أقلام حرة
صادق السامرائي: إرادة التأريخ!!
إرادة التأريخ أقوى من إرادة البشر، فما هي إرادة التأريخ؟
إنها ليست الدور الذي يلعبه وعي الإنسان وقدراته وأفعاله في توجيه مسار الحياة، إنها قوة خفية تجري بين المخلوقات وتقرر مصيرها وتلد عناصرها المؤهلة لتنفيذها وهي من مجاهيل الغيوب، لكنها تفعل فعلها ويظهر أثرها في مسيرات الحياة.
بغتة وأنت ترى الأيام هامدة والجهود خامدة، والأهداف جامدة، وإذا بإنطلاق طاقة ذات قدرات إجتياحية، كالفيضان أو الإعصار الشديد، تغيّر الأوضاع وتضع المسيرة على سكة جديدة تأخذها إلى مواطن رؤاها.
هذه الطاقة يعجز عن غلبتها أعتى العتاة، وأثرى الأثرياء، إنها إنبثاق روح الحياة المتآلفة مع مكانها وزمانها، فللدوران مؤثراته وإتجاهاته الدافعة نحو ما ينفع الأرض وما عليها وفيها.
والأمثلة عديدة وهي تعبر عن هذه الرؤية الإدراكية لإيقاعات الدوران على الموجودات التي تسري فيها الروح، والأمم بقادتها، ولو تأملنا قادة البشرية لتبين أنهم موجودات إنطلقت من مكامنها، كالبذور التي تنبت في التراب وتصبح أشجارا وغابات، فلا فرق بين البذور بأنوعها، ما دامت تكنز الحياة.
"دع المقادير تجري في أعنتها...ولا تبيتن إلا خالي البال"
هارون الرشيد كان حريصا على أن تستمر دولته بقوتها وتألقها، فعهد بالولاية لثلاثة من أولاده، فمحقوا بعضهم من بعده، ولم يخطر بباله أن المعتصم سيكون خليفة فما أعده لذلك، لكنه أصبح خليفة ومضت الخلافة في ذريته.
إن المتسائلين عن لماذا ولماذا، ومن المفروض أن يكون كذا وكذا، إنما في غفلتهم يعمهون، فالدنيا لا تخضع لإرادة الأشخاص والأحداث، إنها ذات إيقاع مرسوم وهدف معلوم، لا نرى مفرداته بسهولة لكنها فاعلة فينا، وتقودنا إلى حيث تريد.
إنها تعثر على من فيه المؤهلات التي ترضيها فتتعهده وتسلمه راية المسير إلى حيث تريد، إنها بذرة تنبت في تربتها الصالحة التي إحتوتها.
إرادة التأريخ تستخدمنا لتأكيد ما تختزنه من التطلعات وتكنزه من الطاقات، حتى لنتوهم بأننا المقتدرون والمهيمنون، لكنها تصرعنا دون إشعار، وتدوسنا سنابكها، فتتبدل الدنيا من حال إلى حال، وفقا لسلطة الدوران السرمد.
نرى زمنا بهِ الأزمانُ ضاقتْ
ولا ندري بما فعلتْ ورامتْ
تخبّرنا الحوادثُ عن عَجيبٍ
وترْدعُنا بقاضيةٍ توالتْ
فما عَرفَ النجاةَ بها خليقٌ
إذا انْهمَرتْ أعاصيرٌ ودامتْ
***
د. صادق السامرائي







