مقاربات فنية وحضارية
حسين صقور: حكمت نعيم والصورة الموجزة
تختلف مفاهيم الفنانين حول ماهية العمل التشكيلي والغاية منه وتتبدل على امتداد الزمان والمكان لتعكس تلك الأعمال ثقاقات الشعوب وطرائق تفكيرهم ولتعكس بشكل أو بآخر شكل الحياة في مكان ما وزمان ما والحقيقة أن هذا التطور أشبه ما يكون بأشكال حلزونية تظهر وتختفي في بقاع مختلفة وأزمنة مختلفة وهذا الشكل الحلزوني المتصاعد والمتحرك وفق خط زمني يزداد اتساعا ليعكس مواكبة الفن لذاك التطور والانفتاح بمختلف مناحي الحياة.
تتقاطع تلك الخطوط تتباعد وتتقارب وبعرف التاريخ المواكب كل صعود يعقبه هبوط وكل هبوط يليه صعود أعلى من سابقه هذا ينطبق أيضا على التجارب الفردية وعلى ذاك المخاض الذي يعيشه الفنان قبل ولادة العمل وحين البدء بأية تجربة جديدة.
والحديث اليوم عن تجربة فنان فهم قواعد اللعبة واستطاع عبر ذاك المخاض الطويل الوصول لشكل من أشكال الفن السهل الممتنع انه الفنان حكمت نعيم.
يخلص الفنان نعيم لظلال الشكل بنسبه الأقرب للواقع وهو لا يغوص كثيرا في تحويرات الجسد ويترك لتلقائية الطرح دورها لتتوج أعماله بذاك النفس التعبيري الخاص والمميز ف تجربته بالمجمل تدور حول ذلك الإنسان المعجون بتراب الأرض والمكحل بتضاريسها. وتكويناته تستقي أمنها وأمانها عبر تماسك شخوصه وتوضعها ضمن تلك الإطارات المربعة والمتربعة على عرش العمل (عودة الفنان لفكره التنظيمي) ولعله ينشد المحبة والاحتواء طريقا لمواجهة قسوة الظروف وتحديات الحياة و لعلها أي المحبة طريقاً لترويض المعاناة.
ولعل فهمه ومفهومه لعمق الترابط ما بين الكل والجزء (كلاهما يعبر عن الآخر ويصير الانسان جزءاً لا يتجزأ من الطبيعة ومفرداتها) ورؤيته الكلية الأكثر انفتاحا وشمولية دفعته لإهمال التفاصيل لتبدو شخوصه المؤطرة بلا ملامح تفضح انتماءها.. قاصدا الإيحاء في بعض الأحيان ومؤكدا في أحيان كثيرة على انتماء أبطال لوحته للإنسانية جمعاء.
فبقدر ذاك الوضوح (وأقصد هنا وضوح الرؤيا عند الفنان ) والذي تشي به مواضيعه وتكويناته المتماسكة وتلك التجمعات الانسانية التي يلخصها عبر عجينة لونية أكثر تماسكا.
هناك غموض تشي به تلك العجينة عبر ما تختزنه وتختزله من تبدلات في رحلة بحثها عن أجمل وأبسط صورة قادرة على عكس تلك التناقضات.
وفي رحلة البحث هذه تظل متعة اللعب بعجينة الاساس واللون هي المقياس وذلك عبر تكثيف ومد فوق سطح مهيأ مسبقا بكل الادخالات اللازمة للعمل والقادرة على إلهام الفنان في وقت ما وفي زمن ما.
يصغي الفنان لنداء الروح ويعرف تماما متى يبدأ وكيف يبدأ مسلحا بتلقائية الطرح المشحونة بطاقة تعبير لحظية تنتقل لنبض فرشاته ولتضاريس عجينته المشكلة لنسيج العمل.
وبمرور الوقت تتبلور الرؤيا لتصير أكثر وضوحا ولتصير المسافة الفاصلة بينه وبين الاخراج الكلي للعمل .ذات مشبعة بأرق التأمل .. وفي لحظة صفاء .. لحظة عودة .. .. يواصل الفنان دفقه الشعوري عبر تكثيف وتأكيد لتلك الكتلة اللونية الداكنة الممتدة والقادرة على ربط أجزاء العمل وتحويل عين الرائي إليها في المنطقة الذهبية وفي المنطقة الذهبية تضيء الصورة الموجزة يؤكدها ويجمعها عبر شريط لوني زاهي لتشي بتلك الرغبة الدفينة للروح بالعودة للجذور لتراب الأرض لجسد يحتويها لميثاق حب ورباط متماسك.
هذا ما تؤكده الرغبة العارمة داخل الانسان والفنان ووهذا ما يؤكده الحق وتؤكده الحاجة الملحة الحاجة للانتماء للشعور بكينونتك وكيانك في بيتك ضمن اسرتك وداخل وطنك الصغير والكبير.
أنت الذي لم و لن تبخل عليه بجسدك وروحك التي أرخصتها فداءً له لتمو تلك العطايا فوق ثراه وردة حمراء يفوح عبيرها المعطر بدمائك ودماء جميع الشهداء.
***
الفينيق حسين صقور