حوارات عامة

راضي المترفي يحاور: الرسامة الشاعرة العراقية ليلى عبد الأمير

ليلى عبد الأمير:

- رسمت معلمتي وانا في الصف الأول

- زوجي هو من شجعني على الكتابة والرسم

- النجاح ينتج شعورا بعدم الرضا

- الشعر الحقيقي لايخضع للتجنيس

أيقونة عراقية تجاوزت العرف فعشقت اللون وهامت حبا بالحرف مع ان المنطق البغدادي يقول: (رمانتين بفد ايد ماتنلزم) ومع هذا الحب والعشق ارتبطت بثالث هو زوجها الرسام الكبير (كامل حسين) ومع هذا التزاحم وتفرع الدروب استطاعت ان تنظم وقتها بين متطلبات بيت وبحور وقوافي واطياف والوان ومدارس فنية لاتوافق بينها وها انا افرض نفسي ضيفا ثقيلا لمحاورتها رغم تنوع اشتغالاتها البيتية والشعرية والفنية..

س: من هي ليلى عبد الأمير لمن لا يعرفك؟

ج: بكل بساطة انا ليلى عبد الامير تولد بغداد، خريجة اكاديمية الفنون الجميلة فرع الرسم.. ومنذ صغري كائن مبتلى بأحاسيس ومشاعر لادق الامور بعمق واهتمام لكل حذافير الحياة وما يحيطها حد الارق.

س: ماذا تضعين تحت وسادتك؟

ج: منذ صباي وانا اضع مجموعة اوراق وقلم جاف كمتلازمة ابدية تحت وسادتي.. تحسبا لاي فكرة عابرة او مقصودة اسجلها خاطرة او شعر او مقال وماشاكل..

س: من ولد اولا الشعر او الرسم؟

ج: كما ذكرت منذ طفولتي مولعة بالرسم فارسم كل ما يتبادر لذهني او ماتقع عليه عيني ولكوني مازلت صغيره اي قبل دخولي المدسة وقبل الصف الاول الابتدائي كانت رسوماتي عبارة عن خطوط بسيطة بقلم الرصاص او ارسم بأقلام الالوان مباشرة.. كأن ارسم امي او صديقاتي.او الطبيعة او (الستل لايف) اقصد رسم الاواني او الاقداح وماشاكل عبارة عن رسوم تعبيرية بسيطة جدا، اتذكر رسمت معلمتي وانا بالصف اول الابتدائي وحينما رأتها معلمتي بدل ان تشجعني وتثني على موهبتي مزقت دفتر الرسم وانذرتني ان لا ارسم اي شخصية.. اظن انها اعتبرتها اهانة ان طالبة بكل براءة ترسم شكل المعلمة كما تراها في ذهنها كطفلة ! لاني رسمت ملامحها بشكل قبيح تشبه سلوكها مع الطالبات انذاك..

اما الكتابة فراودتني. منذ صف خامس ابتدائي فأكتب مايمر بخاطري على شكل. خواطر انشائية ايضا حدث وفاة والدتي. وانا بعمر تسع سنوات كانت دافعا لتأجيج الاحاسيس لكتابة الالم ومأساة حاجتي للامومة والحنان.. فكانت ذلك الالم حافزا لترجمة مشاعري على شكل تعبير انشائي قصصي، بالاضافة للرسم وهذا كان في مرحلة الخامس الابدائي كما ذكرت.

س: ولمن منهما تميلين أكثر؟ وهل يغير منهما زوجك؟

ج: الاثنين معا الكتابة والرسم وكانهما مكملان للاخر.. حسب الاحساس والمزاج احيانا يكون ولعي كتعبير بالرسم والالوان واحيانا اخرى يكون توجهي نحو الكتابة.. فاجدها الاقرب تعبيرا لذاتي..

اما زوجي هو من يشجعني على الكتابة والرسم فأنه يمتلك خزين معرفي ثقافي شاسع وعميق فالفن عنده ينم عن فكر ووعي مجتمعي، كان قارئا نهما للكتب الثقافية بالاضافة الى انه فنان تشكيلي على مستوى عالمي.. رسوماته متميزة ومختلفة ونابعة من فكر وثقافة راكزة وعميقة فيعتمد في رسمه على التجريد التعبير اي الحداثة في الفن بعد ان تخطى الرسم الاكاديمي والواقعي منذ سنين الاعدادية، كنا زملاء في صف واحد في الدراسة الاكاديمية.. اتخذت منه استاذ موسوعي فأستشيره بكل الامور لانه كان فنان حقيقي وهو لم يبخل عليّّ بالمعلومات التي استفسر بها منه....

س: كثرة المدارس الفنية بين الواقعية والانطباعية والتجريدية وغيرها تتشابك إليها الدروب وقد يصاب السائر فيها بالتيه او الضياع.. كيف تقطعينها؟

ج: عندما كنا طلاب في الاكاديمية حيث كنا متقيدين بالرسم الاكاديمي الواقعي ولما تخرجنا اصبح كل طالب يمارس طريقته التي اختارها في التعبير كأسلوب انا كنت اميل للرسم الواقعي التعبيري اي المزج بين الحداثه والواقع.. بحيث مثلا عندما ارسم منظرا طبيعيا ارسمه بتصرف يميل للتعبير الحسي وكأنه طبيعة ناطقة..

س: ايهما أيسر هظما فكرة كتابة القصيدة او رسم لوحة؟

ج: حقيقة هذه الامور لايمكن حسمها بماذا تبدأ لانها تخضع لمزاج واحساس الفنان او الشاعر.. مع ان الرسام الشاعر يرسم بلغة اقرب للشعر تعبيرا وحسا من حيث الموضوع الذي اختاره والالوان فتكون معبرة عن دواخل الرسام.. ..

س: لماذا غالبا مايكون الرسام هاديء الطباع حاد المزاج.. ياترى مالسبب وراء ذلك؟

ج: الفنان والشاعر على السواء يحتويه احاسيس تشبه البركان المتوهج داخل تفكيره.. ولكنه بوعيه يستطيع ان يشذب من طباعه فيبدو هادئا يركن لروحه وذاته مع انه دائم التفكير بعالمه ومجتمعه انه الارتباط الوثيق بحب الحياة فيبدو هادئا مستكينا رغم الهيجان الدائم للمشاعر والاحاسيس ..

س: عندما ينتهي الرسام من انجاز اللوحة التي يراها متكاملة والتي حلم برسمها سنين طويلة.. هل يتوقف عن الرسم او يحاول رسم لوحات بمستوى أعلى؟

ج: الفنان يفرح حين ينجز عملا خاصة اذا كان العمل ناجحا شكلا ومضمونا.. ولكن هذا النجاح ينتج شعورا بعدم الرضى ويجب ان يرسم الاجمل والاكثر تأثيرا فشعور الاكتمال والثقة المطلقة بالابداع تقتل الابداع نفسه لذلك تجد الفنان الحقيقي والرسام دائم البحث والتقصي في حذافير الامور ويشعر انه لم يلبي الغاية من اختياره لمواضيع الرسم وانه يحتاج الاكثر في ممارسة الرسم..

س: وقوفك طويلا أمام لوحات زوجك.. هل هو تأمل او قراءة أفكار او استلهام او صنع تناص؟

ج: زوجي كامل حسين بشهادة فنانين كبار انه فنان كبير ومبدع لايضاهيه فنان يرسم بريشه مفكر.. فلوحته تجذب المقابل وتجبره على التفكير لوحاته مختلفة ولاتشبه بعضها فكل لوحة من لوحاته عبارة عن معرض متكامل من حيث التزامه بمشاكسة الرسم ليحولها الى رسوم ذات حداثة تبهر الناظر. لذلك امام هكذا لوحات تتداخل كل الهواجس الانسانية للاطالة امامها واحساسي كأن لوحاته تجبر المقابل على التفكير والتساؤل الدايم

س: اغلب الشعراء الرجال ينفون وجود المرأة الشاعرة ويتهمونها بمن يكتب لها.. ماردك؟

ج: ربما هذا التفكير قديم.. فالشعر الحقيقي لايخضع للتجنيس ولايوجد فرق بين ذهنية المرأة او ذهنية الرجل لان الشعر حصيلة فكر متطور فالفكر لاينحصر على فئة معينة.. فالوعي والثقافة والخيال هما الفاصل المهم في الشعر فنرى الشعر الحقيقي ترجمة حقيقة للمشاعر والاحاسي وبلورتها مع الافكار بوعي مجتمعي عالي..

س: لمن تكتبين الشعر؟ ووهل كتبت المقفى؟

ج: لا اعرف لمن اكتب ليس هناك تشخيص معين، فكتابة الشعر لابد من وجود حافز يستفز المخيلة..وايضا الشاعر في ذهنه خزين شاسع من الافكار والاحداث على انواعها السعيدة او الحزينة المؤلمة.. او ربما احداث عابرة كلها تحتدم ثم تتبلور في موضوع معين يثير اهمية الشاعر..

س: ماقصة الحلم في عناوين منشوراتك؟

ج: الانسان الحساس فيض مشاعر من الاحلام خلال سنين العمر. فالاحلام ترتطم مع الواقع الذي هو اغلبه مزري ومجحف للمرأة.. نعم كثيرا ما اجد تلك الاحلام تتجسد كتابة على شكل اشعار واحيانا مواضيع سردية فانا اميل لحبكة السرد..

هل السعادة دافع للرسم او التعاسة محرض على كتابة الشعر؟

ج: السعادة والحزن مفاهيم ترتبط ذواتنا احيانا تلتبس علينا الامور حول معنى مفاهيم السعادة وعكسها..

فهل ياترى توجد سعادة حقيقية او حزن دائم وحقيقي.. اذ لايمكن الخوض في هكذا احاسيس تلك مشاعر انية تخضع لواقعنا المختلف على الدوام..

س: متى تتلبسك الأنانية ومتى يظهر حب الآخرين؟

ج: لا ادري اذ ليس فينا انسان متكامل. كل منا في ذاته مجموعة من الارهاصات ولكن الوعي والبيئة الاولى تترك اثارها على خلق الانسان فنجد البعض بذات حب وانانية متفردة وعالية تظهر للعيان حتى لو كتمها، بينما هناك من تكون روحه رحبة يحب النجاح للاخرين بنفس القدر مع نفسه.. تلك سلوكيات نقدر نقول عنها موروث بيئي.. والسعيد وصاحب الوعي الانساني من يستطيع ان يشذب ذاته نحو الحب والطيبة..

س: ماهي أجمل مقطوعة شعرية كتبتيها من وجهة نظرك وماهي احلى لوحاتك؟

ج: حقيقة انا احب كل نصوصي بلا ادنى تفرقة فنصوصي كأولادي لا فرق بين احد عالاخر. وايضا كل نص له دافعه التحفيزي الآني في وقته.. لذلك اشعر كل نصوصي جميلة مزدهرة بمواضيعها الانسانية..

س: ماذا تضيف للمرأة وماذا تاخذ منها هذه الهموم الأدبية والفنية.

ج: الكثير والكثير جدا.. فالمرأة في مجتمعنا مكبلة بقيم ومفاهيم وعادات وتقاليد مجتمعية اغلبها قديمة وسالفة وبعض هذه المفاهيم تكيل الظلم عليها مفاهيم لا تتلائم مع واقعنا الحالي.. ولكن المرأة الواعية تستطيع ان تخرج من بعض لج الظلم وتمارس مواهبها الادبية والفنية والكثير من المواهب الاخرى التي تجعلها في موضع انها ذات شخصية مرموقة ومهمة في المجتمع.. من خلال خزينها الثقافي..

س: ماذا يعني لك المطبخ؟

ج: هذا يتوقف على تفكير المرأة ودرجة اعتزازها في تنظيم وقتها بعض النساء تعتبر المطبخ كمقبرة تدفن فيه مواهبها وتفكيرها وارادتها. والبعض الاخر تعتبر المطبخ بعض فسحة استراحة..

س: ايهما أكثر صدقا نقاد الفن او الادب؟

ج: لا يمكن التكهن في ذلك فالنقد امانة وصدق وثقافة عميقة وهذا يتوقف على سلوك الناقد.. اغلبهم يجيد النقد الحقيقي بلا مجاملة ولا علاقات وبعضه يتوقف على العلاقات الشخصية والمجاملات..

س: اين تضعين نفسك بين شاعرات جيلك؟

ج: لا استطيع ان اضع نفسي في هكذا مطب واشعر بالجمال وصدق الكلمة يحتوي اغلب النساء.

س: هل يعتبر الزواج مقبرة للمواهب؟

ج: في واقعنا الحالي في مجتمع الخدمات لاجتماعية نادرة ولاتلبي حاجة الاسرة والتي تخدم الانسان لاسيما المرأة. نعم يعتبر المطبخ مقبرة لاغلب مواهب النساء..

س: شاعر يثير اهتمامك؟

ج: الشاعر سعدي يوسف.. والشاعر نزار القباني..

س: اي الأوقات أصلح للكتابة والرسم عندك؟

ج: اوقات اتوحد واتفرغ مع نفسي، واكون وجها لوجه مع ذاتي.. لا احد يشغلني عني..

***

* وهكذا وصلت سفينة الحوار المشحونة بالحرف واللون إلى مرساها الاخير مؤطرة بالشكر والتقدير للرسامة الرائعة والشاعرة العذبة ليلى عبد الأمير التي استضافتني بكل ترحاب واجابت على الأسئلة بروحية امرأة رسمت هدف حياتها بدقة وسارت دربها بثبات وتركت بصمتها على جدران الشعر والرسم.

***

حاورها: راضي المترفي

في المثقف اليوم