أقلام حرة

إنعام كمونة: الدروس الخصوصية.. نيران تحرق العملية التربوية وجيوب الآباء

سؤال يُطرح دائما: لماذا يلجأ الطلبة للدراسة الخصوصية، ولماذا يتبادر لأذهان اولياء الأمور عن تجربة ملموسة لأبنائهم، ومحيطهم أن التدريس في المدارس الحكومية غير كفوءة اكاديميا لأعطاء محاضرات بجودة علمية عالية؟، لربما كان السبب عدم توفر بيئة تعليمية تصلح لجذب أهتمام الطلبة لتلقي المعلومات، فاصبحت مشكلة عامة لمجتمع يشغله نجاح ابناءه بالسعي وراء أي أسلوب كان من أجل النجاح والأنتقال لمرحلة أعلى، عبر البحث عن سبل تغنيهم عن هموم ومشاكل المدارس، اضافة لعدم تفرغ الأهل لمتابعة تدريس ابنائهم بانفسهم، لذا يلجأ اولياء الأمور إلى وضعهم في معاهد دراسية، أو مع مجموعة طلاب ومدرس خصوصي لتدريسه كل المواد أما في بيت المدرس أو يحاضره في بيت الطالب وتبقى حسب مقدرة الأهل المادية، وبهذا يكون ابناؤهم بايادي أمينة، لأن المدرس الخصوصي سيكون متفرغا لشرح المادة ببساطة، وإعادة الشرح أن تطلب ذلك منه، كما يتيح للطالب ان يسأل ويستفسر من الاستاذ وطرح أفكاره بلا رهبة ولا خوف ولا لوم، وهولا يبخل عليه بالأعادة، لأن يهمه ان يحيط الطالب بكل معنويات الدراسة للحفاظ على سمعته العلمية والبعض معروف بعلميته واسمه أذ يضمن نجاح الطالب أو تفوقه وهذا كثيرا ما يحصل، ويكون مسؤل عن متابعة الطالب ومعرفة درجاته ليفهم نقاط ضعفه أن صح القول لو أخفق بمادة ما، ليدرك مدى استفادته من التدريس علما الأساتذة الخصوصين لهم طرق معينة لتقريب المادة لفهم الطالب وأسلوب شرح يبقى في ذهنه، بينما في المدارس تلقى المحاضرة أمام الطلاب من يفهم يفهم، ومن لا يفهم فهناك طريق الدروس الخصوصية والتي اصبحت سمة عامة في كل المدارس، وأن تكلف الأهل فوق طاقتهم المادية والمعيشية وترهق جيوبهم، خصوصا لو لعدة مراحل للعائلة الواحدة، أضافة الى تكاليف سبل التوصيل وتنظيم المواعيد والمتابعة باطمئنان الأهل على مستقبل أبناءهم، تبنى علاقة ود وتبادل التقدير والاحترام بينهم...

من مساوئ اللجوء للدروس الخصوصية:

بعض الطلاب اصبح لديهم تعود على الدروس الخصوصي وهذا يجعلهم عدم الأعتماد على أنفسهم حتى لو كانت مادة سهلة لا تستحق التوضيح، أو في مرحلة ليس بالصعوبة التي تستوجب الدرس الخصوصي، لكن عدم ثقته باستيعاب الموضوع، حتى لوكان مدرس المادة ممتاز بشرح المادة، لكن تكاسل الطالب بعدم انتباه وتشتت تركيزه لأن هناك مدرس آخر يستطيع أن يفهم منه، بذلك يتهيأ فكر الطالب نفسيا ولا وعي منه لعدم متابعة الدرس بحرص بحجة عدم فهمه للمادة إلا من مدرس خصوصي، لذا يتعرض أستاذ المادة بأتهامه بالتهاون، وعدم قدرته على توصيل المادة اليهم، وحين يشغل فكر الطالب احتياجه للدروس الخصوصية ستسبب له سلوكيات واهية، وتنشأ عنده صفة اللامبالاة.. عدم شعوره بالمسؤلية تجاه نفسه وأهله ولا يهمه مستقبله خاصة من هم في أعمار المراهقة، ولا يملك القدرة ليواجه الحياة بكل صلابة إلا بالإتكال على من يسانده في كل خطوة، وبهذا لا يكون مواطنا صالحا ينفع ويستفيد في مجتمعاتنا، بل يكون طفيليت يعيش على كد الآخرين....

وإن كان الأرهاق المادي لتوفير مبالغ عند عموم الأهل خاصة ذوي الدخل المحدود، ومعظم ابناء الشعب كسبة قد  لا يحصلون على ما يسد رمق العائلة ومتطلباتهم، مما يؤثر على مستوى معيشتهم بضغط الأبناء على الأهل لأهمية الدروس الخصوصية وكي ينال أعلى الدرجات كما يفعل أقرانه، وإلا فلن ينجح، وأسهل الطرق هي الدروس الخصوصية للبعض لأن له مقدرة مادية فلا تتأثر معيشته، والأغرب أن هناك من يتباهى بالدروس هذه، وأنه يدرس عند الأستاذ فلان وفلان وهذا يعني مقدرة أهله على توفير مبالغ لاساتذة معينين بمستواهم التدريسي، وهو ما يخلق فجوة بين الطلاب و تمايزا طبقيا، وكثيرا ما أدت الى مشاكل تتسع بين العوائل، والتباغض بين الطلاب والبعض الآخر مجرد تقليد حتى لو يستوعب من الأستاذ بالتشبيه بالآخر صفة غير سوية تخلق منه انسان مقلد وغير مبدع....

بعض الطلاب له مزاجه الخاص في مرحلة من مراحل عمره قد ينفعل بسرعة أو يتاثر من مشكلة بينه وبين أحد الطلبة أو بينه وبين الأستاذ، ربما يتعرض للتنمر من الطلبة أو الجهة التدريسية أثر حدث ما، لذا يفقد الرغبة للدوام وشغف المتابعة لذا يفضل الإبتعاد عن محيط المدرسة بالانتساب، والبعض له التزام عائلي أو عمل مهم معيشي أو مرضي يتطلب منه البقاء في البيت، أو لعدم شعوره بأهمية الدوام يبقى في فراشه كسولا مهملا، مدلالا لا شغف للحياة لديه وهذه مشكلة على الأهل حلها ...

ما يحدث في السنوات الأخيرة أن معظم طلاب المراحل المنتهية يسارع الإنتماء للمعاهد أو كروبات دراسية منذ العطلة الصيفية ليحصل على فرصة مقعد فيها بسبب الزخم الذي عليها، وعند بدأ الدوام يترك المدرسة بصيغة الإنتساب المتوفرة حاليا من قبل وزارة التربية من أجل أن يتفرغ للداوم في معاهد التدريس الخصوصي، لماذا؟:لأنه يبحث عن فرص أفضل للدراسة والفهم، وهذا ما يوفره الدرس الخصوصي أن كان الطالب جادا لبذل جهوده، الأستاذ الخصوصي يشرح المادة بالتفصيل ويعطي دلالات كوسائل توضيحية تبقى منطبعة في ذهن الطالب كما نراه على اليوتيوب وبرامج النت عموما، لاستيعاب المادة بمستوياتهم العقلية وتسهيل الحفظ، أضافة لكسب الوقت، والتفرغ للتركيز والدراسة، مع انه يستفاد من اختبارات المدرسة واختبارات اساتذة المعهد وهذا من حقه لتحديد مستقبله ولأنها مرحلة تقرير مصير...

هناك نقطة مؤلمة لفتت انتباهي بقدر ما أصبح الأساتذة يسعون للدروس الخصوصية لرفع مستواهم المعيشي بقدر ما يعتبر إهانة لمهنة التعليم لمن على عاتقه إيصال هذه الرسالة المقدسة وتنزيه مهنة التدريس بمنزلة أسمى رسالة أنسانية لمن يحمل شهادة معلم، لكن الإحتياج المادي أدى إلى إذلال المهنة وأصحابها بانحراف هدفها الأسمى عن الوجه الصحيح مع الأسف، لذا أعتقد أن أصعب موقف يمر به المعلم حين يساوم الأهالي على علميته وجهده وتعبه وهو الجرح النازف في العراق الحبيب بلد الحضارات وأول الحروف ومسلات النظام والتشريع، فهل يكون المدرس معذورالجيب أو الضمير، أم نعذر ضمير أولياء الأمور وجيوبهم، لتعريضيه لهذه المواقف، لقد ذهبت هيبته وهيبة العلم، كان لمرور المعلم رهبة في اي مكان يظهر ينهزم الطالب من أمامه خوفا منه وخجلا أن يراه في سوق أو شارع وذلك احتراما له والمقولة كانت سارية المفعول في صدر بيت الشعر الآتي " كاد المعلم أن يكون رسولا !!

هل التدريس الخصوصي يحل مشكلة الطالب وتذمره من عدم فهم المادة وحجته عند عدم حصوله على درجة نجاح يطمح لها هو أو الأهل؟

كي لا نحيد عن بعض السلبيات التي طرأت منذ سنين عن تخلف المستوى الدراسي للطلبة ولا نغفل عن كثير من المسببات، لنعطي فكرة عامة ومركزة نستهل بيت الشاعر مُعد بن يكرب الزيدي ...

لقد أسمعت لو ناديت حيا ...ولكن لا حياة لمن تنادي

 أن أولى المعوقات تأتي من المؤسسات التربوية المعنية والتي اضحت مجردة من مسؤولياتها، غافلة أو متعمدة بعدم الاهتمام والتماهل والتناسي لتهيئة الأحتياجات بمراقبة مستمرة لسد هذه الثغرات المهمة في المدارس، فاللوم الأكبر عليها لأسباب منها:

 كثرة المناشدات لإدارات التربية المختصة، ولكن لا جدوى لدعمهم لأحتياجات الأساتذة، ولا استجابة تلوح في الأفق، واليأس دب في ربوع المستوى التعليمي من أبسط متطلباته إلى أكثر أهمية منه، وأخذ المدرس يصرف خلال فترة دوامه من راتبه الذي لا يكفيه لآخر الشهر على تجهيزات تعنيهم، لأن الأدارة لا توفر له وسائل راحة بأبسط ما يمكن من مكان مجهز خلال فترات الاستراحة بين الدروس "الفرصة" في الصيف والشتاء، إذ لا توجد مراوح ولا أجهزة تبريد في الصيف، ولا تتوفر مدافئ في فصل الشتاء، وأن وجدت من عصرها القديمة..لا فرش للأرضية، حتى النفط يتم تجهيزه من قبل الأساتذة، حتى لا تتوفر لوكرات لكتبهم، كثرت شكوى الأساتذة عن هذا الموضوع لإدارات المدارس، لكن الإدارة أيضا لا تملك سلطة صرف والخزانة خاوية لا نثريات ولا غيره، وليس باليد من حيلة إلا المناشدة لكن دون استجابة، وبما أن المدرسة هي البيت الثاني للطلبة ونصف النهار التواجد فيها أن تهتم إدارة المدرسة بتوفير المرافق الصحية من حمامات مجهزة بمتطلبات النظافة وتوفر الماء لحاجة مهمة للطلاب، لكن في كثير من المدارس لا توجد وأن وجدت لا تتوفر فيها مواصفات النظافة وبدون ماء دوما، أما للأدارة يمكن أن تتوفر بشكل أفضل .....

وحتى لا نبخس حق المدرس، مع كل هذه المعوقات المؤلمة والمنغصات اليومية للأساتذة، وتحت كثير من الضغوط يوجد من هو حريص بأمانة استاذ يتحمل من أجل شرح المادة للطلبة بعدة طرق، ومع كل هذا يتعرض الأستاذ لأهانات وتعدي من كثير من الأهالي أّذا رسب ابنهم فالملام الأول هو الأستاذ وهذه مشكلة عويصة تُعرض كثير من الأساتذة الى الضرب وحتى التهديد بانفعال وتهور أولياء الأمور بغياب العقاب وكثرة مفعول تنامي قانون العشائرية، وينسون أن الطالب يعيش بكل مراحل عمره ما بين بيئته ومحيط المدرسة، وهذا الجحود الإنساني لا مبرر له إطلاقا، وعلى الأهالي أن يفهموا ويتعاونون مع ادارة المدرسة، أن يبحثوا عن أسباب فشل ابنهم والتعامل مع الأستاذ والأدارة بكل وعي واحترام لحل مشكلته وتطبيق ما يشار إليه، لان أي استاذ يتمنى ان ينجح كل الطلاب وأن تفاوت مستواهم العلمي، ولايفرح بضياع تعبه فما ذنبه أن كان الطالب تحت تأثير عدة مشاكل في البيت وهي الأصعب ...

احيانا الأستاذ لا يعطي المادة بضمير حي، بل مجرد اداء واجب، بغير حرص ولا اهتمام، فلا يعطي للدرس قيمته لأن الراتب لا يكفي لهذا يريد أن يحفز الطلاب للدراسة الخصوصية عنده، فيكون شرحه مختصر، نراه ينزعج من أسئلة الطلاب أن طلبوا الإعادة لعدم فهمهم ينهرهم ..يلومهم ..يحرجهم ..يستهزأ بهم ..ويستفزهم، مما يخلق فجوة نفسية بين الأستاذ والطالب، أو بين الطالب والمادة بنتائج سلبية تؤدي لمشكلة ترك المدرسة، أو يضطر الطالب للدراسة الخصوصية عنده أو عند غيره، ربما يُكره لأخذ الدروس الخصوصية عند نفس أستاذ المادة التي يعاني من تقصيره بها، وهناك مشاكل تطرأ على الطالب عندما من يدرس الخصوصي عند غير أستاذ المادة سيرسب في مادته، وهو عقاب خفي نرجسي بعقدة نفسية لا ذنب للطالب فيه، ونتيجة التنافس بين اساتذة المدرسة نفسها على الدروس الخصوصية على اختيار أو حجزطلابهم، يخلق مشاكل وشقاق بينهم بأشكال عدة تكون وطأة مخلفاتها وسلبياتها على الطلاب .......

المدرسة كما نعرف والمتعارف عليه هي البيت الثاني للطلبة والأساتذة كعائلة واحدة، وهي أساس لنشر العلم، وزرع القيم والأخلاق في فكر الطالب، لتنشئته مواطنا صالحا في المجتمع، وبث حب المعرفة لأجل الارتقاء بالمستوى العلمي والثقافي والأجتماعي والصحي لمستقبل أفضل، وعلى ضوء كل المستويات أن تكون المدرسة ملمة بكل ما يحتاجه الطالب نفسيا..جسديا..فكريا.. وصحيا وغيرها، وبتوفيرهذه الأجواء المهمة للدراسة تفتح شهية الطالب لفهم الدروس والتعلق بالدراسة والدوام المنتظم، بكل هذا التدبر يتجلى حب الوطن...

أن يكون الأستاذ ملما بعلم النفس لأهميته، ويتعامل على أساسه لتلافي أي مشكلة تحدث بين الطالب والأستاذ.. بين المادة والطالب.. بين الطالب وأسرته..أو بين الطالب ومدى شغفه لتحفيزه على التنافس مع أقرانه وغرس روح الطموح بأفكاره ويجد ويجتهد...

 أن يتمتع الأستاذ بروح التواضع والبساطة للتعامل مع مستوى مرحلة الطالب، ومستوى تفكيره، وعمره، ودرجة وعيه، لا يجرحه.. لا يسخر منه.. لا يتنمر عليه لأي سبب كان حتى لو كان أصعب المشاكل بل عليه أن يجد حلول دون هروب أو يتذمر منهفالمواجهة اسهل الطرق تذلل كل الصعاب إذ لا مشكلة بدون حل....

استخدام طرق تدريس حديثة ومتغيرة بوسائل إيضاح بين عملي ونظري ومشاركة افكاره بموضوع الدرس فإن أحب الطالب المادة وتقبلها بنفسية مرتاحة يجتهد وينجح، وأن يتهيأ خلال الدوام برنامج عن عدة سفرات ترفيهية وثقافية الى معارض فنية ومشاركات أدبية وتعريفية على تراث البلد من جميع النواحي حسب مرحلته العمرية....

أن لا يعطي الاستاذ واجب يومي أكبر من طاقة الطالب واستغلال كل وقته للدراسة ، أن يكتفي بما الزمه من واجب يومي خلال محاضرة الدرس، ولا يستمر بإرسال مادة أضافية أخرى على كروبات المادة خارج وقت الدوام أضافية بوقت متأخر، والتي حاليا ما تعتمده اساتذة المدارس بالتواصل مع الطلبة من خلال الكروبات، ولكل مدرس مادة كروب مع طلابه يخص مادته، أحيانا يتذكر الأستاذ آخر المساء ويضيف واجب تحضيري أكثر من المعتاد، ذلك يرهق الطالب ويجعله تحت ضغط بقية الدروس، بحيث يفقد السيطرة، ويشتت تركيزه حتى على مادة واحدة، على الأستاذ أن يذلل صعوبة الدرس للطالب لا أن يعقده عليه وايضا الطالب يحتاج لستراحات كي يبدع ويجتهد، فلا يضغط بطلباته فوق مستوى تحمل الطالب بل يقسم المادة على مراحل حتى يستطيع استيعابها...

وختاما أن وجدت مؤسسات تربوية بمتابعة قويمة للأساتذة بادخالهم دورات تدريبية علمية ونفسية، ومن المهم زيادة راتب المدرس لأن مهنة التدريس مهنة متعبة جدا تتطلب جهدا جسديت ونفسيا وصحيا، ولدينا اساتذة بمستوى عال العلمية ومبدأهم الحرص والأمانة في التدريس يستحقوا التقييم والاحتفاء بهم وتقديرهم بفرص مادية وعلمية أكثر أهمية وفائدة للطرفين كليهما .

***

إنعام كمونة

 

في المثقف اليوم