اخترنا لكم
رضوان السيد: استقبال الجديد و«تجديد التنوير»
عنوان «تجديد التنوير» ليس لي، بل هو لمحمد المصباحي الذي كتب كثيراً عن ابن رشد. وقد شهدت مع فريق جامعة محمد بن زايد معرض الرباط للكتاب ورأيتُ عناوين مشابهة عدة. والواقع أن مصطلحات النهضة والتنوير انتشرت في العالم العربي في زمانين، وكانت لها معانيها وسياقاتها في كل زمان. في الزمان الأول كان المقصود بها الخروج على التقليد الفقهي والكلامي والصوفي، وإقامة الدولة الحديثة على النمط الأوروبي. أما في الزمان الثاني في الستينيات والسبعينيات وما بعدهما فقد كان لها معنى معاكس لدى المثقفين الحداثيين، إذ أرادوا إحداث قطيعتين: مع الموروث من جهة، ومع تفكير النهضويين على مشارف القرن العشرين. كان النهضويون يقولون بالتواصل المقترن بالتجديد، أما الحداثيون فيقولون بالقطيعة الشاملة، لكنهم مثل النهضويين في التماثل مع الغرب. أما النهضويون فمهتمون بالنهوض الحضاري و«الدولتي» في أوروبا، بينما يتماثل الحداثيون مع الفلاسفة الجدد ومفكري القطيعة الفرنسيين الثائرين على قيم التنوير.
ما معنى تجديد التنوير اليوم؟ لقد عملتُ طويلاً على مفهومين قرآنيين: مفهوم المعروف، ومفهوم الخير.. وكلاهما إنساني وشامل. فالقرآن الكريم الذي يتكرر فيه مفرد الخير ومشتقاته كثيراً يدعو الناس للتسابق في الخيرات تحصيلاً وإنتاجاً. أما المعروف، والذي هو معدن الفضائل كما يقول الغزالي، فيَرِد زهاء خمسين مرةً في القرآن الكريم، ويعني ما تَعارف عليه الناس وتلاقَوا على العيش معاً استناداً إليه، وإلى قيمة الكبرى ومشتركاته العامة. ما المقصود بالذهاب من القطائع والجداليات إلى الخير والمعروف؟ المقصود أننا في زمانٍ ثالث، إذا صحَّ التعبير، تَكثر فيه النقائض والاختلافات، وفي الوقت نفسه تتجدد المحاولات والمشروعات للحفاظ على القيم الكبرى مثل التسامح والتعايش وحفظ تماسك الأسرة والمجتمعات. ولذا فإنّ الانحياز ضروري لما في ذلك من مصالح كبرى لسائر الأمم والثقافات التي تقول بمستقبلٍ آمن للعالم يسودوه السلام والتعاون. وقيمتا الخير والمعروف تدخل تحتهما أخلاقٌ وفضائل متعددة تتجدد مضامينها وتطبيقاتها في مجتمعاتٍ مختلفة،، ومنها مجتمعاتنا. إنّ استقبال الجديد هذا البنّاء والتواصُلي تحوطه مشكلاتٌ كثيرة بسبب الموجات السلبية باسم الحرية وبسبب سوء العلاقات الدولية، والصراعات الاستراتيجية.
ولذا فإنّ أهل الخير والمعروف يحتاجون إلى تحالفات وشراكات في مسعاهم من أجل السلام وصنع الجديد للإنسان. وقد انطلقت مبادراتٌ من عدة جهاتٍ معتبرة للإسهام في إنتاج الجديد، ودعوة الآخرين للانضمام إلى المجتمع المدني العالمي الذي تنتشر مؤسساته الخيرية والإنسانية ويحتاج للالتزام فعلا بهذه القيم المؤسِّسة. ونذكر دائماً في هذا الصدد وثيقة الأخوّة الإنسانية الصادرة في أبوظبي عن البابا وشيخ الأزهر، ونذكر من قبل قوانين وإعلانات أبوظبي ودولة الإمارات ضد التطرف والعنف، وضد ازدراء الأديان، ودعوات العيش معاً.. وكلها داخلة أو منضوية تحت مبادئ الخير والمعروف، وتمثل جزءاً من جهود جبارة بذلتها وتَبذلها دولةُ الإمارات للسير في هذا المشترك الإنساني للعيش معاً، ولصنع الجديد والمتقدم لبني الإنسان. تكثر مشروعات وانتظارات التراحم والوئام، ولها مستقبلٌ معتبرٌ، لأن فيها الخير المشهود للبشرية في هذه الأزمنة الصعبة.
***
د. رضوان السيد
عن صحيفة الاتحاد الاماراتية، يوم: 26 مايو 2024