مقاربات فنية وحضارية
كاظم شمهود: صلاة الجنازة لاجل غرناطة
Réquiem por Granada
قبل عدة سنوات مضت عرضت احد القنوات التلفزيونية الاسبانية مسلسل تمثيلي عن تاريخ غرناطة وآخر ملوكها ابو عبد الله الصغير وحمل المسلسل عنوان réquiem por Granada - صلاة الجنازة لاجل غرناطة. الانتاج مشترك ايطالي واسباني ويقع في 8 حلقات.. المخرج وعامل النص هو السيد بيثنتي اسكريبا Vicente Escriva ويمثل شخصية ابو عبد الله الصغير مانويل بانديرا عندما كان صغيرا Mnuel Pandera ويعتبر مانويل اليوم صفحة مشرقة في السينما العالمية ومن اكبر الممثلين العالمين. وكان له فلم مع عمر الشريف اسمه- المحارب رقم 13 - (el guerrero.n. 13 )- والذي يتحدث عن شخص اندلسي ذهب الى اقصى شمال اوربا لتبليغ رسالة الاسلام... والمسلسل يبدأ على شكل حكاية وذكريات يرويها الامير ابو عبد الله محمد الى احد الامراء عندما يصل بلاد المغرب وهو متعبا ومثقلا بالهم والحزن ولوعة الفراق وضياع البلاد..
المسلسل راقي جدا وممتع من ناحية الاخراج والتمثيل والتصوير والمناظر الجميلة. كما ان الممثلين والممثلات قد ادوا ادوارا رائعة جدا.. وتم تصويره في قصور الحمراء وضواحي غرناطة وبعض المشاهد في بلاد المغرب. ويبدو ان هناك مبالغ طائلة قد رصدت لهذا العمل الكبير ويشم من وراءه رائحة الكنيسة... ويلاحظ ان هناك بعض الاخطاء في النصوص التاريخية ’ مثلا ان المؤرخين العرب منهم الدكتور محمد عنان في كتابه –دولة الاسلام في الاندلس – يذكر ان اسم ام ابو عبد الله محمد (الصغير) هي عائشة بينما في المسلسل تسمى فاطمة.. كذلك يذكر المؤرخون ان عائشة هربت من السجن مع ولديها (محمد ويوسف) بعدما هم زوجها الملك ابو الحسن بقتل ابو عبد الله محمد. بينما يظهر في المسلسل ان الذي هرب هو ابو عبد الله محمد وحده. كما ان هناك لقطات تظهر فيها ثريا الزوجة الثانية لابو الحسن (ايزابيل الاسبانية) عارية تستحم وسط القصر امام الآخرين او انها تستقبل عشيقها النصراني السابق في القصر وتقبله ثم تقتله. كما تظهر انها عشيقة ابو عبد الله الصغير الابن ووصل الامر بين الاب والابن الى القتال عليها... هذه الامور والظواهر الثقافية يمكن ان نجدها عند النصارى ولكن عند المسلمين من الصعب ان تجدها في ذلك الوقت الا اللهم في الستر والاخفاء لهذا فقد ادخلوا ثقافة النصارى في المسلسل. ربما مقصودة او ان المعلومات التاريخية اخذت من مصادر اسبانية غير موثوقة. كالتعري والتقبيل واالمضاجعة وغيرها.. ومن خلال قراءتي - لكتاب دولة الاسلام في الاندلس - لم اعثر على ان ثريا او ايزابيل الاسبانية كانت عشيقة لابو عبدالله او من الامور التي ذكرتها سابقا.. كما يظهر في المسلسل ان الامير ابو عبد الله كان شجاعا مقاتلا ومعاديا للنصارى قام بعدة حملات عسكرية ضد النصارى رافضا مشاريع الاستسلام... بينما نجد المؤرخين العرب يقللون من مكانته وانه كان متفقا مع النصارى في الاعتراف بسلطتهم وعدم التعرض لهم في زحفهم على المدن الاسلامية مقابل الحفاظ على سلطته...
غرناطة
قامت مملكة غرناطة عام 1238 م على يد محمد بن يوسف النصري المعروف بالاحمر بعد انهيار دولة الموحدين.. وفي زمن الملكين الكاثوليكيين (فرناندو وايزابيل) كان قد تولى حكم غرناطة علي ابو الحسن الملقب -الغالب بالله – عام 1463م وكان متزوجا من عائشة العربية التي ولدت له ابنين هما ابو عبد الله محمد (الصغير) وابو الحجاج يوسف.. ثم تزوج بفتاة نصرانية تدعى ايزابيل وسميت بعد ذلك ثريا.. وقد لعبت هذه الفتاة دورا مخربا مع عائشة حيث تطمح ان تكون الخلافة الى احد ابنيها (سعد ونصر)... وقد سجن ابو الحسن عائشة وولديها ثم هم بقتل ابو عبد الله محمد تحريضا من زوجته النصرانية.. ولما علمت عائشة بذلك هربت من السجن مع ولديها.. ثم سيطر ابو عبد الله على غرناطة. وفي احد معاركه مع النصارى وقع في الاسر ثم اطلق سراحة.. من قبل الملكين وشرطا عليه عدة شروط وكان الهدف من اطلاقه هو زيادة الصراع بين الاطراف العربية الحاكمة واضعافها.. ثم زحف الملكين على غرناطة وحاصراها مدة سبعة اشهر كانت فيها مناوشات المحاربين كر وفر كما حدث نقص في المؤنة وضجر الناس واشتد بهم الجوع.. بينما كانت المفاوضات تجري بين امير غرناطة والنصارى للتخلي عن غرناطة ومغادرتها وتسليمها الى النصارى.
ويذكر بعض المؤرخين ان الملكين قاما بدفع اموال طائلة للقواد والحاشية في سبيل الخروج بسلام وامان من غرناطة... هذه الظاهرة وجدناها قد تكررت في العراق اثناء الاحتلال الامريكي 2003 حيث قامت الاستخبارات الامريكية بدفع اموال كبيرة الى القيادات العسكرية في الحرس الجمهوري والجيش العراقي ثم هيئت لهم طائرة خاصة ونقلتهم الى الخارج من مطار بغداد.
و دخل النصارى غرناطة في كانون الثاني 1492م ولكن عندما استقروا فيها نقضوا كل المواثيق والعهود... ثم توجه ابو عبد الله محمد الى فاس ونزل عند ملكها الوطاسي وهناك شيد له قصورا على غرار قصور غرناطة وبقى حوالي 43 سنة ثم توفى فيها عام 940 هجرية وخلف ابنين هما يوسف واحمد ويذكر المقري في كتابه نفح الطيب انه زار هذه القصور ورأى احفاد ابو عبد الله وقد انتهى بهم المطااف ان اصبحوا مساكين وشحاذة يطلبوا المساعدة.. وهكذا يدور التاريخ وان الامور تجري بما لا تشتهي السفن وان حياة حضارة العرب قد انتهت في الاندلس ولابد للتاريخ ان يدور لغيرهم وهذه هي سنن الحياة.
***
د. كاظم شمهود