روافد أدبية
محمد الشاوي: صوتُ أمير الريف.. يا مليلية!

يُحَيّي سماءَكِ البحرُ الدُّرُ الوَهَّاجُ
يا مليلية في ليالي الشِّتاءْ
أنا الريفُ الحُرُّ
من بريقِ ضوءِ ثغركِ البسّامْ
من رعشاتِ أحشاءِ
الأرضِ، الأم، والأجدادْ
ليت شعري!
يُسامر لَيلي
يختفِي خلف عتباتِ "بني أنصار"
يحتمي قصيدةً ومحبرةْ..
رجالٌ صدوا أشرعتهم وجه الغَمامْ
صانوا عهود الأمازيغِ الأحرارْ
أما كان الاقدام يعصف حدود اللئام؟
أما كان النور يُزلزلُ صدى القباب؟
إلاّكِ يا مليلية نلوذُ ونغني
غِناء الطير، للمكان، للإنسان
فوق السُّهْبِ، وفي كنفِ الأغصان.
أما كانتْ مُثْقلةً تَتدحرجُ بالثِّمارْ؟
إلاّكِ يا مليلية الشجانْ
نحتمي احتماءَ النوارسِ الأحرارْ.
يا زهرة على أشواكٍ بريةْ
على حقولٍ مغربيةْ
على ضفاف المتوسطيةْ
هنالك.. سبَّح الكروان وصلى
تحت ظلالِ الزيزفون
تحت السَّفحِ، وفي المدى
مُغازلاً الحمائمَ الأحرارْ
لمعركة مليلية، يَبُوحُ التاريخُ
تحكي المقاومة، تَهتفُ الذاكرةْ...
كانتْ "وادِي الذئب" طوفانًا
نقمةً، هزيمةً، نكسةً
وانكسارَا
أين مني زمن "سيدي ورياش"
السيلُ العرمرمُ
مُلتهمًا مَتَارِيسَ الإسبان؟
وهل تخفى عبقرية "أنوال"؟
سَل الخيل والمهماز والمقبرةْ
سَل الرياح اللَّواقِحَ والمَدْغرةْ
سلْ كانونًا، وأيارًا، و"سِلْبِسْتْرِي" الجنرالْ
سلْ "ألْفُونْسُو الثالث عشر"
عن زئيرِ أسدِ الريف
عن ذكرى الكفاحِ والتحريرْ
هذي رياحُ الناظور تهيم شوقًا
تنادي مليلية من علٍ
تُحيي أعطافها، تَتَغنى لَفتاتها،
تَصطلي ظلَ قصيدتها، وتقولُ:
ما أهون الدمع على خدكِ
الجريحِ الصادعِ
بطاءٍ، وسينٍ، ونونْ
كاللؤلؤ المكنونْ
ما بال قومٍ غزاةٍ بُهتوا
في قلاعِ الحصونْ
من غبارِ الريحِ
كالعِهْن المنفوشْ
يَهمسونَ، يَرقصونَ، يُقهقهونْ
تحتَ نيران الجمرِ الحزينِ
تحت أوكارِ القُّباراتِ
وفي فخاخٍ
على أنصابٍ غيرِ متقابلينْ
يتغامزون، يتنامرون، يمكرونْ...
فكثيرُ المقاومةِ.. ما كان قليلاً قليلاَ.. يا جارةْ!
وخلود الأبطال.. كان كبيرًا كبيرَا.. يا عمةْ!
عودي إلينا يا مليلية
عَوْدَ القطرَ للزرعِ
من معدنِ البرعمِ المُتفتِّحِ
من ماء النهر المتدفقِ
عودي للوطن المتلألئِ
حُبًّا صدقا حقا
هذا مغربُ اللهِ شعاعٌ منيرٌ
من نبض أنفاسِ الريفِ الكبيرِ
من روح السيّدة التمسمانيةْ
"رَالاَّ بُويَا"
إلى المقاومةِ البكرِ الأبيةْ
لروح الشريفِ أمزيان
لطارقٍ، وعقبةَ، وتَاشفينْ
ها هي ذي أوثارُ المقاومةِ
تُحلِّقُ كالمزنةِ العليةْ
وفي المدى قرنفلةً أرجوانيةْ
ما بقي منها لا يروي الظمأ
ما بقي منها لا يسدُ الرمقْ
ما بقي منها يجري مجرى الضلوعِ في العُقَدْ
ريفنا قلعةٌ صامدةٌ يعتصمُ بها النُّبْلُ المغربي
ريفُنا شرفُنا
ريفُنا كرامتُنا
ريفنا عزتُنا
ينبتُ من تُرابه
يحيا من رمادهِ
إنك حيٌّ فينا ونحن غيرُ أموات.
***
بقلم: محمد الشاوي