مقاربات فنية وحضارية
الرومانسية في رسوم رباعيات الخيام
خلال القرون الماضية رسم الفنانون المسلمون رباعيات الخيام باسلوب عاطفي وبشاعرية عذبة طروبة. وقد تجلى اسلوب الرباعيات بتلك المواضيع الرومانسية حيث تشاهد النساء تسقي الشراب وتضرب العود وسط مناظر خلابة جميلة.. كما نجد ان اشكال الوجوه قد خرجت من تأثيرات الطراز المغولي. حيث العيون الكبيرة الكحلاء والقامات الطويلة الرشيقة.. وهي رسوم تذكرنا بلوحة مونية – نساء في الحديقة 1867 – من حيث الرومانسية وحب الطبيعة. وهذه الرسوم هي بمثابة دعوة الى التمتع بالطبيعة وجمال الحياة والابتعاد عن الهموم. ونجد هناك انسيابية في الخط ومتعة في الحركة وحسن وجمال في الوجوه. ونشاهد ايضا المشهد يسطع علينا مزخرفا بالنباتات والزهور والاشجار والغيوم. وبأداء وبذوق عالي وبالوان زاهية وبراقة مبهجة، يطغي عليها الاجواء الشاعرية والعاطفية النقية وحب الطبيعة.
ظهرت الحركة الرومانسية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في اوربا وكان هدفها هو اطلاق حرية النفس والعواطف بعيدا عن مراقبة العقل وقد حمل لوائها في الادب فكتور هيجو وفي الفن ديلاكروا. ويذكر بعض النقاد بان الحركة الرومانسية في الفن والادب نهجت منهجا هروبيا من قسوة الحياة ووطئتها الثقيلة ومتاعبها التي لا تركد ولا تنقضي، ولهذا فان اصحاب هذا المذهب خرجوامن استوديوهاتهم الى الطبيعة وارادوا في مسلكهم هذا اخراج النفس الى الصفاء والنقاء والتغني بالحب وجمال الطبيعة.
يقول الفيلسوف ارين ادمان (ان الحركة الرومانسية انطلقت كثورة عاطفية لسكينة النفس وسلامتها وتحقيق رؤى حالمة وحساسة حيث لا تستطيع ان تعيش في الواقع بتناقضاته الاخلاقية وخصوماته المستمرة مما يدفعها للهروب منه. ولهذا فان هروب الحركة الرومانسية من الواقع الى الطبيعة كان قد تكرر في الفنون الحديثة حيث هربت من الواقع الظاهري الى عالم الميتافيزيق الى الروح الخالدة والغير فانية، الى المستتر ما وراء الاشكال..
اصل الرباعيات
وقد اختلف المؤرخون والمحللون في نسبة الرباعيات الماجنة والفاحشة الى الخيام حيث ذكر الشاعر المصري احمد رامي في تعليقه على عمر الخيام..(انه مؤد فريضة الحج ومصل مما دعا الصوفية الى ادخال اشعاره في اورادهم.) كما ذكر الشاعر البحراني ابراهيم العريض : (ان كثير مما هو ساقط من الرباعيات ومبتذل ليس له علاقة به) اي بشعر الخيام. اما الدكتور المستشرق الروسي زوكوفسكي فيذكر : (ان الرباعيات نسبت خطأ للخيام). وكانت اشعار الخيام يسودها العرفان والصوفية ولكن البعض فسرها خطأ بالالحاد والزندقة. مما ادى الى حرق كتبه التي الفها في الرياضيات والفلك والفلسفة واللغة وغيرها. واليوم عند استطلاع الساحة الايرانية المثقفة نجد ان الجميع يعتقد ان عمر الخيام في شعره ينحو نحو العرفان والزهد وليس له علاقة بالاشعار الساقطة او الماجنة. وان ظاهرة العشق والشراب في اشعاره يراد منها العشق الالهي (وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين).
و الملاحظ ان ظاهرة التشويه طالت حتى الحكايات الشعبية والنكات التي تنسب الى جحا والتي تعد بالآلاف، وجحا من اكثرها بريء. ولهذا فان التشويه والتحريف كان ولازال واردا في التاريخ وحتى في - الحديث الشريف - بدوافع واسباب كثيرة يعرفها الجميع. واتذكر انني قرأت في احد الصحف العربية ولعلها - الشرق الاوسط – عن احد المشايخ وهو يتحدث عن زهد وتدين الحجاج بن يوسف الثقفي وصلاته ونسكه وانه كان يقرأ ويختم القرآن ؟ والتاريخ يذكر ما فعله في العراق من مذابح وانه ضرب الكعبة بالمنجنيق وهدمها. وفي حكاية اخرى يذكر ان رجلا كان يصلي في احد مساجد الشام فسمع خطيب المسجد ينال من علي ويسبه، فحزن وتألم كثيرا فالتفت الى احد المصلين الذي يجلس الى جانبه فسأله ما رأيك بذلك ؟، فبكى هذا الرجل وقال له : هناك ابشع واحزن من ذلك، انهم يسبون ابا محمد، فقال له من هذا ابامحمد، قال له : انه الحجاج بن يوسف الثقفي ؟؟. وهكذا تسرق وتشوه الحقائق وتزيف من اجل السلطة والمال. وبالتالي ليس بعيدا او غريبا ان يجعلوا من بعض حكام العرب اليوم الدكتاتوريين ان تشد الرحال لزيارة قبورهم وتقديسهم وربما تشيد عليها المساجد.
مع كل ذلك كانت اشعار الخيام ميدانا خصبا للنقاشين والخطاطين والمذهبين بما تفيض عليهم من الهام وخيال وابداع راقي في التصوير. وليس من المعقول ان تمر هذه الاشعار على الرسام المعروف كمال الدين بهزاد 1455 مر الكرام دون ان يأخد له دورا براقا وفعالا في تزويقها. وهو المعروف عنه كان بارعا في تزويق اشعار المنظومات الخمسة لنظامي والشاعر سعدي وغيرهم. ولكن ان الكثير من المخطوطات الفارسية قد احرقت او سرقت او ضاعت ولم يصلنا الا القليل التي هي الآن موزعة بين مكتبات ومتاحف العالم.
وقد انتقلت رباعيات الخيام الى اوربا في القرن التاسع عشر وترجمت الى جميع اللغات. وظهرت الرومانسية كمذهب في الغرب بعد عدة قرون من وفاة عمر الخيام وكان غياث الدين ابو الفتوح الملقب عمر الخيام (1040-1131م) شاعرا وفيلسوفا وفقيها وعالما في الرياضيات والفلك واللغة وله اختراعات كثيرة. ويقال انه لقب بالخيام لكون والده كان يشتغل في صناعة الخيام.
***
د. كاظم شمهود