حوارات عامة

احمد طايل يحاور الأديب حميد الحريزي

- أطمح إلى أن أكتب عملاً أدبياً أو فكرياً مميزاً لم يسبقني إليه أحد

- ما زال النقد العربي يسير وراء المدارس والمناهج النقدية الغربية

- من أبرز أهدافي نشر الوعي والفكر التنويري وتحفيز الإنسان على مقاومة القبح والقهر والاستغلال

***

حميد الحريزي كاتب تحتار أن تضعه بتصنيف محدد أدبياً، هو متعدد الزوايا الفكرية والثقافية، شاعر، قصاص، روائي، ناقد، صحفي،فضلاً عن صلته القوية بالكثير من المؤسسات والهيئات الثقافية،فهو يستنشق الثقافة من كل مصادرها ويستمتع بهذا، وهو بكل هذه الزوايا متميز وبدائرة الضوء، في هذا الحوار نتعرف على منهجه وتجربته الثرية .

* لكل إنسان محطات، وهي المكون الأساسي للكاتب، فماذا لديك من محطاتك الإنسانية؟

ـ في البدء أشكرك على هذه المبادرة الجميلة وإتاحة هذا الحوار معي، أتمنى أن أكون عند حسن ظنكم والقارىء الكريم في تقديم إجاباتي ضمن مستوى معرفتي الأدبية والفكرية المتواضعة بأن تلقى رضاهم وقبولهم مع جل احترامي للجميع من أتفق معي ومن لم يتفق .

أرى أنَّ قطار عمري الإبداعي ما زال مستمراً في السير متجاوزاً بعض المحطات ولكني أرى أنه لم يصل بعد إلى محطته الأخيرة إنْ كانت هناك محطة أخيرة للإبداع والمبدع، فالمبدع لايتوقف ابداعه إلا إذا أيقن بأنَّه لم يعد يستطيع إنتاج الجديد، أو أصابه العجزلأسباب عديدة ومنها عامل العمر والهرم، أشعر أنا أمامي أكثر من محطة أطمح أن أصلها وأتجاوزها بنجاح آملا أن لا يجف نهر إبداعي، ويبقى متجدداً دوماً وحتى الرمق الأخير .

* ما مدى تأثير نشأتك الأولى عليك؟

ـ أنا من عائلة ذات أصول فلاحية ريفية حيث أمضيت جزءاً من صباي حتى السنة الثانية عشرة من عمري في الريف، ثم انتقلت إلى المدينة مع عائلتي،للعيش تحت مستوى خط الفقر، أغلب أفراد العائلة أميون لايقرأون ولا يكتبون، النجف مدينة محافظة يطغى عليها الفكر الديني، عانيت كثيراً من هذه الظروف المعيشية الصعبة جداً وقد اضطررت منذ صغري إلى العمل لإعانة عائلتي ومارست الكثير من الأعمال ومنها بائع متجول، عامل مقهى، عامل مكتب، عامل بناء ...الخ، مع مواصلتي لدراستي حتى أكملت الإعدادية بمعدل جيد يؤهلني لدخول العديد من الكليات العلمية والأدبية ومنها الهندسة والعلوم والقانون والزراعة والآداب، ولكني بسبب ظروفي المادية الصعبة اخترت المعهد الطبي الفني لأنَّ مدة الدراسة فيه سنتان دراسيتان مع ضمان سكن قسم داخلي ومخصصات مالية لسد مصروفي اليومي وعيش الكفاف، وضمان التعيين في وزارة الصحة مما يساعدني على إعالة نفسي ومساعدة عائلتي ...

كل هذا الواقع جعلني أميل إلى الفكر اليساري بوصفه ـ كما أرى ـ مخلص الإنسان من قهر الجوع والحرمان ويسعى لتحقيق العدالة الأجتماعية، وبذلك هيمن الفكر اليساري والثقافة الموسوعية على ثقافتي العامة، انتهجت نهج المعارضة للنظام البعثي الحاكم في العراق، مما عرضني للكثير من المضايقات والحرمانات، كان لدي ميل كبير للكتابة، ولكني امتنعت عن النشر والإعلان عن موهبتي إلا بعد سقوط النظام سنة ٢٠٠٣، واستمرار معاناتنا على الرغم من حصولنا على حيز من الحرية النسبية للكتابة والطباعة والنشر .

*هل عرضت كتابتك الأولى على أحد وماذا كان الرأي؟

ـ في الحقيقة أنا ثقفت وطورت نفسي بنفسي دون الاعتماد على أحد لا شخص ولا حزب ولا منظمة بل من خلال المطالعة والتثقيف الذاتي وقراءة الكتب حيث كنت أتناول في أكثر الأيام وجبة غذاء واحدة في اليوم لأوفر مبلغ شراء كتاب قبل أن أتوظف في الدولة وأسست مكتبة خاصة بي تضم أكثر من عشرة آلاف كتاب.

ولا أنكر الدعم القوي الذي مدني به الأديب سلام كاظم فرج حينما نشرت في موقع المثقف أول نص شعري نثري بعنوان (مشاهدات مجنون في عصر العولمة)، مما شجعني على التواصل والكتابة حتى أنجزت لحد الآن خمس مجاميع شعرية .

* ماذا عن العمل الأول المقروء على الجمهور وكيف كان استقباله من المثقفين والنقاد؟

ـ كانت مجموعة (مشاهدات مجنون في عصر العولمة) وهي قراءات محدودة لاقت القبول والترحيب، وكما تعلمون النص الشعري الحديث ليس منبرياً بل هو مقروء، وقد لاقت مجاميعي الشعرية قبولاً محترماً من قبل الشعراء والنقاد وكتبت حولها الكثير من المقالات والدراسات النقدية، وكتبت حول شعري ثلاث رسائل ماجستير .

* ما أهدافك من الكتابة؟ وهل حققتها؟

ـ من أبرز أهدافي نشر الوعي والفكر التنويري وتحفيز الإنسان على مقاومة القبح والقهر والاستغلال، والانحياز للجمال والحب والسلام والمساواة بين كل البشر بغض النظر عن اللون والجنس والقومية والدين .

لا أدعي أنا وربما غيري من الأدباء أنَّهم حققوا أهدافهم السامية في العدل والمساواة والسلام في العالم، ولكن لي أمل كبير في تحقيق هذه الأهداف على مستوى العالم فلاخيار للإنسان لكي يحيا بسلام ورفاه غير الحب والتضامن والعدل .

* لمن تكتب؟

ـ إنَّ الكتابة بمختلف أجناسها وفروعها هي المعبر الأكيد عن ذات الإنسان ووجهة نظره وتصوراته في مختلف مناحي الحياة فبذلك الإسان يكتب عن نفسه، ولكنه في نفس الوقت وليرتقي إلى إنسانيته يجب أن تكون كتابته تمثل طموح وتوجه القسم الأكبر من أبناء جنسه، وطموحه ليحيا الجميع بحب وسلام وأمان ورفاه، وبذلك فإنَّ هناك علاقة جدلية لاتنفصم بين ما يريده الإنسان لنفسه ولغيره ليكتب أدباً سامياً خالداً ... وكإنسان بالتأكيد يتحسس ويستشعر مشاعر وأحاسيس الإنسان الآخر من مشاعر فرح وحزن .10 houayzi

* بدأت بالشعر، هل توافقني أنَّ غالبية الكتاب لابدَّ لهم من الولوج لعالم الشعر الذى أراه هو الباب الكبير لكل الأجناس الأدبية؟

ـ نعم بدأت بالشعر وكان أول مجموعة شعرية لي: (مشاهدات مجنون في عصر العولمة )صدرت الطبعة الأولى عام ٢٠١٩ لانختلف فيما ذهبتم إليه فالشعر النافذة الأولى لمشاعر الإنسان للتعبير عما يعتمل في دواخله من مشاعر وإحساسات حول مختلف الظواهر الاجتماعية وفي مقدمتها مشاعر الحب وهياج العاطفة الإنسانية نحو الآخر هذه المشاعر التي تشبه البركان لا يعرف الفرد متى يثور ومتى يهدأ.

* ما القضية الأدبية والفكرية التي تؤرقك وكيف ترى معالجتها؟

ـ أطمح إلى أن أكتب عملاً أدبياً أو فكرياً مميزاً لم يسبقني إليه أحد، أتمنى أن أحققه ولي أمل كبير أن تكون مبادرتي باجتراح مصطلح الرواية القصيرة جداً لأول مرة في العراق والعالم العربي وربما في العالم أن تحقق بعض طموحي في إضافة عمل متفرد في عالم الثقافة والفكر والأدب ... وهناك مشاريع فكرية لم تكتمل بعد ولم تتيسر الظروف الموضوعية والذاتية للشروع بكتابتها .

* كتبت بالنقد كثيراً، فكيف ترى المشهد النقدي؟

ـ لاشك أنَّ العراق والوطن العربي لديه طاقات نقدية كبيرة ومحترمة وإنْ لم تتمكن لحد الآن من إبتكار نظرية نقدية عربية متميزة، فما زال النقد العربي يسير وراء المدارس والمناهج النقدية الغربية قلما يضاف إليها بعض التطوير والتحوير لتكون ملائمة لبيئتنا الأدبية والثقافية العربية، للأسف نشهد أحياناً هناك الكثير من المجاملات والأخوانيات من قبل النقاد ترفع من لا يستحق وتغض النظر عن المبدع بفعل تأثير المال والجاه والهبات، باختصار النقد الأدبي ما زال لم يجارِ المنتج الإبداعي العربي، كما أنَّ الناقد في حيرة من أمره أن مدح يذم وأن قدح يذم، ولم نلحظ اهتماماً جدياً بالنقد كعقد المؤتمرات وتخصيص الجوائز والمنح للنقاد للارتقاء بالمنهج النقدي كما يفترض، وكل الاهتمام منصب على الشعر ومن بعده الرواية ...هل وجدتم تمثالاً لناقد عربي وحتى لروائي فما زلنا أمة شعر، شعر العمود على وجه الخصوص ...

* ما سبب الفجوة الكبيرة بيننا وبين الغرب ثقافياً، ومن المسؤول؟

ـ هذا موضوع طويل الخوض فيه يحتاج الى مؤلفات ولكن من أهم الأسباب الفعل القهري للقوى الاستعمارية الكبرى على بقاء المجتمعات العربية مجتمعات غير منتجة وغير عاملة، مما أفقدها نشوء طبقات اجتماعية تنتج الفكر وتسعى للتقدم والتغيير نحو الأفضل كالطبقة البرجوازية المنتجة والطبقة الوسطى وهي مصدر الإشعاع والتنوير في كل المجتمعات المتطورة، وكذلك تسليط حكام جهلة تابعين للدول الكبرى لاهم لهم سوى الاحتفاظ بكراسي الحكم وغالبهم من الجهلة أو التابعين في ثقافتهم إلى العالم الأول...

* ما رأيك فى الغياب المتعمد لترجمة الفكر والإبداع العربي إلى اللغات الأخرى مما يؤدي إلى عدم وجود حضور قوي للثقافة العربية؟

ـ هذه مهمة يجب أن تتبناها مؤسسات متخصصة ومدعومة من قبل الدولة، وسلطات تؤمن بمنتج إبداعي عربي يستحق نقله إلى بقية لغات العالم وهذه الشروط غير متوفرة في أغلب البلاد العربية حتى في الجامعات والمؤسسات العلمية والأدبية، فنحن كبلدان مستهلكة نستورد ولا نصدر ...

* ما حلمكم؟

ـ أحلم أن يحيا بنو الإنسان في كل المعمورة بسلام ورفاه ومحبة وتضامن، لا حروب ولا أمراض ولا جوع ولا قهر ولا تشرد، لاحدود ولا سدود الإنسان أخو الإنسان بغض النظر عن الجنس والدين والعرق والقومية، وأني على ثقة تامة بأن الأرض تكتنز من الثروات ما يكفي ويسد كل حاجات الإنسان ويزيد، أحلم أنْ يلغى استعباد الإنسان للإنسان، وأن ينتهي استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وأن تتحق المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة ... وأرى أن ذلك يتحقق عبر شكل مختار من أشكال وأساليب الحكم الاشتراكي الذي يأتي عبر الاختيار الحر للإنسان عبر صناديق الاقتراع وليس عبر الانقلابات ولا الديكتاتوريات .

* إلى أي جيل تنتمي؟

ـ أرى أنَّ الإنسان ابن يومه ابن حياته المعاشة ولا يمكن تصنيفه وتعريفه ضمن عقد زمني محدد، على الإنسان أن يكون مرناً يتمكن من التأقلم مع كل جديد بناء وأن يؤمن أن لا ثابت إلا المتغير ...

*ما المشروع الفكري والثقافي الذي تتمنى أن تكتبه؟

ـ أتمنى أن أتمكن يوماً من إعادة كتابة تاريخ الحركات الثورية في العالم العربي الإسلامي بحرية كاملة مع إزالة كل لطخات التشويه التي ألحقها بها مؤرخو الحكام والسلاطين، وكذلك تجنب كل تقديس مفتعل ومضاف اليها وإلى أبطالها عبر المخيال الشعبي، وبذلك نتمكن من معرفة حقيقة الأحداث وأسبابها ومسبباتها لتحترق كل الأكاذيب والخلافات المصنعة فوق نار الحقيقية التي ستوضح إنما التاريخ هو تاريخ صراع المصالح والامتيازات المغلفة بمختلف الأقنعة المزيفة كانت وما زالت هي كذلك وهي أس الصراعات والحروب بين الدول والقوميات والطوائف التي ما زالت تذهب نتيجتها أرواح وممتلكات ملايين البشر . ومن ضمنها ما يجري في العالم العربي والإسلامي وكل العالم.

* من يصنع الآخر، الثقافة أم السياسة وما مدى تأثيرات كل منهما على الآخر؟

ـ يفترض ضمن منطق العقل أنَّ الثقافة هي التي تصنع السياسة لتكون السياسة حكيمة رشيدة واعية متطورة تؤمن للشعوب حياة الرفاه والأمان والعدل،

وحينما تكون السياسة هي المهيمنة والموجهة للثقافة نشهد فساد كل شيء، فالسياسة تمثل مصالح طبقة أو عدد من الطبقات خلال فترة زمنية محددة فتنزع إلى اللف والدوران والخداع والتضليل وحتى استخدام القوة لفرض سيطرتها على الطبقات الأخرى، في حين الثقافة تنظر إلى الإنسان كإنسان بغض النظر عن انتماءاته الأخرى، والثقافة الإنسانية البناءة تسعى ليعيش الإنسان حياة الرخاء والأمان والتمتع بالجمال والحرية .

*هل ترى شبه تعمد لتهميش المثقفين؟

ـ إنَّ عدو السلطة الفاسدة والسلطة الظالمة والسلطة الجاهلة هو المثقف والثقافة، فهو الأقدر على فضح تضليلها وتعسفها ويرفض الانقياد لها، والمثقف الحقيقي هو الذي يسعى دوماً من أجل تحقيق العدالة والمساواة بين البشر، وبقدر ما تتمكن السلطات من إرشاء المثقف وخنوعه واستسلامه لإرادتها بقدر ما تحافظ على كرسي حكمها وتحافظ على قوة وسلامة أساليبها التضليلية والتمكن من قطعنة الجمهور وتوجيهه كيف تشاء .

* كيف السبيل إلى نعيد الوعي إلى تراثنا الفكري والثقافي والتاريخي والعقائدي؟

ـ أرى أن ذلك ممكن حينما نتمكن من تفكيك هذا التراث ووضعه تحت عدسة مجهر النقد الصارم والتمييز بين ما هو إيجابي وما هو سلبي،بعيد عن كل التابهوات التي تقدس وتدنس دون علم مستخدمة سلطتها القمعية لقمع الفكر العلمي الحر، ولاتمكنه من تفكيك وإعادة تركيب وبناء التراث ليكون بمستوى العصر الراهن، والعمل الواعي الجاد لتخليص التراث مما علق به من خرافات وتفاهات لاتصمد أمام البحث العلمي وأمام العقل النقدي، الإيمان بلا قداسة ولا تقديس للنص والشخص يتعالى على مصباح النقد الموضوعي، وبذلك يكون تراثنا بناءً وعقيدتنا مبنية على القناعة العقلية وليس على التسليم للتقليد والاتباع، فيكون قادراً على صد رياح الهيمنة والتهديم من أين ما أتت، رفض سلوك التكفير، وتبني فكر التنوير وبذلك نستطيع أن نعيد لتراثنا المشرق بهائه واشراقته، إعادة الاعتبار للمفكرين التنوريين العقلانيين الذين اتهموا زورا وبهتانا بالزندقة والإلحاد والكفر، تنشيط العقل الفلسفي والمجالس الفلسفية فالفلسفة هي الأداة الفعالة للبناء والتطور ونبذ كل ما هو متخلف ولا يصمد أمام الدليل والبرهان .

* ما القرارات التي تتمنى أن تتخذها لو كنتَ مسؤولاً؟

ـ أو ل قرار أتخذه هو تدريس مادة الفلسفة في مراحل الدراسة المتوسطة والإعدادية والجامعة، ووضع منهج يدرس مادة تاريخ الأديان السماوية والوضعية بحيادية تامة، وترك خيار التعمق في دراسة دين معين إلى المؤسسات الدينية ومعاهدها وجوامعها وكنائسها وأديرتها وإعادة كتابة التاريخ وفق الفكر المحايد والمبني على الأدلة والبراهين، ونبذ وإدانة كل تاريخ العنف مهما كانت مبرراته وأسبابه،والحث على دراسة وحب كل الفنون الإنسانية من نحت وموسيقى ورقص وغناء ورسم والرياضة واعتبارها دروساً أساسية في المدارس بمختلف مستوياتها، والإكثار من المسارح ودور السينما وتغذيتها بكل ما هو إنساني نبيل، ومواجهة الفكر بالفكر دون إكراه أو قمع، ورصد موازنة كبيرة تضاهي موازنة الوزارات السيادية إلى وزارة الثقافة لتتمكن من أداء مهامها في بناء إنسان متنور متطور وهو الرأسمال الأثمن والأمثل لأي تطور وتقدر وارتقاء...

* الإعلام وتأثيراته على الحياة الثقافية والمجتمعية، كيف تراه؟

ـ يحتل الإعلام أهمية كبيرة جداً في بناء أو التلاعب بوعي العقول لمجتمع بعينه فهو وسيلة ربما لا تدانيه وسيلة أخرى في غرس الأفكار والسلوكيات بين أفراد المجتمع . الإيجابية منها أو السلبية

وأرى أن إعلامنا العربي غالباً ما يكون تابعاً للسلطة الحاكمة ويمارس دور التهليل والتطبيل للحاكم ويجمل صورته، وأغلب المسيطرين على المؤسسات الإعلامية لا يمتلكون المرونة والكفاءة والإحساس بالمسؤولية العظيمة للإعلام همهم الأول رضا الحاكم، لايوجد لدينا إعلام خارج عن هيمنة الدولة وسيطرة الحكومة كما في الكثير من دول العالم المتقدم، لا يمتلك الإعلام والاعلامي الحرية الكافية للتعبير عن رأيه وتوجهاته خارج نطاق السلطة الحاكمة مما يبقيه أعرج أحول يهادن ولا يقاوم .

* السنا بحاجة ماسة وضرورية لوجود مجلس أعلى للثقافة العربية لإحداث الوحدة الثقافية التى فشلت بتحقيقها الأنظمة العربية؟

ـ نعم إذا كان هذا المجلس يشكل ويقاد ويؤسس بإرادة المثقف العربي خارج هيمنة السلطات الحاكمة وتوجهاتها، ويمكنه لو تمتلك إرادته أن يحقق الكثير مما يطمح إليه الإنسان العربي، ويغني الثقافة العربية بكل ما هو منتج وبناء وتنويري .

*ماهو استشرافك للثقافة العربية بقادم الأيام؟

ـ ما زال المثقف العربي لا يمتلك حرية التفكير والتحرير، وما زالت الأنظمة القائمة هي المهيمنة فأنا غير متفائل بمستقبل الثقافة العربية، على الرغم من وجود بذور إشعاع هنا وهناك ولكن ...

* هل ترى أن هناك دوراً فعالاً لاتحادات الكتاب ولأندية الأدب ومعارض الكتاب؟

ـ أغلب الاتحادات للأدباء والكتاب تهيمن عليها عناصر تقليدية، تابعة للسلطات الحاكمة، وإمكانياتها المالية محدودة، وصلتها بأعضائها وجماهيرها إنْ كانت لها صلة بالجماهير فهي محدودة جداً، تهيمن على قيادات أغلبها نزعة التنافس على المناصب والامتيازات والقيل والقال والاخوانيات، وعدم البحث عن ما هو جديد ومبدع، مما يجعلها محدودة الأثر والتأثير، كما لا توجد روابط وصلات تعاون بين مختلف الاتحادات العربية وانعدام مبادراتها لإقامة فعاليات ثقافية وأدبية مشتركة فاعلة ومحسوسة من قبل المثقف العربي ناهيك عن المواطن العادي .

إنَّ معارض الكتاب ظاهرة إيجابية ولكنها لم تتمكن من توصيل المنتج الإبداعي للمثقف والأديب العربي الذي لم يهلل له الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وغالبا ما يكون معرضاً للمشاهير ونجوم الفضائيات ومن يمتلك سلطة العلاقات والمال ...

* لعلكم أول من تبنى مصطلح (الرواية القصيرة جداً )، فكيف طرأت الفكرة لديكم، وهل ترى أن الزمن القادم هو زمن الرواية القصيرة جداً؟

ـ إنَّ الانشغالات اليومية للإنسان وضيق الوقت المتاح أمامه أصبح محدوداً جداً في عصر العولمة الحالي وذلك بسبب تعقد لحياة وزيادة متطلبات الإنسان في عصرنا الراهن بما لا يقاس قبل عقدين من الزمان مثلاً، وبذلك أصبحت إمكانية قراءة الرواية الطويلة وحتى القصيرة غير ممكن .إنَّ التطور التقني الهائل في تطور وسائل الاتصالات عبر النت ووضع أطباق من المعلومات حول المدن والشوارع والمعالم الحضارية والاشخاص أمام الإنسان عبر اليوتيوب والسينما والتلفزيون والكوكل مما أعفى الروائي من مهمة التوصيف والتعريف لأغلب مما وصفناه أعلاه لأنه معروف ومستبطن في ذاكرة الإنسان المعاصر مما أوجب الاختزال والتكثيف دون المساس بمضون الرواية، ومايريد الروائي إيصاله للقارىء فالرواية القصيرة جداً رواية وامضة تؤشر ولا تفسر .

إنَّ ضيق الوقت وتوفر المعلومة تطلب شكلاً جديداً من الرواية لكي لا نحرم الإنسان من غذاء روحي كما وفرنا له الغذاء المادي عبر الوجبات السريعة ((أنت وماشي))، وبما أنَّ للأدب تجربة سابقة للاختزال عبر القصة القصيرة جداً والومضة، مما أوحى لي فكرة كتابة الرواية القصيرة جداً، التي تخففت من كل أثقال وديكورات وتعريفات الرواية الطويلة والقصيرة، ولكن مع حفاظها على اشتراطات الرواية من خلال تعدد الشخصيات والحوارات، ووجود حكاية وانتقالات في الزمن، ولاشك أنَّ كتابة مثل هذه الرواية يحتاج الى حنكة وكفاءة عالية لدى الكاتب، وقد نظرنا في العديد من المقالات لاشتراطات الرواية القصيرة جداً منشورة في العديد من المجلات والجرائد والمواقع الإلكترونية .

وبذلك فأنا أرى أنَّ الرواية القصيرة جداً هي رواية المستقبل بامتياز كما قلت ذلك للأستاذة كابي لطيف في إذاعة مونتيكارلوا الدولية .

* نريد كلمة منك إلى:

* الناقد؟

ـ أتمنى على الناقد أن يكون موضوعياً يمتلك كل مستلزمات النقد من ثقافة عامة ومعرفة واطلاع على الأجناس الأدبية والمدارس النقدية وأن لا يجامل في الحكم والتقييم، وأن يمتلك الفطنة والدراية في القدرة على كشف مجاهيل النص ودلالاته .

* الإعلام؟

ـ على الإعلام أن يكون منصفاً، رصيناً لا يجنح للتهريج وتجميل القبيح وغض النظر عن الجميل، ولكن مقياسه الوحيد المردود المادي بل البحث عن مواطن الجمال والصدق والرصانة .

* القارىء؟

ـ نتمنى أنْ يكون القارىء متسلحاً بالرصانة والحس النقدي ويستطيع أن يميز بين الرث والرصين ولا تصادر إرادته من قبل وسائل البهرجة الإعلامية ولا تغريه البرهجة وخيارات القطيع .

* الكاتب الكبير والصغير؟

ـ السعي إلى ترصين الذات والعمل على بث الثقافة البناءة وكل ما يرفع من ذائقة الإنسان الفنية والمعرفية وتشجع على التضامن والحب والسلام .

* دور النشر؟

ـ على دور النشر أن تكون الفلتر الايجابي في تبني ماهو بناء ورصين ونافع للإنسان ونبذ كل ما هو مبتذل ورث وهدام ولا يكون الربح المالي هو الدافع الأول والأخير للطباعة والنشر .

* مسؤولو الثقافة العربية على كل مستوياتهم؟

ـ أن يكونوا في درجة عالية من الحصانة ضد الترهل وثقافة الرثاثة وحمل رسالة الثقافة الإنسانية بأمانة وحرص على الهوية الوطنية البناءة .

***

حاوره احمد طايل - مصر

 

في المثقف اليوم