كتب واصدارات
الإسلام بين جدلية الذات والآخر.. عرض كتاب الباحث التجاني بولعوالي
الباحث التجاني بولعوالي يقارب الإسلام في الغرب من زوايا فكرية متنوعة
يواصل المفكر والباحث المغربي د. التجاني بولعوالي مساره الفكري بإصدار جديد تحت عنوان: "الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب" عن دار روافد للنشر والتوزيع في القاهرة. ويندرج هذا الكتاب الجديد في إطار مقارباته العقلانية والاستشرافية للعلاقة بين الإسلام والغرب. ولا يمكن فهم هذا العمل منفصلا عن أعماله السابقة (المسلمون في الغرب، صورة الإسلام، الإسلاموفوبيا، المسلمون وفوبيا العولمة، الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب)، التي اشتغل فيها على مختلف قضايا الإسلام والمسلمين في أوروبا والغرب. وتشكل هذه الدراسات حلقات ومداخل نظرية وتمهيدية لمشروع موسع ومعمق قيد الإنجاز والبحث والتطوير. ويتضمن هذا الإصدار الجديد سبع مراجعات فكرية، تختلف من حيث وقت كتابتها، إذ تمت صياغتها خلال فترات مختلفة في العقدين الماضيين. ثم إنها تتنوع من حيث القضايا التي تتناولها كالعلمانية والعولمة والتربية والتطرف والربيع العربي وغيرها. وعلاوة عن ذلك، فإن المؤلفين يتباينون إلى حد كبير من حيث توجهاتهم الدينية والإيديولوجية (مسلمين وغير مسلمين)، وسياقاتهم (غربيين وعرب)، وأعمارهم (صغارا وكبارا).
ويستحضر الباحث بولعوالي في مقدمة الكتاب حوارا يعود إلى عام 2007، كان قد أجرته معه جريدة الوقت البحرينية حول مختلف قضايا الإسلام في الغرب، كالاندماج والتعليم والتجديد وغيرها. وقد ميّز حينها بين وجود غربين أحدهما إيديولوجي يحيل على مفاهيم الاستعمار والهيمنة والاستعلاء والقوة، والآخر غرب حضاري يقدّم للإنسان شتى القيم الإيجابية والإنجازات المفيدة، وهو أيضا ذلك الغرب الذي هيّأ ملاذاً دافئاً لملايين المهاجرين واللاجئين المسلمين والأجانب. وقد اكتشف لاحقا أن هناك أيضا من الباحثين من يميز بين هذين النمطين المتعارضين من الغرب كمحمد أركون وزكي الميلاد.
ويعتقد بولعوالي أن هذا التقسيم من شأنه أن يشكل مخرجا منهجيا في التعامل مع الغرب، الذي لا ينبغي أن يوضع كله في بوتقة واحدة، وينظر إليه بعين الريبة والسلبية والخوف، فالغرب متعدد في كينونته وسياقه وتاريخه وتعامله مع الآخر. ومن الضروري أن ندرك قيمة هذه التعددية الإيجابية التي تمكننا من التمتع بالحقوق والمكاسب والمنجزات، التي يوفرها لنا ذلك الغرب الإنساني والحضاري. ويقتضي هذا في المقابل أن لا نظل في موقف "سالب" كما كان الأمر طوال عقود الهجرة الأولى، بقدر ما ننخرط في الواقع عبر الإسهام والمشاركة والمواطنة والحوار. ولعل هذا ما تشدد عليه مختلف الدراسات الراهنة، التي تنظر إلى العنصر الإسلامي بكونه جزءا لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية والغربية المعاصرة، رغم تصاعد المد العنصري اليميني الرافض لما هو إسلامي في مقابل خطاب التطرف الذي يهدد استقرار تلك المجتمعات.
ويتضمن هذا العمل سبعة فصول تتوزعها سبع مراجعات. تعالج المراجعة الأولى كتاب اللاهوتي الأمريكي بيلي كرون هل الإسلام دين حرب أم سلام؟، الذي يظل وفيا للجدل اللاهوتي التقليدي الذي كان يجري بين المسلمين وأهل الكتاب من النصارى واليهود، لاسيما في العصرين الأموي والعباسي ولاحقا في الأندلس. فهو يستحضر فيه الأحكام السلبية القديمة حول الإسلام والقرآن والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ويعيد إنتاجها بشكل مسفّ، بل ويحشوها بشتيت من المغالطات التي لا تمت بصلة إلى الموضوعية والواقعية.
تناقش المراجعة الثانية كتاب دليل حول الإسلام للمفكر الكاثوليكي الأمريكي جيمس بفيرلي، الذي يحاول من خلاله تقريب الإنسان الغربي من مختلف قضايا الإسلام العقدية والتعبدية والتاريخية. رغم أن هذا الكتاب يوحي بأنه دليل تعريفي بالإسلام، غير أنه في الحقيقة يشكل مقاربة فكرية وفق فيها الباحث بين التوصيف الموضوعي لجملة من الحقائق الإسلامية الجوهرية وبين التفسير الشخصي لاسيما للقضايا ذات الطابع الإشكالي في السياق المعاصر، كالمرأة والإرهاب والقضية الفلسطينية.
تتعرض المراجعة الثالثة لكتاب الإسلام والغرب: الحاضر والمستقبل الذي هو بمثابة نقاش بين باحثين عربيين (تركي علي الربيعو وزكي الميلاد) حول العلاقة بين الإسلام والغرب. خصّص الربيعو بحثه لظاهرة الخوف من الإسلام من خلال قراءة أربعة أعمال فكرية مهمة لجعيط وأركون والجابري وإدوارد سعيد، في حين بحث الميلاد في إمكانية تأسيس منظور معرفي لعلاقات مستقبلية إيجابية بين الإسلام والغرب.
تتناول المراجعة الرابعة كتاب أبي، ماذا يعني أن تكون مسلما؟ للروائي المغربي الطاهر بن جلون، وهو مؤلف يوضح للأجيال الناشئة حقيقة الدين الإسلامي ومختلف جوانب الحضارة العربية الإسلامية قصد تقديم صورة ما حول الإسلام بصفة عامة. لذلك سوف نرصد من خلال ما يأتي الكيفية التي يقدم بها الكاتب هذه الصورة، حيث نثبت بعض الجوانب الإيجابية لهذا العمل، لكن دون التغاضي عن بعض المغالطات التي انزلق الكاتب في مطباتها.
تنفتح المراجعة الخامسة على موضوع مهم ينطر إليه على أنه من قضايا الساعة، وهو الربيع العربي الذي تم تناوله من خلال كتاب الصحافي الهولندي يان أيكلبوم: الربيع العربي، تقرير لشاهد عيان. والغرض من انتقاء هذا الموضوع هو رصد جانب من النظرة الغربية الراهنة إلى ما يجري في المنطقة العربية وشمال إفريقيا منذ ديسمبر 2010.
تقارب المراجعة السادسة كتاب الناشطة والفاعلة المدنية الباكيستانية ملالا يوسفزي: أنا ملالا الفتاة التي ناضلت من أجل التعليم وأطلق عليها طالبان النار، التي تركز في تناولها على البديل التربوي وتعليم المرأة كمخرج لآفة التخلف التي يتخبط فيها العالم الإسلامي. وقد أدركت أهمية هذا الجانب منذ أن كانت طفلة، فاستمرت في دعوتها رغم التهديدات الإرهابية التي كادت تودي بحياتها. ومع ذلك، فهي ماضية في مساعيها الإصلاحية التي أصبحت تتخذ اليوم بعدا كونيا.
تشتغل المراجعة السابعة والأخيرة بكتاب هل هذا هو الإسلام الآن؟ للإمام والمثقف خالد بنحدو، الذي خلق نوعا من الجدل على الصعيد الفلامانكي. وهو يطرح في مقاربته الإسلام العقلاني بديلا لمختلف أنماط الإسلام (السلفي، التنويري، الأوروبي، الإخواني، الراديكالي). وقد تمت مراجعة أهم جوانب هذه المقاربة مع مناقشة بعض الرؤى الخلافية والإشكالية.
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن التجاني بولعوالي يعتبر إحدى الكفاءات الفكرية والأكاديمية المغربية الأصل التي تقيم في أوروبا منذ حوالي ربع قرن. بعد أن استكمل دراسته الجامعية في اللغة العربية وآدابها، غادر المغرب عام 1999 طالبا إلى هولندا، حيث استقر في مدينة أمستردام طوال خمسة عشر عاما، تلقى فيها مختلف التكوينات المهنية والأكاديمية في شتى الحقول المعرفية من لغات ودرسات إسلامية ولاهوت وعلوم تربية وإعلام، درس في جامعة أمستردام التي تخرج منها بشهادتي ماستر، أحدهما في علم اللاهوت والدراسات الدينية، والأخرى في الرعاية الروحية. ويعيش الآن في منطقة الفلاندر في بلجيكا منذ حوالي عشرة أعوام، حيث عين أستاذا في التعليم الثانوي لدى وزراة التعليم والتكوين الفلامانكية، وبعدها محاضرا ومدربا لأساتذة الدين الإسلامي في المعهد التربوي بمدينة خانت، ويعمل منذ خمسة أعوام في كلية اللاهوت والدراسات الدينية، جامعة لوفان في بلجيكا منسقا لماستر الأديان العالمية والإسلام والدراسات الدينية، وأستاذا في الدراسات العربية والإسلامية، وهو التخصص الذي نال فيه شهادة الدكتوراه من كلية الآداب من جامعة لوفان نفسها، في موضوع: المرجعيات الكتابية في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الهولندية.
صدر للباحث التجاني بولعوالي أكثر من ثلاثين كتابا في مختلف المجالات من فكر إسلامي وتربية ونقد أدبي ودراسات إعلامية وترجمة وإبداع، منها عشرون كتابا مستقلا، وعشرة كتب مشتركة. ونشير هنا إلى أهم العناوين: المسلمون وفوبيا العولمة (فاس، 2018)، صورة الإسلام في المقاربة الأكاديمية الهولندية (دبي، 2013)، الإسلام والأمازيغية، (الدار البيضاء، 2009)، المسلمون في الغرب (القاهرة، 2006). بالإضافة إلى ذلك، ساهم الأستاذ بولعوالي بعشرات المقالات المحكمة ومقالات الرأي والمراجعات والحوارات، كما شارك في عدد كبير من المؤتمرات والندوات والتكوينات والمحاضرات والمبادرات الفكرية والإعلامية والمؤسسة.
معلومات الكتاب:
الكاتب: د. التجاني بولعوالي
العنوان: الإسلام بين جدلية الذات والآخر، مراجعات فكرية للإسلام في الغرب
الناشر: روافد للنشر والتوزيع، القاهرة
سنة النشر: 2022
عدد الصفحات: 166