حوارات عامة
حنان جميل حنا تحاور الشاعر د. سعد ياسين يوسف
- بالشجرة أستدلُّ على الحياة، والشَّجرة هي أنا والوطن والحبيبة...!!!
- تعدد القراءات في النَّصّ الواحد سمة مهمة من سمات الحداثة .
- لا تجديد يأتي من فراغ والتجديد هو سرّ الحياة وديمومة الإبداع.
- الإبداع الحقيقي هو ما يبقى .
للحروف لهفة يستمد منها روحه لعزف نشيد الريح وهي تراقص قامات أشجاره الباسقات بموسيقى تواشيح الطبيعة فتسقسق أشواقها أخاديد شوق وحنين وتبث الوهج النابع من أعماق وجدان شاعرنا وضيفنا الدكتور سعد ياسين يوسف قصائد رائعة للغاية .
عراقي المولد عام1957 في مدينة العمارة . عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. أصدر سبعاً من المجموعات الشعرية. وهو باحث أكاديمي حاصل على درجة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر للعلاقات الدولية وله دراسات وأبحاث ومحاضرات واسعة جدا ومشاركات شعرية في مهرجانات وتجمعات ادبية محلية وعربية ودولية كثيرة . يجيد صياغة الحرف بأسلوب ممتع له أسلوب رائع في كتابة القصيدة النثرية بطريقة خلاقة.. قصائده تحمل كماً كبيراً من الأحاسيس الوجدانية والإنسانية بصور رائعة تخدم المعنى وتعمقه وكانها لوحة فنية رسمها فنان بريشته الجميلة. أبدع الدكتور سعد ياسين يوسف وتوفق في الوصف والتشبيه وتوظيف الانزياحات اللغوية في التشكيل الشعري واعتمد الشجرة رمزاً له وأنسنها ولذلك لقبه النقاد بشاعر الأشجار.
قال عنه الناقد الكبير فاضل ثامر " إنَّ الشّاعر سعد ياسين يوسف تألق في قصيدة النثر ببنيات مهمة ومن خلال انتماء الشّاعر لفضاء الطبيعة وأنسنتها وقد استطاع أن يخلق منها كياناً إنسانياً لتصبح رمزاً و(آخراً) حينما يقيم حواراً مع افتراضي آخر هو الشَّجرة الذي قد يكون قريناً له أو الوجه الآخر مشدداً على إنَّ تجربة الشّاعر سعد ياسين يوسف تجربة غنيّة تندرج ضمن المتن الثقافيّ لما حظيت به من تكريم وجوائز عالميّة وتتطلب قراءة جادّة".
س1: يلقبك النقاد ب (شاعر الأشجار) ما قصة الأشجار في أغلب
قصائدك دكتور سعد؟ وما سرّ هذا التعلق بها؟
- بالشجرة أستدلُّ على الحياة، الشَّجرة هي أنا ..هي الإنسان هي العائلة هي الوطن هي البيت والقيم وهي الحبيبة والملاذ وهي الشَّاهد وهي المقتول بحزن الفصول ... أليس لكلِّ شيءٍ في الحياة شجرته، أقصد جذرا وساقا وفروعا ..؟ ولذا كانت الشَّجرة وبدون وعي مني تتألق في قصائدي وتتوهج معي لتعلنَ عن وجودها.
لقد أنسنتُ مفهوم الشَّجر بانزياحات لغوية عديدة وقد تنبه الكتّاب والنُّقاد لذلك وأطلقوا عليَّ لقب (شاعر الأشجار) في أكثر من مقال ودراسة نقدية ومقابلة تلفزيونية، فيما أقام لي الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق أُصبوحة احتفائية سُميت حينها (الأشجار ثيمة في شعر الدكتور سعد ياسين يوسف) تحدث فيها عدد من النُّقاد والأكاديميين الذين أكدوا فيها أنَّ منجزي الشِّعري قد تفرد باعتماد هذا الرَّمز ومنحهُ عمقاً عبر النّصوص التي يتشظى فيها معنى الأشجار ويكبر ويصبح ثيمة واسعة وعميقة تستدعي الدِّراسة النقديّة الأكاديميّة والفكريّة.
ولو تأملنا الآية القرآنيّة التي ورد فيها أسم الشَّجرة وهي 24من سورة إبراهيم (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ ..) .... يالها من شجرة هذه التي أجلس كل َّ يومٍ تحت معانيها لأنهل منها صوراً شعريّة باذخة الجمال والعظمة .
وحتى في الفلسفة للشَّجرة أهمية كبيرة فهذا ابن عربي يقول :" إني نظرت ُ إلى الكون وتكوينهِ، وإلى المكنونِ وتكوينه، فرأيت الكون شجرة".
أما سرّ التعلق بهذا الرَّمز لأنَّه مشروعي الفكريّ والفلسفيّ في الكتابة الشِّعريّة وأنا سعيد ومُطلَق العنان في معانيه الرَّحبة .
س2: خلف العناوين الظاهرة في قصائدك الرائعة الكثير من الرّموز العميقة المختبئة تملأ أبجدية اللّغة العربيّة بدهشة قلمك .. كيف لهذه الأحاسيس أن تترابط فيما بينها؟
- مجموع هذه الرّموز هي أنا، حياتي، مشاعري ما أحب ومن أحب، والعنوان عتبة مهمة للدِّخول إلى عالم القصيدة والعتبة كما يُجمع النّقاد ومنهم (جيرار جنيت) حيث يؤكد أنَّ العنوان (ما يَصنع فيه النَّصُّ من نفسه كتاباً مفتوحاً ويقترح ذاتَهُ بهذه الصِّفة على قرائه وعلى الجمهور عموما،أي ما يحيط بالكتاب من سياج ٍأولي وعتباتٍ بصريّةٍ ولغويّة .)
وهكذا فالعنوان نصٌ يوازي النَّصَّ الأصلي لإنتاج المزيد من الدِّلالات الشِّعريّة التي تُفعّل دائرة التلقي وفنّ التَّأويل وتشكّل علامات دالة تلخص الفكرة وتكثفها وتُظهر الأبعاد الرَّمزية لها، لتمثل مفاتيح دلاليّة تؤدي وظيفة إيحائيّة باتجاه المعنى ومقترباته .
لذلك فأن العنوان عندي هو تكثيف لبؤرة ضوء القصيدة والجهد الذي أبذله في اختياره يوازي جهد كتابة القصيدة، وأحيانا تولد القصيدة حاملة اسمها .
س3: عندما تتألم أشجارك، كيف تدفن أكداس الحزن؟ وكيف تلتقط حبات ضياء الأمال لتمنحها لعصافير المعنى المغرد على أغصانها؟
- هذا سؤال جدُ رومانسيّ وعذب، نعم أشجاري تفرح وتتألم وينعكس ذلك على مرايا قصائدي كضوع بخور لا يمكن أخفاء عطره كلّما أشتعل وتوهج زاد عبيره وأنتشر شذاه، وأنا على تواصل مع أشجاري كلّ يوم أستمع لحفيفها في الليل حينما أخرج بعد أن يؤوب النَّاس إلى منازلهم وتخلو الشَّوارع والأزقة من كلِّ شيء إلا من نسمات مشاكسة بلَّلها نثيث مطر خفيف وعطر الياسمين، وأحيانا أنشدها بعضاً من قصائدي فيزداد الحفيف ليصبح تصفيقا ً هو الأصدق من تصفيق أي جمهور .
س4: الكثير من الأمنيات تتجسد بحروف تخرج من مكنون القلب .. والحرف يتوهج قصيدة بإحساس عالٍ يستمد منا روحه، بماذا تحدّث القصيدة الشاعر الدكتور سعد ياسين يوسف؟
- للقصيدة حديثان، حديث لحظة تشكلها وقد يمتد للحظات وساعات وأيام وقد يطول لأكثر من عام بكل تحولات الجنين في رحم أمه، تلازمني ألوانها ومساراتها وشكل عينيها، وحديث بعد ولادتها حينما أُداعب خدودها وشعرها المنسدل على كتفيها وبهذا تكون قد باحت لي بأسرار جمالها، أضع وردة على غرتها وأزين شفتيها بحمرة الرِّوح وأضع بعض أسراري بين نهديها، وقد صَوَرتُ معاناة الولادة في قصيدة (شجرة القصيدة) وأسمحي لي أنْ أقتبس منها :
((هيَ الغيثُ النازلُ فوقَ يبابِ الأرضِ
ينبتُ اكواناً من سحرٍ
ومواسمَ أعيادِ الأرضِ
هي حزني المتفجّرُ صمتاً ببريقِ عيوني
وصهيلِ خيولي النافرةِ من برزخ ِصدري
لسماواتٍ سابعة ٍ.. .. ..
خلفَ سنابِكها نُثْارُ نجومِ الدهشة ِ
تَمْوّجُ أوراقِ الآياتِ الأولى
وهي تحلقُ عائدةً
لتحطَّ على أشجارِ حديقتيَ المسكونةِ
برفيفٍ لا أعرفُ سره ...))
س5: كيف تنظر لمستقبل اللغة العربية في ظلّ التحديات الكبيرة التي يطغى فيها صخب الإنترنت، وخاصة مستقبل جيل الشباب والغيمة المثقلة بالتكنولوجيا الرقمية؟
- للّغتنا العربية ربٌّ يحميها لكِ أنْ تطالعي التأريخ الذي مرت به اللُّغة العربية والهجمات التي تعرضت لها بفعل الفرنسة والتتريك والتفريس، لكنها بقيت صامدة تستمد عمقها وجزالتها من كتاب الله (القرآن الكريم) ومن تراثها الهائل الذي تمتلكه على مرِّ العصور، فلا خوف عليها على الإطلاق، وما أوجده الإنتريت ومواقع التَّواصل الاجتماعيّ لا ينال من جرف اللُّغة بدليل أن هذه المقابلة وبلغتنا العربية الفصحى تمت عبر الإنترنيت، لكن ثمة شريحة من الذين تركوا الوطن وهاجروا إلى المنافي وجدوا أنفسهم أمام معضلة الأبناء الذين ولدوا هناك وقد فرضت عليهم ظروف البلاد الجديدة لغتها، وهنا لابد أن يتدخل الأهل ليزرعوا في قلوبهم حبّ اللّغة العربيّة لما فيها من مميزات لا تتوفر في أيّةِ لغة أخرى من حيث عدد مفرداتها وثراء اشتقاقاتها وجزالة معانيها، فتلك حقا مسؤولية الأسرة .
س6: في قلب أشجارك (قصائدك) كرنفال من المعاني يتردد صداه بانزياحات مدهشة وشخوص نصية أنزياحية وطبيعية .. كيف تنظر لضرورة تعدد القراءات في النصّ؟
- تعدد القراءات في النَّصّ الواحد سمة مهمة من سمات الحداثة في القصيدة الحديثة فلا قيمة إبداعيّة لنصٍّ بمعنى مباشر واحد لا يتشظى فيه المعني لمعانٍ تتسع كدوائر الماء عند إلقاء حجر في بركة، وهذه مهمة الجملة الشِّعرية الحيّة أن توسّع مدارك المتلقي وتترك فيه اتساع دوائر المعنى فأنا أرى أنَّ القصيدة يجب أن ترتقي بمدارك المتلقي لا أن تهبط به إلى ما هو سائد ومستهلك أو أن تجعله يصفق كما صفق الآخرون، التصفيق لم يعد قياساً لجودة القصيدة قدر ما تحققه من ارتفاع في درجة حرارة فكر المتلقي وهو يعيد تشكيل المعنى وصولاً إلى الدهشة .
س7: حصلت قصيدتيك (قذائف وشناشيل) و(قيامة بابل) الرائعتين على المركز الأوّل في مهرجانين للشعر في بلغراد بالرغم من عدم حضورك الأوّل، ماذا يعني ذلك لكَ.
- حزت على جائزة يوم الشِّعر العالمي لمرتين الأولى في تموز عام 2012بقصيدة قذائف وشناشيل التي كانت صرخة بوجه العدوان الأمريكي الغاشم على العراق، وهذا يعني أنَّ الإبداع الإنساني هو ما يصل عابرا إلى الضّفة الأخرى حتى بدون وجود الشَّاعر بجسده،وذلك حينما يحمل نصّه قضية إنسانيّة يتفاعل معها الإنسان في كلِّ مكان.
أما المرة الثانية التي أحرزت فيها الأولى أيضا في عام 2013 بقصيدة (قيامة بابل) كنت موجودا وقد قوبلت بحفاوة كبيرة من قبل الأدباء والمفكرين والإعلاميين في بلغراد وأحتفت المكتبات بتوقيع نسخ من مجاميعي الشِّعرية لتكون أول كتب عربيّة تدخل لمكتبة بلغراد في حينها.
وقد أقيمت لي جلسات شعريّة في أكثر من مدينة صربيّة ومقابلات تلفزيونية للاحتفاء بمنجزي وبحضارة بابل، وحضارة بابل معروفة في كلِّ أرجاء المعمورة والقصيدة كانت تبشر بقيامة بابل من جديد ونهوض العراق بعد كلِّ الحروب والنَّكسات التي مرّ بها لأنَّه بلد الحضارات التي مهما تكالب الأعداء على إطفاء نوره يعود ليتوهج نوراً يهدي الإنسانية من جديد .
س8: كيف تقبَّل الجمهور الأجنبي في مهرجانات بلغراد ومدن صربيا لقصائدك باللغة العربية؟ وهل ترجمة هذه النصوص أفقدها الجانب الأيقاعي والشعري؟
- أنا أومن بأنَّ الأحساس لغة، وكان ثمة مترجم رائع وشاعر هو الأستاذ صباح الزبيدي يريد أنْ يترجم القصيدة أثناء القراءة، لكني طلبت منه أن أكملَ قراءة القصيدة باللّغة العربيَّة كاملة كي لا أتوقف وتفقد وهجها، وهذا ما حصل توقفت التَّرجمة وكان الجمهور ينصت بشغف لي ويتفاعل مع إحساسي الذي حاولت أنْ أوصله بتموجات الحزن والفرح واللَّهفة والألم وحالما أنهيت القصيدة صفق ليَ الجمهور بحرارة قام بعدها المترجم بقراءة القصيدة باللّغة الصربيّة .لكن مما أثار فرحي أنَّ أحدى الأديبات الحاضرات أستأذنتني بحديث على إنفراد لتقول : إنَّها فهمت معاني القصيدة بأكملها من خلال قراءتي وإنَّ الشُّحنة التي أكتنفتها القصيدة قد وصلت إليها قبل أنْ تستمع إليها مترجمة ً .
س9: ما هي فلسفتك في الحياة، هل هي روحية، ام واقعية؟
- الواقع يفرض شروطه علينا، شروطه القاسية الموجعه ومآلاته ومتغيراته فنلوذ بندى الرُّوح لنخفف قليلا من قسوة الواقع وجفافه وما يتركه من ندوب وجراح عميقة في قلوبنا، الواقع مفروض علينا، لذا لابد أنْ نخوض غماره متسلحين بكلِّ دفاعات الرُّوح من قيم أرضيّة وسماويّة يسمو بها الإنسان وينتصر بها على واقعه، والشِّعر هو القيمة الروحيّة التي ألوذ بها من هول قساوة هذا الكون .
س10: جلسات الحوارات الأدبيّة التي تحتفي بكَ دوماً شاعراً مبدعاً في بقاع الأرض أجمع، والدِّراسات النقديّة التي يقدمها الكتّاب والنُّقاد في مضامين دواوينك وتقدمك كحلقة وصل بين رواد الشّعراء و جيل الشّباب .. بماذا يُشعرك ذلك ؟
- أغلب من قدمني في الجلسات الحواريّة وجلسات الاحتفاء بي وكتب عن منجزي الشعري قراءةً ونقداً كانوا قد اطلعوا على بداياتي الشِّعرية التي تمتد لسبعينيات القرن الماضي لذلك وجدوا هذه الصفة التي (لا أدعيها لنفسي)، أما فيما يخص جيل الشّعراء الشّباب فنعم، وقفت معهم ودعمتهم من خلال وجودي في عضوية منتدى الشِّعر في الاتحاد العام للأدباء والكتاب ومن خلال اشرافي على حملة الإشارة هذا هو الشَّاعر العراقيّ هذا الموقع الذي احتفينا من خلاله بقامات شعرية سامقة وكذلك بالعديد من الشّعراء الشَّباب وبشّرنا بهم كشعراء واعدين وهم الآن شعراء مميزون في الحركة الشِّعريّة العراقيّة، وهذا ما يشعرني بالفخر لأني ساهمت بمدِّ يد العون للجيل الذي أعقبنا .
س11: تندفع الاجيال الجديدة وراء التجديد، هل يدعو دكتور سعد ياسين لمبدأ التجديد مع الأصالة وما هي حدود التجديد لديك؟
- لا تجديد يأتي من فراغ والتجديد هو سرّ الحياة وديمومة الإبداع هذا ما يعلمنا إياه تعاقب الليل والنهار ولولا التجديد الذي طرق أبوابه المبدعون الذين سبقونا انطلاقاً من عمق أصالتهم، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم، وبالتأكيد ينطلق التَّجديد من أصالتنا وهذه مسؤولية تقع على عاتقنا وعاتق جيلنا لنواصل مسيرة الإبداع ونمنح الأجيال المقبلة شعلته .ومع ذلك أنا لست مع التجديد الذي يُفقد الإبداع جمال الصورة والقيم الجماليَّة التي ترسخت في ذواتنا ولست مع التجديد الذي يسلب القصيدة دهشتها ولا يُنقّي المفردات والجمل في القصيدة ويمسخ الهوية العربيّة والإنسانيّة.
س12: في قصيدة( عيون الصّبار) و (شجرة العروج) من ديوان
أشجار لاهثة في العراء خرج أنين وصرخة مدوية لترثي العصافير
المذبوحة التي رقدت على أشجار بغداد .. " فوق نافورة الدم ..
كيف تحمل بقلبك كل هذا الصخب المؤلم لتنهض من رمادك فتقول " خذي ثلجك أيّتها العاصفة .. ودعي لنا شمس أحزاننا التي تمرّست بالبقاء " كما قصيدة (أشجاري تعرفك) .
- القصيدتان الأولى والثانية كانتا على إثر فاجعة الكرادة، والكرادة : حيٌّ في بغداد تعرض لتفجير انتحاري اجرامي في أهم مجمعاته التجارية في شهر يوليو عام 2016 بينما كان المدنيون الأبرياء يتبضعون أستعداداً لعيد الفطر المبارك .. راح ضحيته أكثر من (1500) شهيد وجريح من النساء والأطفال والشَّباب، ولذا وجدتني أكتب قصيدتين عن هذه الفاجعة وأنا ألوذ بالشِّعر من هول الفجيعة، وقد لقيتا أهتماما من قبل الشُّعراء العرب حتى حينما دُعيت لتونس للإحتفاء بي في بيت الشِّعر التابع لوزارة الثَّقافة وجدت من يتحدث عنهما بألم ومن بين الذين تحدثوا عنهما وأشاد بهما الشَّاعر التونسيّ (سوف عبيد) حينما كنا في جلسة شعرية حضرها أ. د . عبد الرضا عليّ وأ.د . خضير درويش والروائي الكبير عبد الرحمن مجيد الرُّبيعي، مما يؤكد أنَّ النّصوص الصَّادقة تصل إلى القلوب رغم بعد المسافات .
أما (أشجاري تعرفك) فتتناول موضوعة الوفاء، فكثيراً ما نزرع أشجارنا ونزينها بالقصائد وورود القلب لكن العيد لن يمرَّ، ولو مرَّ وأنحنى تحت مهابة أغصانها يبدي نكرانا لخضرتها ...
س13: أعتمدت الرمزية في الكثير من كتاباتك،لماذا تستدعيها. وما هي حدودها لديك؟
- الرَّمز في قصائدي يعمق لغة الكتابة ويرتقي بالمعنى من المباشرة إلى معنى أعمق والرَّمز كما يقول المبدع صلاح عبد الصَّبور" يتيح لنا أنْ نتأمل شيئاً آخر وراء النصّ، فالرَّمز قبل كلِّ شيء معنى خفي وإيحاء" والرَّمز يحيلنا إلى فهم العلاقة الداخليّة التي تربط الدّال بالمدلول، أما نازك الملائكة فوصفته في كتابها قضايا الشِّعر المعاصر بأنّه "شيء حسّي يعتبر كإشارة لشيء معنوي لا يقع تحت الحواس "
أما اعتمادي الرَّمزيّة فهو لإبعاد النَّصّ عن المباشرة المملة المستهكلة وكتابة نصّ مغاير للّسائد مليء بالمعاني والإشارات الخفية التي توسع دائرة التلقي وتحتفي بعقل القاريء وتدفعه إلى الإكتشاف والتفكير وأستدعاء مرجعياته الثقافيّة وبذلك نضيف شيئا جديدا ً للقارئ ونرتقي بثقافته من خلال أستمتاعه بالربط بين الرَّمز والمرموز أو من خلال سعيه لفك رموز النَّصّ بالعودة إلى ما يضعه النَّصّ من تحدٍ سيميائيّ أمامه عبر الرّموز الأسطوريّة أو التَّأريخيّة أو الحياتيّة أو الطبيعيّة وصولا إلى لذة الإكتشاف والدَّهشة، بعيداً عن التَّعمية والانغلاق في المعنى الذي يضع حواجز بين القارئ والنَّص ّ .
س14: كتبت عن الحلم كثيرا، فمتى يكون الحلم وعداً؟ هل هو شمعة الفرح المؤجلة؟ ام هو في حفيف أجنحة الفراشات التي توشح الافق بغدٍ أفضل؟
- الحلاج يقول "إنَّ الحلم جنين الواقع" فلا واقع مرتجى لولا الحُلم بتغييره نحو الأحسن والحُلم هو ما يمنحنا الطاقة لإيقاد شمعة الفرح لنضيء دروب الظَّلام بنورها،والحلم بالزَّهرة هو ما يمنح أجنحة الفراشات رفيفها،والحياة البشريّة تدفقها وزخمها اليومي المتفجر بكل ما هو جديد وبكل المنجزات التي تحققت، فلا حياة بلا حُلم والعمل هو ما يمنح الحُلم تَحققه .
س15: أي وهج يضيء من مجموعتك الجديدة الأشجار تحلّق عميقا؟
- إنما هو وهج الرُّوح الذي سيضيء في كلِّ قصائد المجموعة الشِّعريّة وهي السَّابعة وعبر أثنين وثلاثين نصّاً،والمجموعة دعوة بضرورة أنْ يعمّق الإنسان جذوره في الأرض ليحلّق في فضاءات العطاء الإنسانيّ، فلا تحليق بلا ترصين الرُّوح والقيم النبيلة،وبالتأكيد تناولت موضوعاتها همّ الإنسان العراقيّ وتطلعه للحياة الحرة الكريمة إنطلاقاً من حضارته والقيم السّماويّة والإنسانيّة التي آمن بها، ومواجهته للصعوبات والحروب والظروف الحياتيّة والسياسيّة القاهرة التي أثقلت كاهله .
كما تضمنت رؤيتي للأسئلة الكونيّة والفلسفيّة التي تواجهنا ومنها الحياة والموت والفراق والغربة والنّشوء.
فائق الشكر والتقدير دكتور سعد ياسين يوسف لهذا الحوار الممتع، أتمنى لك مزيدا من النجاح والتوفيق .
أجرت الحوار: الشاعرة والأعلامية حنان جميل حنا