أقلام حرة
صادق السامرائي: الحضارة كائن حي!!

الحضارة وجود حي لا يموت، فجوهرها خالد وشواهدها تتواصل وتتبدل وفقا لمقتضيات المكان والزمان، وتخضع لقوانين الانتخاب الطبيعي، وتكشف عن معدنها أمام التحديات والمنازلات الشرسة، وما يواجهها من تهديدات ومحاولات للنيل منها.
الحضارة تولد من رحم الأفكار المتفاعلة، وبما أن الأفكار لا تموت وتتوالد، فالحضارات كذلك تتواصل متجددة ومتوالدة من أرحام بعضها، فالحضارة تتحرك وتتنقل فوق التراب ولا تستقر في مكان واحد، بل تسير على أقدامها وتطير بأجنحتها، وتلد المخلوقات المعبرة عن رسالتها، وتطلعاتها الإبداعية الأصيلة.
ولهذا فأن مواكب العطاءات المتجددة لا تتوقف، وقطار المسيرة التطورية الإرتقائية يسير بأقصى ما يستطيعه من التسارع والتوثب والعزم والإصرار.
في هذا الكون كل موجود حي وله نشاطه المرئي والمستتر، ويؤثر في محيطه ويتأثر به، فالموجودات أمواج متدفقة في نهر الحياة، تحركها إرادة الدوران وطاقات التواصل مع الأكوان، وتنقلها إلى مدارات لا تعرف السكون والهوان، إنها طاقات متفجرة تنسكب في أوعية الرموز الكونية العاتية التواصلات.
فهل أدركنا دائرتنا الكلية وتحررنا من أكياس التحجر والتقوقع في كرات تتناطح لتبيد؟
وحضارتنا إنطلقت ومرت بمنعطفات وواجهت تحديات، وتحولت إلى رماد في فترة من الفترات، ثم إنبثقت وتجددت وتمسكت بمشاعل تألقها، وإستحضرت جذوة صيرورتها الكبرى، لتعبر عن حيويتها، وتؤكد وجودها، وإقتدارها الإبداعي الإنساني المتسرمد في أعماق الأكوان.
ووفقا لذلك فالأمة تتواصل في سعيها لإظهار جوهرها وتنمية قدراتها الذاتية، وتمثيل هويتها المتسمة بالعطاء الأصيل، والفكر الأثيل.
عاشت أمة توطنت عرش الزمان وأسست شواهد المكان، وحافظت على قيمها، وكلما تكيو تنجب أفذاذها الشجعان.
***
د. صادق السامرائي