مقاربات فنية وحضارية
كيف كان ينظر السومريون الى أنبياء عصرهم؟
وكيف حولوهم الى ملوك واساطير وآلهة؟
ان علم الآثار وحده لا يمكن ان يكون له مصداقية مئة بالمئة مالم تدخل علوم وعناصر اخرى في معرفة تاريخ الامم السابقة، مثل مادة التاريخ والدين والفلسفة والعقل وعلم اللغة والاخلاق. فدوره هو مترجم ومفسر للمادة التاريخية القديمة، وكذلك التاريخ الذي يتتبع الاحداث وينقل ويفسر عن الآخرين او يشاهدها عينيا، اذن فكلاهما لديه ايجابيات وسلبيات. وكلاهما يعتمد على اهم الاسس الحضارية وهي الاخلاق. ولن تكتمل هذه الصورة الا بالاعتماد على كل المصادر الانسانية..
يذكر ان العلماء والمحققين الآثاريين الذين يعتمدون في تدوين التاريخ على ما كشف من الآثار المادية المنتشرة في ارض الرافدين والمطمورة تحت الارض منذ آلاف السنين. هؤلاء سواء كانوا اجانب ام عرب نجد في ترجماتهم وتأويلاتهم تناقضات لا تحصى ولا تعد للنصوص السومرية والاكدية..
اين الانبياء في النصوص السومرية
يذكر الدكتور خزعل الماجدي في كتبه ومقابلاته في التلفزيون بان علماء الاثار لم يعثروا على نصوص سومرية واكدية تؤكد على وجود الانبياء كما ان النصوص الهيموغروفية الفرعونية لم تذكر شيئا على الاطلاق عن قصة موسى وفرعون...؟
والرد على هذه الادعاءات تتلخص بما يلي:
اولا: ان اسماء الانبياء ورد ذكرهم باللغة السومرية وبالخط المسماري مثل الملك "الوليم" وهو ادم الذي نزل من السماء وحكم مدينة اريدو، كما ورد ذكره باسماء اخرى مثل "لولو" و"آدابا" كما ورد اسم زيوسودرا في النصوص السومرية وهو "نوح" الذي حكم مدينة شروباك.. وذكر له اسم اخر وهو اوتنابشتيم او اتراحاسيس.
ثانيا: حور السومريون حياة الانبياء الى اساطير والهه. وان الملوكية هبطت من السماء وان الاب الاعظم (اي الاله) هو ("ان" او"انو") وهو الله تعالى في الكتب السماوية.
ثالثا: ان النصوص السومرية اشارة الى سبعة حكماء ظهروا قبل الطوفان والذين وضعوا خططا للبشرية حسب تعاليم السماء اولهم الوليم "ادم" وكان يلقب بالصانع والاب العظيم.
رابعا: ذكرت قصة الطوفان في النصوص السومرية وزيوسودرا "نوح" او اوتنابشتيم، في ملحمة كلكامش اللوح الحادي عشر.
خامسا: ان هناك قصور في فهم وترجمة النصوص السومرية وتناقضات كبيرة بين ترجمات علماء الاثار وقد اشار اليها عالم الاثار كريمر والاستاذ طه باقر.. يضاف الى ذلك ان هناك تعمد من قبل بعض علماء الاثار في عدم اظهار قصص الانبياء ودورهم في ثورة الاصلاح والحرية في المجتمع..
اذن كيف لم يذكر الانبياء في النصوص السومرية والاكدية؟ وهذه النصوص واضحا تصرخ باسماء الانبياء.
سادسا: المشكلة تقع في علماء الاثار وترجماتهم الناقصة والغير مدروسة ودقيقة.
سابعا: ان علم الاثار في تطور وكل يوم تكشف معلومات جديدة تناقض احيانا القديمة.. ثم ان امام عالم الاثار مهمة صعبة جدا لان النصوص السومرية والاكدية تسودها الاساطير وعليه ان يفرز الحقائق عن الاساطير والخرافات والتحويرات ويحكم بالعقل.. ومن جانب اخر هل يوثق بالكتاب السومريين الذي كانوا يعملون تحت امر وحكم الكهنة والملوك الطغاة الذين نصبوا انفسهم كالهه وشكلوا خطا مناقضا لثورة الانبياء والمصلحين..؟ ولازالت مدن واثار مطمورة تحت الارض لم تكتشف لحد الآن كما هو في اهوار العراق الجنوبية. وبالتالي ان قدرة علماء الآثار محدودة، فاذا لم يجدوا ذكر لقصة فرعون وموسى في النصوص الهيموغروفية فهذا لا يعني عدم وجودها كما ان علم الاثار ليس هو المصدر الوحيد لمعرفة تاريخ الامم السابقة فهناك مصادر اخرى حددها الباحثون..
من جانب اخر يتناقض الدكتور خزعل الماجدي في اقواله حول علم الاثار وترجمات علماء الآثار (هنا يكمن الخطأ في النقل واعادت بناء الثقافات السابقة حيث تجري التحويرات عن قصد من اجل تعزيز السردية الجديدة للشعوب الجديدة كي تحل محل الثقافات القديمة ولكي تساهم في دحرها). من هذا نفهم بان علماء الاثار غير موثوق بهم كليا وانهم يحتاجون الى دراسة دقيقة وموضوعية.
تحوير الرسالات السماوية الى اساطير
ولكن كيف حول وحور اهل سومر الرسالات السماوية التي جاء بها الانبياء الى اساطير وقصص تمتزج بها المفاهيم الغبية واخرى خيالية وخرافية، وكانت ارض الرافدين قد خرجت منها اولى الاساطير في العالم حيث حورت القوانين الربانية وحوادث الانبياء مثل الطوفان الى اساطير تجمع بين الحقيقة والخيال وكان حادث الطوفان قد ورد في النصوص السومرية. وقد عثرت بعثة امريكية تنقب في مدينة نفر اعوام 1889 و1900 على اللوح الطيني الذي يحتوي على القصة السومرية للطوفان والتي تذكر بأن هنالك ملك صالح يدعى زيوسودا (نوح) قد أمره مجمع الالهه بحدوث الطوفان بعدما كان قد دعاهم الى عبادة رب السماء فلم يطيعوه. ورغم ان هذا الرجل الصالح الذي عاش معهم اكثر من الف عام لم تذكر سيرته الا في بضعة اسطر، وهو دليل على تجاهله له ولدورة المميز كرسول من اله السماء. وقد وصفوه بالساحر والمجنون.
كما حور السومريون قصة ابراهيم وصحفه فجعلوا حمورابي 1792-1750 ق م، يستلم القوانين من آلهه الشمس ومعظم هذه القوانين في الحقيقة مأخوذة من صحف ابراهيم والذي قبله، حيث ظهر ابراهيم قبل حمرابي بحوالي 250 سنة. كما ان حمورابي يعني الخليل وهو اسم ابراهيم الخليل، وحمورابي رجل بدوي جاء من الصحراء الغربية مع قبائله وسيطروا على المدن السومرية التي كانت متمدنة ومتحضرة وتعج بالثقافات والرسالات السماوية... ثم وضعت هذه القوانين داخل اطار اسطوري وكتبت على مسلة من حجر الديورت، طولها 225 سم وعرضها 60 سم، وفيها دون 282 مادة قانونية، وعثر علىيها عام 1901 -1902 في مدينة سوسة الايرانية من قبل بعثة فرنسية، وهي اليوم موجودة في متحف اللوفر.
ادريس في الاساطير السومرية:
جاء اسم ادريس في اللغة السومرية هو - انمين دور انا – ويكتب ايضا "انميدور انكي". وفي العبرية "خنوخ" وعند المصريين القداما "هرمس" وارميس باليونانية. كما جاء في القرآن باسم ادريس. ويعتبر انمين دور انا الملك السابع في التاريخ السومري قبل الطوفان وحكم في مدينة سيبار. وقد وصف بانه اله وابن الاله انكي، وانه من العباد الكهنة والحكماء والعلماء في الطب والفلك، ولهذا جاء في التراث السومري كملك وليس نبي. اما في القرآن فقد جاءت قصته بانه من العباد الصالحين وان الله رفعه الى السماء العليا (ورفعنانه مكانا عليا)، كما ذكرت التفاسير الاسلامية قصصا كثيرة عن حياة ادريس –ع-
اذن ما جاء في الاساطير السومرية هي ربما حقائق محورة اخذت صفة الآلهه وانها تمثل الخط الرسمي للدوله ومصالحها وليس المعارضين لها، كما ان التدوين الذي وصلنا على الالواح الطينية كان بيد كتبة الكهنة والملوك. وان الانبياء كانوا يمثلون الخط الشعبي الذي كان مبعدا ومحاربا وليس بيده شئ.. ولهذا اعتقد ان علماء الآثار لازالوا غير قادرين على حل رموز الماضي ودراسة تاريخ الانبياء واسمائهم ومقارنتهم بالملوك السومريين والبابليين والآشوريين وغيرهم.. نعم هناك محاولات لذلك ولكنها قاصرة ويشوبها الغموض حيث لازالت لم تتخلص من روايات الكتب المقدسة القديمة مثل التوراة والتي لا يعول عليها كثيرا.
***
د. كاظم شمهود