تقارير وتحقيقات
أيام قرطاج للخزف الفني: الخزف قوة ناعمة نحو التأسيس لسياحة ثقافية وفنية
قرطاج وما أدراك ما قرطاج، من ينطق باسمها يتذكّر حضارة سامقة تحدث عنها التاريخ وأَلِفَتْهَا الأقلام وذكرها التاريخ في كتب ومجلدات،.. وهاهي اليوم تحتفي من جديد بشتّى أنواع الفنون والثقافة، ولكنّ احتفاءها هذه المرة يختلف فهي تحتفي بالقديم الجديد، بالفخار والخزف الذي ارتبطت به كما ارتبط بها فكيف لا يكون ذلك وقرطاج كانت تصدر الفخار للعالم.
أقول قولي هذا وأمرّ لأتهيّب للحديث عن أيام قرطاج للخزف الفني، فن غاب لسنين طويلة الحديث عنه رغم اكتساح الواجهات به، ولكنه غائب عن المشهد التشكيلي التونسي، فلا نجده يسجّل علامة بارزة في المعارض الفنية التي تقام على مدار السنة. بيد أنّه اليوم وبفضل هذه الأيام "أيام قرطاج للخزف الفني" يكتسب أهميته، لأنها أعادت الاعتبار لهذا الفن، وقد تشكلت هذه الأيام بالشراكة بين وزارة الشؤون الثقافيّة، وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافيّة، المعهد الوطني للتراث، وزارة السياحة والصناعات التقليديّة، المركز الوطني للخزف الفني سيدي قاسم الجليزي، مدينة الثقافة وديوان الصناعات التقليدية وغيره...
انتظمت أيام قرطاج للخزف الفني بالعاصمة من 31 أوت إلى 08 سبتمبر 2019، وقد شارك فيها حوالي 60 فنّانا من تونس والعالم. ولكن قبل الحديث عن الأيام وبرنامجها وجب إلقاء الضوء على صاحب هذه الفكرة، فكرة أن تكون للخزف برمجة خاصة في أيام قرطاج، على غرار أيام قرطاج للسينما، للمسرح وغيرها،...، فقد كانت بالأمس فكرة تراوده وتمخضت آليتها في ذهن فنان مبدع، عشق منذ البداية، الخزف حرفة وفنا، درسه في معهد الفنون الجميلة فتلمّس تقنياته وتشرّب أساليبه ورصد قوانين تطويعه من تراب وماء ونار ليطوّعه ويحوّله إلى فكر،... هو فنان لم يكتفي بالدراسة للخزف بل زار ورشات الحرفيين في مختلف أصقاع البلاد، جاب ورشاتهم فتشرّب أساليب الحرفي العاشق وتذوّق تراثا عبقت به الحضارة الإنسانية، هكذا هو "محمد حشيشة" درس الفن واختصّ في فنّ الخزف ودرّسه ولم يكتفي بمهنة التدريس فربما لم تكن موهبته الوحيدة كما لم تكن هاجسه، فتحوّل عنها لمدير بالمركز الوطني للخزف الفني بسيدي قاسم الجليزي، غير أنّ كرسي المسؤول لم يغريه، ذلك أنّ المناصب لا تغري من سرى الفن في دمائهم وتغلغل حب الخزف بين طيات أناملهم. لقد أغراه المركز لعبقه بحضارة سكنت بين أديم جدرانه وبرهنت أنّ من يدخله لابدّ أن ينال حب الخزف ويعشق الطين ليجعل منه منارة منفتحة على العالم، فكان له ذلك.
إنّ عشق الخزاف "محمد حشيشة" للخزف ظل يسكنه، كيف لا يسكنه وقد صنع الرجل من ماء وطين،....إنّه العود على البدء. لقد ظلّ الفنان يبدع ويعلّم الإبداع ويفتح باب المركز لكلّ من يهوى تطويع الماء والنار والتراب، من فنانين، حرفين، مبدعين، هواة ومواطنين،... لقد جعل من سيدي قاسم الجليزي ليس مزارا لهواة الأولياء الصالحين والتبرّك به وحسب، بل جعله مزارا للفنانين والمبدعين من أصقاع العالم، جعله فعلا منارة فنيّة وثقافيّة يُصنع من خلالها الإبداع ليرتقي روعة من روائع الخزف الفني...
يأتي حديثنا عن شخص الفنان في سياق التقديم لأيام قرطاج للخزف الفني وذلك لما للشخص والحدث من ترابط، وهنا يتحدّث "محمد حشيشة "عن الدورة الأولى لأيام قرطاج للخزف الفني فيقول: هي فكرة، كانت حلما، راودني على غرار أيام قرطاج السينمائية، وأيام قرطاج المسرحية،... واشتغلت عليها مع مجموعة مهمّة من قواعد الإبداع ببلادنا على غرار وزارة الشؤون الثقافية، وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، وزارة الصناعات التقليدية، المعهد الوطني للتراث،...وغيره. هكذا آمن الكلّ بضرورة خلق الإبداع من التراث وتحديدا من الفخار والخزف،رؤية نابعة من ضرورة استنطاق الذاكرة والإستقاء منها لإنتاج فن يجمع بين الحرفة والفن، بين التراث والمعاصرة، بين الرؤية والتصميم،...ضرورة صناعة ثقافية إبداعية، وهي ضرورة نراها اليوم جدّ ملحة لإنقاذ موروثنا من الخزف.
نعم فبالرغم من أنّ الفكرة ليست بالجديدة فقد جدّت مع مدرسة "الباوهوس" حين اجتمع الفن والحرف والتصميم، إلاّ أننا نراها اليوم جديدة حيث لم يلتحم قط ببلادنا الحرفي والمصمم والفنان معا. وبقي الحديث عن ذلك سرديا، قصصيا، يرفضه كلّ من يدعي "المعاصرة". في حين أنه لا جديد دون قديم ومن لا ماضي له لا تاريخ له. حقا شعرت إننا نخطو خطوة ايجابية وحقيقية نحو صناعة إبداعية ثقافية، وهنا لا يسعنا إلا أن نشكر الفنان المبدع وكل من ساهم وأسس وآمن بهذه الأيام التي نصبو أن تكون فعلا عرسا خزفيا يلج من خلاله الخزف التونسي جميع أصقاع العالم،... كما نشكر جزيلا الشكر وزارة الشؤون الثقافية على إيمانها بالإبداع والفن وعلى رأسها الفنان والمبدع السيد محمد زين العابدين الذي لا يبخل عن الوقوف مع كل نشاط إبداعي وثقافي. هذه هي الصناعة الثقافية الإبداعية، وهذه الثقافة التي ترسي مبادئ السياحة الثقافيّة، وهو ما يجب أن يكون فالثقافة هي القوة الناعمة للقضاء على كلّ أشكال العنف والجهل.
برنامج أيام قرطاج للخزف الفني: المعرض الجماعي للفنانين الخزافين بالمتحف الوطني باردو:
أيام قرطاج للخزف الفني في دورتها الأولى من 31 أوت إلى 08 سبتمبر 2019، يبدأ مدير الدورة الأولى لأيام قرطاج للخزف الفني "محمد حشيشة" بالقول: "عندما تحب الخزف وتشتغله بحب وصدق وثقة سيعطيك كل ما تحب"، هكذا كان قوله وهو فعلا ما يشعر به كل فنان عشق هذه المادة، وهكذا كان الخزف جامعا لا مفرقا، متجددا ومتطورا ليتلاقح عبر العصور ويفرض نفسه من جديد كقوة ناعمة تؤسس لثقافة التجديد والتعصير والتطوير...
جاءت الدورة الأولى من أيام قرطاج للخزف الفني متنوعة ومُحْتَفْيَة بالخزف حرفة وفنا وصنعة وتصميما، دورة جمعت حوالي 60 فنانا خزافا من تونس والعالم نذكر منهم من تونس رضا بن عرب، سناء الجمالي أعماري، ليندة عبد اللطيف، عواطف منصور، بلحسن الكشو، هدى الخراط، إيمان شتوان، أروى بن سماعيل، ومن الجزائر خالد سعدي وعلي الزاهي، من مصر ابراهيم سعيد، محمد العبد، أحمد عبد الكريم، أسامة الإمام، من العراق سعد العاني وسلام أحمد، من الأردن يعقوب سالم ومن إيطاليا Umberto Bruno، Giampaolo Mameli من جرجيا Irina Salmina، من تيلاندا Woogie Boogie، من أكرانيا Alika Malonog، من السنغال Adjara Kane Leye، من إسبانيا Carmen Marco Dasí، من بلغاريا Velimir Vukicevic، ... كل هؤلاء جمعهم الفن والطين فتلاقحت أفكارهم وتقنياتهم وتبادلوا معارفهم وأفكارهم.
جمعت أيام قرطاج كذلك عددا مهمّا من الخزافين الحرفيين المبدعين الذي عرضوا منتجاتهم الخزفية، التي بيّنت أنّ الخزف قادر على مواكبة كلّ العصور، فقد تلوّنت قطعهم الخزفية بجماليّة الشكل ونقاء اللون وتجدد التصميم ليكون لكل منهم شخصيته المبتكرة والمختلفة نذكر منهم من تونس هيفاء الهامي ووليد قنار من مدينة نابل، فارس ورؤوف جسوستي من مدينة جربة، وسام خميس من مدينة المكنين والثنائي حبيبة وصبيحة عياري من سجنان،... ومن الجزائر مقران سايس وليندة لالاوي، من تركيا Erkan Akburak،...كان اللقاء مع الخزافين الفنانين والحرفيين والمصممين متكاملا ساده التودد في تبادل التقنيات والأساليب وحتى الأفكار، كان الكلّ محبّا عاشقا للطين وتشكيلاته بين من يحوّل المادة إلى فكر وبين من يحوّلها إلى آنية أوتحفة وبين من يزوّق السطح ليتحوّل إلى لوحة مبدعة،... لقد كان اللقاء حافلا، علما وفكرا وصنعة،....هكذا كانت الأيام فعلا.
انتظم خلال اليوم الأوّل معرض جماعي للخزف الفني جمع الحرفة والفن والتصميم، شارك فيه فنانون ومصممون وحرفيون، وكان المعرض في رحاب متحف باردو، المتحف الذي جمع ولازال حضارة البلاد التونسية العابقة وهاهو اليوم يحتفي بالخزف ليقول للتاريخ البعيد إن الحاضر لازال يحتفي بالطين بيد أنه تحوّل من لقى أثرية إلى إبداع متجدد لا يموت،...
- ندوات علمية دولية
تخلّلت أيام قرطاج للخزف الفني ندوة دولية تناولت تاريخ الخزف بالبلاد التونسية عبر الحضارات وقد أثثها مجموعة من الباحثين الأكادميين والأساتذة المختصين في تاريخ الخزف وتاريخ الفن على غرار الأستاذ عدنان الوحيشي، حسين التليلي، شكري الطويهري، أميرة حملاوي، زينب الكبير، ايناس الفيضة...من تونس ومن خارج تونس كل من Susana Gomez Martinez ،Clara Ilhem ALVAREZ ،Julie Marchand ،Viva Sacco، تحدثت الندوة عن تاريخ الخزف بإفريقية بين القرنين السابع والتاسع، الخزف الفاطمي، الخزف الاسلامي، خزف القلالين، الخزف البربري،...جاء النقاش محتفيا بالأساليب التزويقية والجمالية والتاريخيّة للخزف عبر الحضارات التي مرت بالبلاد التونسية كما تناول الحديث عن الحرفيين وتقنياتهم، ...فعلا جاءت الأيام شاملة ومتناغمة بين النظري والتطبيقي وهو ما نحتاجه اليوم، فليس هناك من فن دون جذور ودون تاريخ وهكذا هو الخزف لا يتجدد دون معرفة بأصوله وجذوره، ذلك أنه أساس الابتكار.
- ورشات مفتوحة
تأثثت خلال أيام قرطاج للخزف الفني ورشات مفتوحة شارك فيها الفنانون الخزافون والحرفيون والمصممون والمزوقون ومحبي الخزف من زوار الأيام،...اجتمع الكل خلال الورشات وتم تبادل التقنيات والأساليب بمحبة وثقة وسلاسة، فعلا تميزت الأجواء بالمحبة والصدق فهكذا هو الخزف لا يكون دون هذه الصفات،...تحول الخزف مع الفنانين فكرا، وتحول مع الحرفيين تحفا وأدوات تنوعت بين استعمالية تارة وفنية تارة اخرى وتحول مع المزوقين لوحات فنية جميلة ومع المصممين روائع جمعت الحرفة والفن والفكر، ...
إنه الخزف حقا عالم قل من يفهمه الخزاف هو الحرفي الذي يملك التقنيات وهو الفنان الذي يملك الأساليب الفنية والحنكة والفكر والعلم وهو الملاس الذي يلامس الطين فيزداد عشقا، أليس الطين أصلنا، نعم ولهذا تعود الروح لتحتفي به فيتلوى بين أناملنا ويتشكل حسب رؤانا وخيالنا وأفكارنا كما نريد ونحب،...
- زيارات إلى ورشات الحرفيين:
تخللت الدورة الأولى من أيام قرطاج للخزف الفني زيارات إلى مختلف ورشات الحرفيين الخزافين بمدينة نابل، أين تحوّل جمع الفنانين الخزافين المشاركين في هذه الدورة وكذلك في السامبزيوم التاسع للخزف وقد تمّ الإطلاع على طُرق الفخر والحرق التقليدية منها كالأفران المبنية بالطوب والآجر والتي يتم الفخر فيها بالخشب والعصرية منها على غرار الأفران الكهربائيّة. كما تمّ التعرف على أنواع من الدولاب ذي الاستخدام اليدوي وأنواع الطين الخام وطرق تحضيرها "للتمليس" كما تمت زيارة مصانع تزويق الأواني والتحف، وكذلك زيارة مصانع بيع مواد التزجيج الخزفي من أكاسيد ومينا،..إن مثل هذه الزيارات من شأنها أن ترتقي بالحرفة عن طريق تبادل الأفكار والمعارف والبحث عن أساليب تجديد جديدة وسبل تطوير الحرفة بين الفنانين والحرفيين والمصممين،...
- معرض لمنتجات الحرفيين الخزفيّة:
إلتئم معرض جماعي للحرفيين خلال الدورة الأولى من أيام قرطاج للخزف الفني جمعوا بين جمال الأسلوب والتقنية وإبداع المنتج المبتكر، منتجات خزفيّة جمعت البعد الجمالي والنفعي وأثبتت أنّ الحرفي الخزاف قادر على التجديد والإبداع والرقي. شارك في هذا المعرض مجموعة كبيرة من الخزافيين الحرفيين من جهات مختلفة من تونس، نابل، مكنين، جربة، سجنان، ومن العالم شارك حرفيون من الجزائر، ايطاليا، تركيا، اسبانيا،...
- مسابقات على الدولاب، في التزويق وفي القولبة:
انتظمت خلال أيام قرطاج للخزف الفني عدّة مسابقات من قبيل المسابقة على آلة الدولاب التي كانت بين أكثر من 15 متسابقا من حرفيين جاؤوا من مدن مختلفة، من نابل والمكنين وجربة ليتسابقوا حول إنجاز أسرع وأدق صحن وشكل اسطواني وتم إخضاع هذه الأشكال إلى لجنة تحكيم تكونت من السيد محمد حشيشة مدير التظاهرة والسيدة إيمان بسرور من تونس وكل من إبراهيم سعيد وأسامة إمام من مصر و Erkan Akburak من تركيا ويعود انضمام فنانين أجانب للجنة التحكيم من قبيل ضمان الحياد وقد أضفت هذه المسابقة التي انتظمت في الساعة الثامنة والنصف ليلا حيوية لمدينة الثقافة كما خلقت أجواء تنافسيّة وإبداعية يسعى كلّ واحد انجاز الأسرع والأحسن ضمن مقاييس مضبوطة. انتظمت أيضا مسابقة في فن التزويق على الخزف حيث استلهم الحرفيون أشكالهم وزخارفهم من المربع الخزفي التونسي وإنجاز زخارف مبتكرة ومعاصرة، إضافة إلى مسابقة أخرى في فن القولبة وذلك بإنجاز قوالب لمنحوتات تبدأ بالطين ليقع صبها في قوالب الجبس.
- عروض أزياء مبتكرة من الخزف:
تخلل أيام قرطاج للخزف الفني عرض للأزياء لمصمّم تونسي استقى زخارف القطع المعتمدة في اللباس من ثراء التراث الخزفي عللى غرار المربع الخزفي فكانت للقطع جمالية سلبت أفئدة الحاضرين وتملكت نفوسهم. عرض أزياء لاول مرة يكون فيه الخزف هو الأساس، فعلا جاءة الأيام لتعلن وتكرّر أنّ الخزف قادر على التطوّر، المواكبة، التجديد، الإبتكار،... إنّه الطين تطوّعه كيف ما شئت....
- زيارة المواقع الأثرية:
لم تهمل أيام قرطاج للخزف الفني زيارة المواقع الأثرية وذلك لما لهذه الزيارات من إثراء وانتعاش للذاكرة الثقافيّة لاسيما والملتقى يعجّ بفنانين من العالم منهم من لا يدري عن مكنونا الأثري الضخم والثري ولعلّها فرصة لتبليغ هذا الهدف. كانت الزيارة الأولى للمتحف الوطني بباردو أين عاين الفنانون والحرفيون حضارتنا السامقة من الفسيفساء واللقى الأثرية والمنحوتات، وتتالت الزيارة إلى الموقع الأثري بقرطاج إضافة إلى زيارات إلى مدينة سيدي بوسعيد.
ان مثل هذه الزيارات من شأنها أن تؤثث إلى صناعة ثقافية إبداعية وسياحية ولهذا قلنا منذ العنوان إن الخزف بإمكانه أن يكون قوتنا الناعمة نحو تشجيع السياحة وتنمية الاقتصاد.
- الإختتام:
كان حفل الإختتام مقرّرا بالمسرح الأثري بقرطاج ولكن حالت أحوال الطقس دون ذلك، وكان الغيث النافع سباقا ولكن قد يكون إعلانا عن لانهاية الأيام لتبقى مفتوحة ولا تنسى سريعا. فعلا، جاءت الدورة الأولىمن أيم قرطاج للخزف الفني مُحتفية بالخزف فنا وحرفة، صنعة وتزويقا، علما وتاريخا، أثرا وتأثيرا،... وكل ذلك من أجل إثبات أنّ الفن الذي عاش وعايش الحضارات لم ولن ينسى وسيبقى يتجدّد ويواكب العصر وإن هبت عليه رياح التعصير على اختلاف تلوناتها، هكذا هو الخزف يراهن على كلّ عصر ليتماشى معه وهكذا هو الخزاف باحث دائم فنانا كان أو حرفيا أو مصمما، فما بالك لو اتحد الجميع معا، فعلا سيكون للخزف مصير جديد...
ولكن حتى لا نكون ممجدين شاكرين ونحن نألف بطبعنا روح النقد، النقد البناء نقول أنّ أيام قرطاج للخزف الفني بالرغم من التنوع والثراء الذي جادت به على المشاركين فيها والمتلقين إلا أنّها بإخضاعها لنفس التوقيت مع السامبزيوم التاسع للخزف بسيدي قاسم الجليزي لم تتوفق في بعض البرامج حيث كان الإهتمام الأكبر بالسامبزيوم على حساب الأيام، واندثر المسئولون بين هذا وذاك، ولهذا نتوجه إلى المسيرين أن يختاروا توقيتا تكون فيه الملتقيات على حدا، كذلك لاحظنا غياب وجوه الخزف الفني البارزين لاسيما وهذه الدورة الأولى للإحتفاء بالخزف فقد كان من الأجدر تكريم الفنانين الطلائع في فن الخزف من قبيل محمد اليانقي، خالد بن سليمان، الهاشمي الجمل،... وحتى تكريم الفنانين الخزافين المتوفين أيضا وذلك لإيقاظ الذاكرة الفنية الخزفيّة والتعرف على طلائع الخزف الفني في تونس، ولكن تبقى الدورات القادمة خير كفيل لبعض النواقص. لا يسعنا في الأخير إلا أن نشدّ على أيدي من يلاحق الفن والإبداع والتجديد ويشجع على جعله مفتاح الرقي والصناعة الإبداعية، فالفن والثقافة والتراث هو سلاح الأمم وقوته الناعمة لصناعة السياحة، الاقتصاد.
بقلم: عواطف منصور، فنانة تشكيلية وجامعيّة. جامعة منوبة