أقلام حرة

قاسم حسين صالح: مؤتمر المثقفين العراقيين

الثقافة العراقية.. حين تلبس جلباب الدعاية الأنتخابية!

انعقد في بغداد للفترة (8-11/25) مؤتمرا ثقافيا بعنوان (مؤتمر المثقفين العراقيين الوطني الأول). وللحقيقة والتاريخ، فأن اول مؤتمر ثقافي عراقي انعقد بعد التغيير كان في عام 2005 برئاسة وزير الثقافة الدكتور مفيد الجزائري والمستشار الراحل كامل شياع وعضوية لجنة الرأي بينهم الدكتور خزعل الماجدي ومحمد عبد الجبار الشبوط وآخرون وأنا .

شارك في ذلك المؤتمر مئات المثقفين المتنوعين في المجالات كافة (اذكر ان الفنان جعفر السعدي تعرض وهو جالس حينها لوعكة صحية). وما يعني الثقافة العراقية ومؤتمركم، ان ذلك المؤتمر خرج بتوصيات ومقترحات من شأنها ان تعمل على اعادة زهوها ورفعة شأنها.

والتساؤل: ألا كان من الاصوب للثقافة العراقية ان المؤتمر (الأول) يكتب له (الثاني)، ويستفيد ويطور بنوايا خالصة يبعد عنه شبهة (سياسية او انتخابية)، بدليل انه استبعد مثقفين كبارا لهم مواقف ناقدة وجريئة لنظام المحاصصة، وحكّام متهمون عراقيا ودوليا بالفساد.. افقروا 13 مليون عراقي في محافظات الوسط والجنوب وفقا لتقرير وزارة التخطيط!

وهل عالج المؤتر شيوع ثقافة القطيع، والفراغ الفكري وسذاجة التفكير الخرافي بين المنتمين لعدد من احزاب الأسلام السياسي والناس البسطاء، وثقافة التشويه التي جعلت بعضهم اشبه بدمى في زوايا النسيان؟

وهل تناول، بتحليل سيكولوجي، مستوى الثقافة المتدني لدى الشباب الذين انشغلوا بوسائل التواصل الاجتماعي التي اشاعت بينهم ثقافة التفاهة، التي تؤدي بحسب الفيلسوف الكندي د. آلان دونو الى شيوع فكرة (اننا نعيش مرحلة تاريخية غير مسبوقة، تتعلق بسيادة نظام ادى، تدريجيا، الى سيطرة التافهين على جميع مفاصل الدولة الحديثة)؟ . وهل نبهتم الى ان لا تجعلوا الكثير من المثقفين العراقيين على طريقة الدكتور علي شرعتي.. " يسخرون ممن عدوا انفسهم في عداد المفكرين"؟.

وهل نبهتم السلطة الى ان ثقافة التظاهر حق يكفله الدستور في النظام الديمقراطي؟

ان مهمة المثقف هي ان يقول الحقيقة بان ينصح الحاكم ليكون مع الشعب وان يدعم الشعب الى ان يكون مع الحاكم الذي يخدم الوطن، ويفضح بالحقائق.. الحاكم الذي يستفرد بالثروة والسلطة، ويفقر الملايين من شعبه ويجعل الباقين يعيشون بلا هدف في الحياة، بل يوصلهم الى فقدان معناها. وما لا تعرفونه.. أن من يفقد معنى الحياة من وجوده فيها، ولا يقّدم الواقع حلا لمشكلته.. فأنه يصل حالة الاغتراب النفسي التي تدفعه اما الى الهجرة او الانتحار.. وقد حصلا.. دون ان ينبه مؤتمركم من هم في السلطة التي هي مسؤولية المثقف الحقيقي.

ايها السادة.. ان كثيرا من العراقيين يغفلون دوره الثقافة، ولا يدركون ان ما نحمله من قيم وأخلاق .. هي من صنع الثقافة. والأكثر من ذلك ان الثقافة هي التي تتحكم بسلوكنا، وانها هي السبب في اختلاف سلوك رجل الدين عن سلوك الأرهابي، وسلوكك عن سلوك الآخر. ولكم ان تتذكروا كيف كان سلوك العراقي في ثلاثة أزمان: الملكي والجمهوري والديمقراطي بعد التغيير. ولكم ان تعرفوا ايضا ان تضاعف حالات الطلاق والانتحار، وتحول الفساد من فعل كان يعدّ خزيا في قيمنا العراقية الى شطارة وانتهاز فرصة.. سببه الرئيس شيوع ثقافة الخرافة والنفاق والدجل وتوظيف الدين لخدمة الحاكم الفاسد.. وتلك هي الأشكالية التي يعيشها المثقف العراقي الحقيقي ومحنته في الزمن الديمقراطي.. التي غاب فرجها باغتيال ثورة تشرين!

وما دام مؤتمركم ابتعد عن التطرق لها بما هو واجب على المثقف، فأن وصف كثيرين بأن مؤتمركم يأتي بارتدائه جلباب الدعاية الأنتخابية لسياسيين بينهم مسؤولون مكروا في خلق الأزمات لعشرين عاما.. هو الحقيقة التي ختامها: ان مؤتمركم هذا جاء ليلبس الدعاية الأنتخابية .. جلباب الثقافة!.

***

أ.د. قاسم حين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم