات عندما تسمعهن يتكلمن تشعر بالنعومة والدهشة لتقول كيف يعيش رجالهم دون مبالاة بهذا الرحيق الذي ينساب كالزلال . وبسبب الجو المعتدل اغلب النساء ترتدي الملابس القصير (الشورت) وتتجول في الشوارع والأسواق ويسقن الدراجات . لكن هناك انضباط عالي في الشارع واحترام لمشاعر الاخرين . انوفهم قصيرة جميعا فهم الشعب الوحيد الذي لا يحتاج الى عمليات تجميل الانوف كما موجود لدى شعوب اخرى مولعة بالتجميل .
الطعام:
عندهم طيب وخاصة المطعم التركي وسط المدينة حيث الاغاني والموسيقى التركية الجميلة يقدم لك الطعام الحار لكنه غالي الثمن قطعة سمك سلمون 100 غرام بسعر (80RMB) أي ما يعادل 16 الف دينار عراقي، كما مناخاها الطيب وأراضيها الخصبة بحيث كل مدينة تنتقل اليها تجد نفس التطور العمراني والثقافي لا فرق بين مدينة وأخرى لذلك الناس يشعرون بالسعادة اينما وجدوا ولا يفضلون الانتقال من مكان لأخر وقد تجاوزوا البنى التحتية منذ عقود .
البناء العمودي:
لا يتوقف وكأنهم يزرعون النخيل والطرق المعلقة احيانا تكون ثلاث طوابق لمسافة 70 كم طول … قلت في نفسي من الممكن الاستعانة بالشركات الصينية لإعمال البناء والطرق في بلدي مقابل النفط لو سمحت لنا القوانين وهم اليوم يستثمرون في قطاع النفط والغاز لدينا.
وسام:
فلسطيني الاب لبناني الام اردني الجنسية يعيش في تلك المدينة منذ عام 2009 متزوج من أمرآه صينية وصاحب مطعم – سفاري دبي – يقدم الاكلات العربية على الطريقة الاسلامية المعروفة كذلك النارجيلة والشاي الاسود المطعم بالنعناع، لم يحصل على رخصة الزواج والإقامة الا بعد ان جلب تأييد من بلده بأنه غير متزوج لان النساء عندهم (ترفع نصف السماء) كما يقول المثل الصيني القديم، وقد دفع مبلغ (20) الف دولار مقابل اقامته في الصين كما يقول .
دار الاوبرا:
تشكل زيارتها تجربة فريدة لا يمكن تفويتها للزوار الراغبين في التعرف على الفنون المسرحية الشعبية التقليدية وتضم ثلاث فصول وهم يؤدون الرقصات بالملابس الكلاسيكية المزركشة الطويلة، ينقلون اليك تراثهم القديم بأسلوب عصري حديث وبأدوات محلية الصنع كالدمى والناي والطبل والجوزه والبوق … يقدمون لك الشاي الاخضر مع الحمص كجزء من اصول الضيافة الصينية وقد قدموا لنا لوحة (كونفوشيوس) عندما ظهر بأفكاره الجديدة لكن تم تشويها واعدم، و يصاحب العرض حركات بهلوانية بالأيدي تثير المشاهدين من قبل احدى الممثلات فهي تعرض اصابعها على شاشة خلفية وكأنها حيوانات متحركة وأخر يؤدي الموسيقى مرة بالآلة الموسيقية ومرة بواسطة يده وفمه، على الرغم من ان العرض باللغة الصينية الا ان مقدمة البرامج تعطيك نبذة مختصره عنه باللغة الانكليزية لوجود عدد من السياح الاجانب كذلك الحركات التعبيرية تفهمك المغزى، لكن زميلي نام اثناء العرض واخذ يشخر مما اثار الجالسين وجعلهم يضحكون وينظرون اليه بدلا من المسرح .
مسرح الفردوس:
يقدم برامجه ليلا ولمدة ساعة واحدة بمبلغ خمسين دولار اجرة الدخول للشخص الواحد، في البداية يعرضون عروض تاريخية تمثل سلالات الحكم الصيني القديمة بأسلوب تعبيري وكأنهم يقولون لنا نحن التاريخ والحضارة ايها الجالسون المتفرجون ثم يعرضون الربيع رمز تبدل الفصول بعدها يعرضون بنات التبت يحملنَ الورد وكأنهم يقولون بان التبت جزء من الصين وهي رمز الخير والعطاء، العرض المسرحي عندهم ينمي الروح الوطنية للمواطن ويجعله اكثر التصاقا ببلده البالغ تعداده اكثر من مليار ونصف المليار نسمة .
حديقة الباندا:
عبارة عن محمية كبيرة ومركز رائد للبحوث العلمية حول هذه الدببة المهددة بالانقراض مزروعة بقصب السكر الغذاء الرئيسي للحيوان يتناوله وهو مستلقي على ظهره بعد ان يمسكه بكلتا يديه يزيل منه القشر الخارجي بواسطة الفم، وهو حيوان كسول، في الصيف يكون موسم التزاوج وعليه يعُرض عليه فلم التزاوج من الباندا نفسها لكي يطرد الكسل منه و يتزاوج للمحافظة عليه من الانقراض، وقد عرُضت صغار الباندا المولودة حديثا خلال مؤتمر صحافي في قاعدة بحوث تشنغدو وقًدم (14) مولود للباندا جميعهم ولدوا خلال عام / 2013…. اضافة الى الباندا الابيض والأسود او الابيض المخطط بالسواد هناك انواع مهجنة تشبه القط الاحمر الطويل الذيل ذو الراس الصغير، ينقلونك داخل المحمية بواسطة سيارات مفتوحة لسعة مساحتها .
ماوسي تونغ (1893- 1976):
باني الصين الحديثة وصاحب الثورات الثقافية له تمثال كبير في ساحة واسعة مزينة بالورود جيل بعد جيل يتذكر الناس هذا القائد الفذ الذي وحد الصين وأسس لدولة حديثة تنافس الدول الكبرى باقتصادها القوي على الرغم من دكتاتورية الحزب الواحد والفكر الواحد .
هذه هي الصين الجديدة التي تنطلق بسرعة هائلة نحو المستقبل دون التضحية بتراث ماضيها العريق الذي تسعى الى احيائه والمحافظة عليه وبلا شك ان مقاهي الشاي في مدينة تشنغدو تعد جزء من هذا التراث بشكل مميز.
***
شاكر عبد موسى الفنداوي / العراق
كاتب وأعلامي