أقلام حرة
أزهر السهر: السبيتي والدعوة (3): المؤسسون
من الاسئلة التي أثارت جدلاً واسعاً بين من أرخ لتاريخ تنظيم الدعوة الاسلامية وطُرحت حولها اجابات مختلفة هي:
ـ من هو صاحب فكرة تأسيس هذا التنظيم؟
ـ وفي أي سَنة تأسس؟
ـ ومن هم مؤسسوه الأوائل؟
لقد اثبتنا في حلقة سابقة ان المفكر الشهيد محمد هادي السبيتي هو صاحب فكرة تأسيس تنظيم الدعوة الاسلامية، وهذا الاثبات يغنينا عن اثبات انه كان ضمن قائمة مؤسسي التنظيم وحاضر في اجتماعاته التداولية والتأسيسية الأولى لأنه من غير المعقول ان يكون صاحب الفكرة خارج نطاق المؤسسين وهذا أمر غريب ربما لم يحدث إلاّ في تنظيم الدعوة الاسلامية، وان استبعاد اسمه من قائمة المؤسسين للحزب من قبل بعض المؤرخين هو خطأ تاريخي ومنهجي تختفي وراءه أسباب غير منهجية.
لقد حصل تخبط كبير من قبل بعض الباحثين في تحديد عدد واسماء مؤسسي الدعوة الاسلامية، ووضعوا لذلك بعض الشروط والمقاييس:
منها: ان المؤسسين هم الثمانية الذين حضروا اجتماع النجف الاشرف.
ومنها: ان المؤسسين هم الذين حضروا اجتماع كربلاء.
ومنها: ان المؤسسين هم من حضروا اجتماعي النجف وكربلاء.
لقد حدد بعض الباحثين ان عدد المؤسسين ثمانية ثم أصبحوا تسعة ثم عشرة عندما اضيف لهم الدكتور المرحوم جابر العطا. وعلى هذا النمط من التخبط والعشوائية وعدم الموضوعية جرى تحديد عدد واسماء المؤسسين، ونسجل على هذا التخبط بعض الملاحظات:
الملاحظة الاولى: إن مسألة تحديد مؤسسي الدعوة ليست خاضعة للبحث العلمي الانتقائي لأنه ليس كل من حضر في اجتماعي التأسيس في النجف وكربلاء أو في أحدهما يعتبر مؤسس وغيره ليس كذلك، بل يجب ان تؤخذ هذه المعلومة إما من المؤسسين الأحياء او من المنتمين الأوائل الذين عايشوا تلك المرحلة وعاشوا الحدث. وهم من يحدد ذلك.
الملاحظة الثانية: لم يعرف يومذاك في عرف المنتمين لتنظيم الدعوة الاسلامية وجود مؤسس حضر الاجتماع وغيره لم يحضر الاجتماع التأسيسي، بل كان قادة ومؤسسي الدعوة معروفين للدعاة ولم يكن في المسألة يومذاك لبس ولا غموض كما يقول الاستاذ محمد صالح الاديب: (ففي ذلك الوقت كان الأمر يختلف فلم يكن الأمر مشخصاً على أساس أن هؤلاء هم قيادة الحزب وإنما هم أخوة يقومون بمثل هذا العمل بشكل طبيعي دون ان يشكل هذا الأمر امتيازاً..)(1).
الملاحظة الثالثة: ان بعض مؤسسي تنظيم الدعوة الاسلامية كانوا لا يحفظون ولا يتذكرون بشكل دقيق الاشخاص الذين حضروا الاجتماعات التأسيسية الاولى ومنهم الاستاذ محمد صالح الأديب الذي يقول: (فأنا شخصياً لم احفظ أسماء جميع من حضر الاجتماع التأسيسي ولكن عندما أجلس مع أخواني.. وأقول لهم تعالوا نتذكر من حضر الاجتماع التأسيس فقد يتذكر احدنا اثنين أو ثلاثة وينسى البقية...)(2).
ورغم الملاحظات التي ذكرناها يمكن ان نثبت حضور الاستاذ السبيتي في اجتماعات التأسيس من خلال الشهادات التالية:
أولاً: شهادات المؤسسين:
شهادة السيد مرتضى العسكري:
يقول السيد مرتضى العسكري (رحمه الله): (اجتمعنا أربعة أشخاص، أنا والسيد مهدي الحكيم، والشهيد الصدر والرابع لا استطيع ذكر اسمه لأنه لا يزال حياً وقررنا تشكيل الحزب، وبعد ذلك دعا كل منّا من يعرفه فدعوت محمد هادي السبيتي ومحمد صادق القاموسي وصالح الأديب، ودعا السيد مهدي الشهيد عبد الصاحب دخيّل، وعقدت هذه المجموعة اجتماعها الأول...)(3).
شهادة الأستاذ محمد صالح الأديب:
رغم ان الاستاذ الاديب (رحمه الله) لم يذكر حضور الاستاذ السبيتي بشكل مباشر في اجتماع كربلاء ولكنه يشير الى نقطة مهمة وغير مباشرة تدل على حضور الاستاذ السبيتي في ذلك الاجتماع، فقد بقي عالقاً شيء في ذاكرته من ذلك الاجتماع إذ يقول: (والذي اتذكره من ذلك الاجتماع بأنه خُتم بالدعاء الذي يردده كل من ينتمي الى حزب الدعوة الاسلامية في قنوت صلاته وهو الدعاء المعروف: "اللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تُعز بها الاسلام وأهله وتُذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك، وترزقنا فيها كرامة الدنيا والآخرة"..)(4). وهذه النقطة التي يذكرها الاستاذ الاديب لها ربط بشهادة السيد مرتضى العسكري (رحمه الله) إذ يقول: (فقد أقترح علينا محمد هادي السبيتي أن نقرأ في القنوت أثناء الصلاة دعاء "اللهم إنّا نرغب اليك في دولة كريمة..الخ")(5) وأغلب الظن ان هذا المقترح طرحه الاستاذ السبيتي في اثناء اجتماع كربلاء وهو يدل بشكل واضح على حضوره فيه.
ثانياً: شهادات غير المؤسسين:
شهادة السيد محمد حسين فضل الله
يقول السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله): (..التقت هذه المجموعة، والتقيتُ معها لأن أعضاءها كانوا في معظمهم أصدقاء لي. لكن الجلسات كانت أقرب إلى الحديث العام منه إلى الخاص. لم يكن هناك تنظيم عندهم. ثم التقت هذه المجموعة مع السيد محمد باقر الصدر الذي بدأ يفكر إسلامياً بعد أن كان مستغرقاً في عالم الفقه والأصول في دراسته الحوزوية التي برز فيها مبكراً. وبرز من المجموعة المتحركة السيد مهدي الحكيم ابن المرجع السيد محسن الحكيم، الذي اغتالته المخابرات العراقية في السودان في عهد الصادق المهدي. ومن أعضائها أبو حسن السبيتي الذي بدا ايضاً ان المخابرات العراقية اغتالته بالتعاون مع المخابرات الأردنية. والى جانبهما، الحاج عبد الصاحب دخيل الذي اعتقله النظام العراقي وذَوَّبه بـ"الأسيد". وهناك أسماء غير بارزة..)(6).
شهادة الشيخ علي الكَوراني:
يقول الشيخ علي الكوراني (رحمه الله): (كان لأبي حسن دور في تأسيس الدعوة، وكان في قيادتها الى أن استشهد (رحمه الله)، وقد شارك في جلسات القيادة باستمرار)(7).
شهادة الحاج كاظم يوسف التميمي:
يقول الحاج كاظم يوسف التميمي "ابو صاحب" (رحمه الله): (كانت فكرة اللقاءات في البداية بين اسلاميين حركيين من السُنة والشيعة، وكانت الفكرة تدور بشأن حركة دعوة اسلامية عامة تضم أبناء الطائفتين، وفي آخر اجتماع تأسيسي لم يحضره ممثلو السُنة، فأقتصر الاجتماع على محاور الشيعة التنظيمية فقط. تلك الاجتماعات الأولية كانت تضم اسماء كثيرة، لكن فيما بعد اقتصرت هذه الاجتماعات على [تسعة] اشخاص فقط، وهم الذين شكّلوا الدعوة الاسلامية، ولم تُعرف باسم حزب الدعوة في ذلك الوقت، فتشكلت الدعوة حسب علمي بدايات ١٩٥٩ أو نهاية ١٩٥٨م، وكان مؤسسوها [التسعة] الأوائل هم الدكتور جابر عطا، والسيد محمد باقر الصدر، وطالب الهندسة محمد هادي السُبيتي، ورجل الدين السيد مرتضى العسكري، ورجل الدين السيد محمد مهدي الحكيم نجل المرجع آية الله السيد محسن الحكيم، ومحمد صالح الاديب، والسيد طالب الرفاعي، والسيد محمد باقر الحكيم،[وعبد الصاحب دخيّل])(8).
شهادة السيد هاشم ناصر الموسوي:
يقول السيد هاشم الموسوي "ابو عقيل": (.. فحضر الاجتماع التأسيسي كل من السيد محمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم ومهدي الحكيم ومحمد هادي السبيتي والحاج صالح الأديب وأبو عصام صاحب دخيل وعقد الاجتماع في بيت الحكيم بكربلاء، ونُقلت لي رواية هذا الاجتماع وما دار فيه من قبل الحاج صالح الأديب ومن السيد مرتضى العسكري. هذه المجموعة شكلت النواة الأولى لتأسيس حزب الدعوة الإسلامي..)(9).
اعتقد ان ما ذكرنا من ملاحظات وشهادات تثبت ما اردنا اثباته وستخرج مستقبلاً ادلة ومؤيدات أخرى تكشف الحقيقة وتنصف المظلومين.
***
أزهر السهر






