أقلام حرة

عبد الأمير الركابي: كساح عقلي بشري وعالم بلا رؤية ولاافق (3)

قد يكون مانحن بصدد التطرق له عسير المقاربه وغير مالوف، لابل وغير مسبوق مع انه قد صار من هنا فصاعدا مسالة لازمه وآنية، ان لم تكن ملحه، تلك هي مسالة التحري العقلي للعقل كما مستخدم من قبل الكائن البشري الحي الى الساعة، من ناحية كونه ليس "العقل" المجردـ بل "العقل اليدوي الجسدي"، وهو الذي انبثق وقتها مع الانتصاب على قائمتين واستعمال اليدين والنطقية، وهي لحظة بلاشك رغم نوعيتها الانقلابيه، ليست نهائية، ولم تتحقق مكتمله، وان راى العقل الجسدي انه هو "العقل" بالاطلاق، من دون ان تخطر له احتمالية ان تكون عملية وديناميات التحولية ماتزال سائرة بالكائن الحي، من الخلية الاولى الى اللبونات، ومن ثم الحضور العقلي بصيغته الاولى المجتمعية اليدوية، نحو مرحله اخرى تتوفر اسبابها بالتفاعلية المجتمعية، ذهابا الى مابعد جسدية، وبعدعقل جسدي محكوم لاشتراطات اليدوية.

هذا يعني ان العقل الحاضر والمستعمل الى اليوم، هو "طفولة العقل" ومحطته الاولى الذاهبه الى الكمال بفعل تراكم التفاعلية المجتمعية، ونقلة العبور من "اليدوية" الى الالية التكنولوجية، ساعة يخرج العقل الابتدائي الاول الجسدي من دائرة الفعل، ولايعود قادرا ولاقابلا لمواكبه اشتراطات التحولية البشرية المجتمعية، ويناظر هذا المسارالذهاب الضروري من العنصر او المادة الحية الموجودة باعتبارهاموضوعا"غير واع" لاشتراطات مساره التحولي، وهو ماكانت تضطلع به الطبيعه لوحدها من دون حضور، وبلا تدخل من الكائن البشري او الحيواني، قبلا، والخاضع سيرورة كليا لفعل ديناميات "ديالكتيك الطبيعه"، وماهي مصممه لكي تنطوي عليه من عملية حيوية، فالحيوان وتنقلاته التحولية الذاهبه بعد اللبونات الى الانتصاب واستعمال اليدين، "الانسايوان"، هو ماده خاضعه كليا لصناعه الطبيعه بلا اي دور يذكر من قبله، الامر الذي يستمر على ماهو عليه بعد انبثاق العقل وحضوره، بصيغته الابتدائية الغالبة الى اللحظة الراهنه، من دون ان يعي باي قدر كان، بان ماهو عليه، ومايكتنف وجوده وصيرورته هو طور انتقالي "انسايواني"، ومحطة انتقاليه اخيرة بين الحيوان والانسان، بل يظن بكل اعتداد بانه كائن فاعل استثنائي، وفعال، مع العلم ان اجمالي فعله وجملة مساره الطويل هو فعل الطبيعة التي تحتويه ك "موضوع"،وهو ماقد نوه له البعض مثل "ماركس" بغض النظر عن معتقده هو نفسه بوحدانيه الحقيقة البشرية الراهنه، ونهائية وكمال القائم منها اليوم.

ينطوي الكائن البشري دائما على موجبات ومستلزمات انتقالاته التحولية، بالذات على مستوى محور التحولية الاساس العقلي، فاذا انتقل الحيوان من طور اللبون الى المنتصب على قائمتين، وتغير قوامه الجسدي، وهو الظاهر، فان العقل الذي هو غاية التحول الجسدي يكون حاضرا، لابل هو الاساس الذي وفقا له ولمقتضياته يكون قد حدث ماقد حدث من التحول المادي الجسدي الشكلي الهائل، وكل شيء يحصل هنا بناء على موجبات و"قرارات"، تكون الطبيعه قد اتخذتها لوحدها وفقا لاحتسابات مقرره من لدنها، وهذا مايحدث للمجتمعية المحطة ووسيلة انضاج التحولية في خطوتها الاخيرة الفاصلة، ساعة يبدا الانقلاب الالي، وتظل اداة الادراكية والوعي المفترض دون مقتضيات وموجبات الحدث التحولي الفاصل، قبل الانتقال نهائيا من عالم الحيوان والجسد ومتبقياته ومحمولاته.

هذا يعني لحظة هي الاعظم الاخطر في التاريخ الحيوي البشري التحولي، مع مايمكن تخيله من منطوياتها الهائلة، ولنتصور حالة انتقال من الكائن البشري غير الفعال ولا الحاضر في تعيين مسارات وجوده ككائن باعتباره مجرد" موضوع"، الى مخلوق سائر الى التحكم بمجريات وجوده ومستقبله، مع مايتطلبه ذلك من اسباب، ومن مستويات ادراك خارج التخيل بحسب المتاح للعقل الانسايواني الجسدي الارضي، عقل الحاجاتية اليدوية، والارض المسطحة قبل الطائرة الكروية لاحقا، ومافيها وماتتيحه ومن ثم تفرضه من اشتراطات غير مكتوبه، مقارنة بانقلابيه تحوليه وجودا وموضعا بعيدا عن الارض، لابل عن الكون الملامس والبادي منه بحسب قدرات العقل الراهنه، وهو ضئيل للغاية، مايزال بغض النظر عن "علوم" الفضاء واستكشافاته البدائية، هو الاخر، مع الارضوية التي تخضع الكون لاشتراطات كوكب زائل، موجود لاداء مهمه محسوبه، يزول يوم يؤديها، ولايعود الكائن المتحول الحي بحاجة لها كمحطة مؤقته ضرورية.

ليس العقل قوة الابتداء المحسوبه والفاعله على نسق الحاجاتيه الارضوية، تترقى متشكله بصفتها قوة كونيه، الحري بان توجد لها نظرية نشوئية ترقوية غير الجسدية الحالية محكومة بداهة لمقصد اعلى متعد للارضوية المحطة الابتداء الضرورية، تصاغ بافق مافوق ارضي لتقارب موجبات محطات ثلاث كبرى : اولى هي الكمون العقلي الكلي ضمن شروط الغلبه الكاسحة للجسد وتحولاته محطاته ومراحله وصولا الى اللبونات ومابعدها، وهي التي استغرقت الملايين من السنين، قبل ان تنبثق المحطة الثانيه المستمرة الى الان، يتحقق فيها حضور العقل بشروط الجسدية، بحكم فعل اليدوية الانتاجية، والطوران الآنفان هما طوري الكائن الحي والبشري المنزوع القدرة على وعي اشتراطات واليات ومستهدفات وجوده، لصالح فعل الطبيعة ومستهدفاتها التحولية العظمى، قبل ان تبدا المرحلة او الطور الراهن الثالث الفاصل الحاسم انتقاليا تحوليا، حيث يحضر العقل باعتباره العنصر الفاعل الرئيس، وتصير النسبه العظمى المدخرة والمؤجله الفعل والحضور منه وهو مايزيد على الثماتنين بالمائة منه، هي نقطة التفاعل الرئيسة، بالضد من متبقيات الجسدية، وبالذات ابتداء مواطن الفعل " الحاجاتية" داخل الجسد، و"دكتاتورية" الموت الجسدي على العقل الذي هو من صنف ونوعيه اخرى على مستوى الاستمرارية ومدى الحياة بحسب الكينونه الكونيه المباينه للجسدية.

هذا الانقلاب لن يحدث الا اذا توفرت الاسباب " المادية" لتحققه، وهو مايظل غير ممكن لحين الانقلاب الالي، وبعد وقوعه بوقت، لحين وصول تحورات الاله الى الوسيلة الانتاجية العقلية التكنولوجية العليا، ماقد صار من هنا فصاعدا على الابواب، بانتظار الانقلاب الادراكي واسقاط القصورية العقلية التاريخيه، وهو ماتكون " الطبيعه" هي ايضا من سبق ووفرت المدخل اليه، بحكم ماقد قررته ابتداء وكينونه من تمييز اصل، لازم من دون تحقق، الظاهرة المجتمعية كصيغة مجتمعية موجودة خارج الطاقة الاعقالية، يمنعها من الحضور القصور العقلي المنوه عنه، بما هي مجتمعية لاارضوية، تتداخل ساعة نطقيتها مع لحظة التازم الاكبر المجتمعي الارضوي، وقت الانتقال الى فعل التكنولوجيا العليا، لنصبح وقتها في رحاب لحظة وحدة فعالية (التكنولوجيا العليا + النطقية اللاارضوية).

ـ يتبع قسم اخير رابع ـ

***

عبد الأمير الركابي

 

في المثقف اليوم