حوارات عامة

ميمون حرش يحاور الأديب والناقد محمد كركاس

سلسلة " كلمني عنه "- الجزء الثالث - الحلقة :2

هناك أشخاص نقدرهم كثيراً، ولأننا نكن لهم شعوراً خاصاً، فإننا نحب أن نعرف أخبارهم، وقد ننقلها نحن بدورنا للآخرين، لا نميمة بل حباً؛ حب شارك في صنعه إما إبداع جميل، أو أريحية، أو موقف لا يُنسى، من هؤلاء الأديب محمد كركاس.

مثقف متنور، ومحب للأدب بجنون، ناقد له حظوته، ومع ذلك لا يحب الأضواء، يظهر ويختفي، وسواء في ظهوره، أو اختفائه ، يحرص على أن يترك أثره؛ في الظهور  بما ينشره من جمال في إبداعه، فيقبل  عليه القراء بلهفة، وفي الاختفاء بالسؤال عنه، وبإلحاح، لأن من يعرفه يحبه في الله، فلا يكف عن هذا الحب أبداً... لكل هذه الأسباب أطلقت عليه لقب "الكركاس الذهبي" ، منذ تعرفتُ عليه في منتدى الأقلام الثقافية عام 2011؛ لا زلتُ أحتفظ بورقات نقدية له، مهمة جداً عن نصوصي، أفادني بها  كثيراً، ولا تزال علاقتي به قوية إلى الآن  ..أعشق قراءة نصوصه.، وأستفيد من نقده.

مرحبا بالأديب/ المبدع ، والناقد سيدي محمد كركاس (الطركاس الذهبي)، في سلسلة " كلمني عنه".

أُجْمِل الإجابة عن الأسئلة المقترحة في ما يلي:

1- موقف طريف حدث لك في الأسرة أو المدرسة، أو الحياة بشكل عام:

- كثيرة هي المواقف الطريفة التي تفاجئنا في حياتنا.. في علاقاتنا.. في تفاعلنا مع المحيط الوظيفي، أوالأسرى أو المحيط العام والخاص، ولأن الحديث عن هذه المواقف يطول، سأنتقي منها موقفا واحدا، ما يزال يحافظ على طراوته في النفس والذهن؛ مجمله أن تلميذاً من "نوع خاص".. تلميذا بطلا في الفوضى غير الخلّاقة، انخرط، كدأبه، في شغبه المذموم، الذي ما اعترف به يوما، وذلك بتشويشه ليس على جواره فحسب، وإنما على أجواء القسم كله، وعلى السير العادي/ السلس للدرس، وقد أمرته مرات بالانضباط، بصيغ مختلفة، أراعي فيها البعد التربوي دائما، بما في ذلك استدعاء ولي أمره، لكنه أصر على "اقتراف" فوضاه كما يحب ويهوى!

وبشغب رد على أمري له بالصمت: (تّا أصاحْبي راه كنا داويين عا فالدرس).. قلت له: (لا يهم موضوع حديثكم، وأنا لست صاحبك، بل أستاذك أنا). فكان رده أعنف من سابقه حين أجاب بانفعال واضح: (وبلاش من الصحبة ديالك.. ما عندي ماندري بها، وزايدون أشنو درت گااااع؟! ما درت والو).. هذه اللازمة، بسؤالها وجوابها تلازم صدارة ردوده: (أشنو درت؟ ما درت والو!!! )...

سارعت بالإجراء العملي الضروري في مثل هذا الموقف، باستدعاء الإدارة، فاتخذنا الإجراء التربوي القانوني اللازم.

* لماذا توقفت عند هذا الحادث / الموقف بالذات؟

- لاعتبار رئيس: نحن في زمن تغيرت فيه العقليات و السلوكات والمواقف، وبالتالي ردود الأفعال، التي يجب أن ننتبه إليها في أفعالنا وأقوالنا؛ لأن بعضا منها قد يورطنا أو يحرجنا أو يُربِكنا…

لذا علينا، في علاقتنا بتلاميذنا وتلميذاتنا (أبنائنا/ بناتنا)، أن نجتهد ونصبر، وأن نتحلى بالحكمة، وبالنفَس الطويل، وبالسعي الدؤوب من أجل اكتساب قلوبهم قبل عقولهم، لأن ذلك هو الطريق المعبدة لبلوغ الأهداف المرجوة، ولضمان تواصل فعّال، بأقل الخسائر…

2- طقس الكتابة لديك، كيف تتم؟ ما خفي منها خاصة

- ليس لي طقس خاص محدد ، إذ يمكنني أن أكتب في أي مكان وفي أي زمان، وفي أجواء الضوضاء والهدوء.. مع التأكيد على أن فعل الكتابة لدي يتخذ شكلين (شكلا كتابيا، وشكلا شفويا؛ إذ يمكن أن أختزن نصا في الذاكرة بمجرد اختمار فكرته في ذهني،  في انتظار أن تتاح لي فرصة تدوينه…

لكن الكتابة عندي تتأسس على ثلاثة مرتكزات رئيسة، يمكن اعتبارها بمثابة طقوس للكتابة:

الأول: اقتناص كلمة مفتاح مستفزة أو مثيرة… موجِّهة للكتابة؛ إذ يولد النص، عندي، في المرحلة الجنينية، في شكل مصطلح أو كلمة مفتاح، (ومعظم ما كتبت يبدأ كلمة أو مصطلحا) قبل أن يتبلور في نسق لغوي، بغض النظر عن الجنس أو النوع، أو الكم (الطول أو القصر).

الثاني شرط القراءة: يعتبر طقس القراءة (التي قد تطول مدتها، فيطول معها الصمت، وقد تقصر فتندفع معه الممارسة الإبداعية طفرة)..

وأعمق/أجمل/ أنضج ما كتبت هو ما كان مزيج المعادلة التالية:

قراءة (متأنية متفحصة) + اقتناص كلمة أو مفهوم = كتابة.

الثالث: ويتمثل في مرحلة تنقيح النص الذي قد يستغرق وقتا طويلا.. وأشير إلى أن هذا المرتكز انتقل إلي (كعدوى) من مدرسة عبيد الشعر في العصر الجاهلي (أوس بن حجر، وزهير بن أبي سلمى، والحطيئة…) ، وهي الحَوْليات لدى البعض.. هؤلاء الشعراء الذين كنت مدمنا على قراءة شعرهم، وسبق لي أن أنجزت بحثا حول شعر الحطيئة بعنوان (البنية الإيقاعية في شعر الحطيئة).

3- "الحرج" من ورطة وقعت فيها، وكيف خرجت منها:

  • ذكرني هذا الموضوع، بصديق عزيز (رحمه الله) كان مغرما بالكتابة عن تجارب الماضي؛ تجاربه الشخصية وتقاطعاتها.. وهو أمر أزعجني في لحظة ما، لأن ماضيه، في جزء منه، تتقاطع أحداثه مع جوانب من سيرتي الذاتية، التي كان مُلحا على إدراجها ضمن مشروعه، الذي لم يخرج إلى الوجود (النشر) بسب مرض ألمّ به، فأنساه مشروعه، الذي رافقته أحداث مؤلمة جدا، بما فيها اكتئاب حاد أصابه، قاده إلى محاولتيْ انتحار، كانت الثانية نقطة تحول دراماتيكي في حياته وحياة أسرته الصغيرة وعائلته الكبيرة وأصدقائه… فأنساه أو شغله مرضه عن إكمال مشروعه…

فإذن كان المرض القوة القاهرة لأخي وصديقي (...) ، وهي القوة القاهرة ذاتها التي أخرجتني من ورطة نشر وقائع من حياتنا (أنا وهو) خلال الدراسة الثانوية، والجامعية عبر مرحلتين: مرحلة الإجازة، بكلية الآداب مراكش، ومرحلة (الدراسات المعمقة والدراسات العليا) بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، إذ كان، رحمة الله عليه، مصرا على توثيق لما ميز تجربتينا، بما لها وما عليها، ونشر حصيلة ذلك، بالرغم من اعتراضي على ذلك بشدة.

4- أجمل أو أغرب تعليق عن "إبداعك"، سمعته من أحدٍ وجهاً لوجه، أو قرأته مكتوباً:

- يحضرني هنا صدى تعليقٍ/ رد وازن، عبارة عن إبداع موازٍ(نص على نص) على تحليل لي لإحدى قصائد الكتابة التونسية المبدعة (منجية مرابط)، التي أحييها بهذه المناسبة، وآمل أن يكون سبب اختفائها منذ شهرين على الأقل، خيرا…

5- أمر تكشفه، لأول مرة،  وتميط اللثام عنه لمحبيك..

 - أحب أن أميط اللثام عن انشغالي منذ مدة قصيرة  بمشروع إبداعي، يمزج بين ما هو إبداعي، وما هو نقدي في المجال السردي، وفي مجال الكتابة (بدلالتها البارطية).

أجدد الشكر للصديق العزيز المحترم المبدع الناظوري الجميل ميمون حرش، الذي توطدت الصلة الإبداعية بيننا، دون أن تتاح لنا الفرصة بعدُ لإخراج هذه العلاقة الإنسانية الجميلة من حيز الوجود بالقوة (الإبداعية الافتراضية) إلى حيز الوجود بالفعل (الإنساني الواقعي).

***

حاوره: ميمون حرش

.......................

* الصورة للأستاذ ميمون حرش

 

في المثقف اليوم