أقلام حرة

نسرين ابراهيم: كركوك تُعلِّم السلام.. المدرسة نواة مواجهة العنف والتطرف

في مدينة كركوك، حيث تتجاور القوميات والأديان والثقافات، يبرز صوت المدرسة كمنارة للتعايش السلمي ومواجهة الفكر المتطرف. فبين جدران الصفوف، لا تُبنى المعرفة وحدها، بل تُصاغ قيم المواطنة والاحترام، ويُغرس في نفوس الطلبة معنى أن السلام حقٌّ من حقوق الإنسان، وأن الحوار والتسامح هما الطريق الوحيد لبناء مجتمع آمن ومزدهر. إن هذه التجربة التربوية ليست مجرد نشاط مدرسي، بل هي رسالة إنسانية تؤكد أن مواجهة العنف تبدأ من النواة الصغيرة: الأسرة، ثم المدرسة، لتنعكس على المجتمع بأسره. 

قال تعالى: "وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" [الحجرات: 13]، 

إن مواجهة التطرف العنيف والأفكار التي تهدد وحدة المجتمع تبدأ من النواة الصغيرة المتمثلة بالأسرة والمدرسة، حيث تُغرس القيم الأساسية في نفوس الأجيال. فالأسرة هي الحاضنة الأولى التي تعلم الطفل احترام الآخر وتقبله، والمدرسة هي المؤسسة التي تترجم هذه القيم إلى سلوك عملي عبر الكادر التدريسي والإداري والأنشطة التربوية. إن ترسيخ أسس الديمقراطية ومكافحة الإرهاب لا يقتصر على الإجراءات الأمنية، بل يتطلب نشر ثقافة السلام والتسامح داخل البيئة المدرسية، بما ينسجم مع الدستور العراقي والقوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تؤكد على حقوق الإنسان والعيش المشترك. 

 فدور المدرسة لا يقتصر على التعليم الأكاديمي، بل يمتد ليكون فضاءً للتربية على الحوار وحل النزاعات بالطرق السلمية، والحد من مظاهر العنف والتنمر بين الطلبة، وتعزيز قيم المواطنة واحترام التنوع والاختلاف. ومن خلال إشراك الطلبة في أنشطة إيجابية، يمكن تحويل المدرسة إلى بيئة حاضنة للسلم المجتمعي، حيث يتعلم الطالب أن التعايش هو السبيل الوحيد لبناء مجتمع آمن ومزدهر، وكركوك بما تحمله من تنوع قومي وديني وثقافي، تحتاج إلى مثل هذه المبادرات أكثر من أي وقت مضى، لتتحول إلى نموذج للتعايش السلمي، حيث يصبح الحوار بديلاً عن العنف، والتسامح بديلاً عن الكراهية، والسلام الأهلي أساسًا للاستقرار والازدهار.

 إن هذه الجهود ليست مجرد نشاط تربوي، بل هي رسالة واضحة بأن مستقبل العراق يقوم على التعايش، وأن السلم الأهلي هو الطريق الوحيد لبناء مجتمع آمن ومزدهر، وأن المدرسة هي حجر الأساس في هذا المشروع الكبير. 

***

د. نسرين ابراهيم الشمري

في المثقف اليوم