تقارير وتحقيقات
فيصل عبد الوهاب: المؤتمر العلمي الدولي الثاني لجامعة دهوك
أقامت كلية التربية الأساسية في جامعة دهوك مؤتمرها العلمي الدولي الثاني بالتعاون مع مؤسسة الذكوات للثقافة والفكر والفنون تحت شعار "قراءات معرفية في العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 14-15 أيلول 2021. وقد افتتح المؤتمر بكلمة باللغة الإنكليزية ألقاها أ. د. داود سلمان الأتروشي رئيس الجامعة رحب فيها بالضيوف من داخل العراق وخارجه وأكد فيها على أهمية أن يتناول الباحثون موضوعات النقد الاجتماعي والتحديات العالمية، كما أكد على العلاقة التفاعلية بين الجامعة والمجتمع وأن لا تكون البحوث من أجل الترقية الأكاديمية فقط. ثم ألقى د. وسام المطيري رئيس مؤسسة الذكوات ورئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر كلمة قال فيها أن مؤسسة الذكوات تتبنى مشاريع جديدة للارتقاء بها عالميا، وتسعى المؤسسة كذلك لإيجاد طرائق تفكير جديدة لبناء انسان متجدد ومخطط واع. وقال أن عدد البحوث المقبولة في هذا المؤتمر قد بلغ 84 بحثا من العراق والاردن وفلسطين ولبنان والجزائر.
وكان البحث الأول في الجلسة الافتتاحية بعنوان "دور الضبط الإداري في زمن جائحة كورونا كوفيد-19" للأستاذ الدكتور عبدالله خلف الرقاد تناول فيه الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية في مكافحة الوباء ومنها فرض حالة الطوارئ وفق المادة 124 من الدستور الأردني. وأكد في سياق محاضرته غلى أهمية الحفاظ على التوازن بين حقوق الفرد وحقوق المجتمع.
أما البحث الثاني فكان بعنوان " المثقف وقدرته على إحداث الوعي" للأستاذ الدكتور باقر الكرباسي ود. إيمان حمزة حيث قال الباحث أن المثقف المرتبط بالسلطة لا يحدث التغيير أما المثقف الذي لا يرتبط بالسلطة هو الذي يحدث التغيير. وتناول الباحث مفهومي الدولة المدنية والدولة في الإسلام وبين الفارق بينهما بأن الدولة المدنية تحترم الأديان والرأي الآخر بينما الدولة في الإسلام لا تعترف بذلك حسب رأيه. كما أشاد بالمرحلة التنويرية وعصر النهضة العربية وأعلامها كجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي وكتابه "طبائع الاستبداد" وشكيب أرسلان وطه حسين وعلي عبد الرازق وكتابه "الإسلام وأصول الحكم". وفي معرض رده على تساؤلات الباحثين أجاب المحاضر أن الإسلاميين قد أخفقوا بتكوين دولتهم لأنهم لم يحترموا الرأي الآخر. وقد انتقد أحد الباحثين التعميم في لغة المحاضر وقال إن الإسلام مدني في جوهره ونحن نعتز بمبادئه ولكننا نروم تطبيق هذه المبادئ بشكل صحيح.
وتناول د. أياد كامل الزيباري من جامعة زاخو موضوع الديمقراطية والشورى وعلاقتهما بالمعارضة السياسية حيث قال أن آلية النظام السياسي محل خلاف بين النظامين الإسلامي والغربي أو بين الأنظمة الإسلامية نفسها. والشورى أحد أهم ركائز الدولة في الإسلام كما ان الديمقراطية أفضل ما توصل إليه العقل البشري في الحقل السياسي. والشورى في الإسلام معناها المشاركة في صناعة القرار. وقد كان للشورى مكانة هامة في عصر النبوة حيث أسهمت في صناعة القرار في معركتي أجد والخندق وفي صلح الحديبية أيضا. واشار الباحث إلى أن الإسلام ليس مؤسسة أوتوقراطية ولا ثيوقراطية. والمعارضة روح الديمقراطية كما أن المعارضة الصحيحة التي لا تقوم على أساس الشتم ضرورة قائمة. وقد وردت المعارضة في القرآن الكريم ولكن بصيغ أخرى كالنزاع والجدال والشجار أي أن هناك رأيا آخر.
ثم قدم د. عبادي الزيادي بحثه المعنون "صور انزياح بيانية في عهد الإمام علي (ع) إلى الأشتر النخعي – دراسة دلالية". وقد اعترض د. عبد الإله العرداوي على العنوان وقال ينبغي الفصل بين الدراسات اللغوية والبلاغية ولا يجوز الخلط بينهما. وعلق د. كاظم عبدالله بالقول أنه يفترض أن تكون الدراسة نصية وليست بلاغية لأن النص أمر إداري وليس فيه صور بلاغية كثيرة. فيما علق د. أياد الزيباري بالقول أنه على الرغم من كون النص أمرا إداريا فإننا نجده بلاغيا.
أما أ. د. كاظم عبدالله فقد قدم بحثه المعنون "تماسك النص بالإحالة في التشبيه التمثيلي في القرآن الكريم" حيث فسر لنا المصطلحات الأربعة الواردة في هذا العنوان وهي التماسك والنص والإحالة والتشبيه التمثيلي. وقال أن التماسك بعناه العام يقابله cohesion باللغة الانكليزية و coherence بمعناه الخاص هو التماسك المعنوي. والإحالة معناها إحالة عنصر إلى عنصر سابق أو لاحق يعود إلى مرجع خارج النص. وقسم الباحث الإحالة إلى ثلاثة أنواع: إحالة نصية داخل النص وإحالة مقامية خارج النص وإحالة بعدية يعود الضمير فيها إلى لاحق. وقال أن أكثر النحاة لا يعتقدون بأن صيغة الضمير يعود إلى لاحق موجودة في القرآن الكريم ولكنها موجودة في الحقيقة وقد استعمل العرب هذه الصيغة في خطابهم. والتشبيه تمثيل وكل تشبيه تمثيل وليس كل تمثيل تشبيه على حد قول عبد القادر الجرجاني. والتشبيه تمثيل أي ما كان وجه الشبه يحتمل التأويل سواء كان مفردا أو مركبا. ويقول السكاكي أن التشبيه يكون تمثيلا بشرط أن يكون وجه الشبه ذهنيا، أما الخطيب القزويني فيشترط أن يكون وجه الشبه مركبا سواء كان ذهنيا أو حسيا. وقد طبق الباحث التشبيه التمثيلي في القرآن الكريم وطبق عليه النظريات الغربية.
وفي اليوم التالي أقيمت عدة جلسات منها الجلسة التي تناولت محاور الأدب والتربية الفنية واللسانيات. وقُدم أول بحثين باللغة الكردية تم تطعيمهما باللغة العربية الأول للباحثتين ديمن عبدالله ودلمان قطاس وكان عن طرائق تدريس اللغة الكردية. والبحث المشترك الثاني لوارين دلشاد وهلبين محمد بعنوان "دور المرأة في المجتمع والأدبيات، رواية الهروب من الدقائق الصفراء". ثم قدم أ. د. حمدي حميد يوسف بحثه باللغة الانكليزية وطعمه باللغة العربية وكان بعنوان "قصيدة غابريال دانتي روزيتي : عبء نينوى" حيث يتناول البحث قصيدة الشاعر الرومانسي روزيتي عن تمثال الثور المجنح الآشوري وسرقته ليرقد في المتحف البريطاني. وينتقد الشاعر السلطات الاستعمارية لتواطئها في سرقة الآثار، كما أن المتحدث في القصيدة يتصور أن هذا التمثال سيُعبد من قبل الأوروبيين ويتخذونه جزءا من تراثهم وهذا لم يحصل بالطبع حيث حافظت انكلترا على هذه التماثيل التي سرقتها وأصبحت جزءا من التراث العالمي.
ومن البحوث المميزة التي لاقت استحسانا من الحضور لأنها جمعت بين فني الإلقاء والغناء بحث أ. د. ناصر هاشم بدن من كلية الفنون الجميلة في جامعة البصرة وكان بعنوان "الهوية الوطنية في ألحان طالب القره غولي" حيث يقول الباحث نغني للوطن عندما يكون بخير وسلام وعندما يتعرض للهجمات المعادية وكذلك عندما يعاني المبدع من آلام الغربة بعيدا عن وطنه. وقد كتب الملحن طالب القره غولي كلمات أغانيه ولحنها عندما كان مغتربا. وردد الباحث كلمات أغنية في هذا المجال "راجعين .. الدنيا غربة بلا وطن والناس غربة بلا أهل والديره غربة بلا ولف". كذلك ردد الباحث كلمات أغنية "حاسبينك" وعدها نشيد الجمال العراقي وأغنية "هذا آنه وهذاك إنته". وقد صفق جمهور الحاضرين للفنان المبدع ناصر هاشم بحرارة وطلبوا منه المزيد.
أما الباحثة د. نادية غضبان من المجمع العلمي العراقي فقد ألقت بحثها المعنون "خطاب الأزمة: الذاكرة والاستعارة العابرة للثقافة، الأوبئة نموذجا" حيث تحدثت عن أزمة كوفيد-19 وكيف تناولتها الخطابات الدينية والسياسية والأدبية. يتناول البحث إضافة للنصوص الدينية نصين الأول لابن حجر العسقلاني بعنوان "بذل الماعون في فضل الطاعون" و "حديث عيسى بن هشام" لمحمد المويلحي. وقد صدرت مطبوعات كثيرة في الشعر والقصة والرواية والمسرحية تتناول موضوع الساعة وهو أزمة كورونا وانعكاساتها في خضم الأزمة وما يمكن أن نتوقعه بعد انتهائها.
ثم قرأت د. جوان المفتي رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية-جامعة دهوك توصيات المؤتمر والتي جاء فيها: الحفاظ على إقامة مثل هذه المؤتمرات والعمل على تشجيع البحوث العلمية ذات الصلة بالمجتمع وحوار الحضارات وتشجيع دراسات الأدب المقارن وتعليم اللغتين العربية والكردية لغير الناطقين بهما. كما أوصى المؤتمر بالحث على إجراء البحوث المشتركة عالميا والتشديد على استخدام التكنولوجيا وإدخال اللغات الأجنبية والتركيز على المعلم والمتعلم وتقديم الجديد في طرائق التدريس ودعم المكتبات. كما أوصى بالتوسع في المؤسسات الرياضية ودعمها وتخصيص صندوق لدعم الطاقة المتجددة والبيئة. كذلك الاهتمام بمبدأ الشفافية في خدمة البيع والدفع الالكتروني. وفي ختام المؤتمر وُزعت الدروع وأوسمة الابداع وشهادات التقدير على المشاركين في المؤتمر.
أ. د. فيصل عبد الوهاب حيدر