أقلام حرة
صادق السامرائي: الخوارج!!

الموضوع تناولته العديد من الأقلام على مر العصور منذ سنة (37) هجرية، في معركة صفين نسبة إلى سهل صفين قرب الرقة في سوريا. ولن يُضاف شيئا للموروث المدون عن الخوارج إذا تناولنا الموضوع بذات السياق المتعارف عليه.
ولابد من إقتراب مغاير يعتمد على طبائع السلوك البشري، ومعادلات تفاعلاته وكيمياء النفوس التي تتبدل عناصرها وفقا للظروف.
فالخوارج من الخروج، أي ترك الحالة إلى حالة أخرى، فيقال خرج عن الركب أو الملة أو الجماعة وغير ذلك، والطبع البشري ميال للفرقة وعدم الإجتماع وكأنها سنة الله في خلقة لكي يتوطنوا أرجاء الأرض ويعمرونها.
وعندما نأتي للدين، فأن الخروج في الأديان منتشر ولا يوجد دين بلا خوارج، بأصنافهم ومسيماتهم ورؤاهم وتصوراتهم وتأويلاتهم.
وفي الإسلام تحقق الخروج حتى في زمن النبي، وتأكد بوضوح بعد وفاته مباشرة، فكان ما كان، وحصل ما حصل، وتطورت الأمور وبلغت ذروتها في السنوات الستة الأخيرة من خلافة عثمان والتي إنتهت بمقتله، وتواصل ناعور سفك الدماء بين المسلمين.
االخوارج هم الأقوام الذين لا يتفقون مع المعدل العام للمجتمع، وفقا لمنحنى الإنتشار الطبيعي المتعارف عليه في جميع الظواهر القائمة في الوجود.
والمسلمون يتداولون مفهوم الخوارج ويحصرونه في الذين خرجوا على الإمام علي في معركة صفين بعد قبوله بالتحكيم ويرون أن لا حكم إلا لله، فإنسحبوا من الجيش وأعلنوا رفضهم لما آلت إليه نتائجها التي أصابت جيش علي بمقتل، إذ بعدها كان عليه أن يخوض معركة النهروان (8\7\658) ميلادية، ضد الذين خرجوا عليه.
والخوارج أنفسهم صاروا فرقا كثيرة ما بين المتشددة جدا والمعتدلة، ومنهم الإباضية، الصفارية، العجاردة والنجدات وغيرها من الفرق والجماعات، التي لا تزال تتوالد وتتخذ لها أسماءً متعددة، لكن هدفها المشترك هو الهدم والتخريب وشن الحرب على المجتمع المسلم، فمن ألد أعدائهم في مختلف مراحل التأريخ كان المسلمون أنفسهم، فهم يقتلون المسلم بذرائع عجيبة غريبة.
كان عبدالله بن وهب الراسبي أول خليفة إنتخبوه بعد إنشقاقهم عن جيش علي، وإشتد أمرهم في الزمن الأموي، وقاتلهم مصعب بن الزبير، شقيق عبدالله بن الزبير، ثم إنقض عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي وقضى عليهم وعلى عبدالله بن الزبير . ولما قُتِل مصعب بن الزبير بايع قائده المهلب بن أبي صفرة عبدالملك بن مروان.
ومضت فكرة الخوارج سارية بين الأجيال ولا تزال ذات صخب وعنفوان، وإتخذت شكل التحزبات والفئويات والمذهبيات وغيرها من صنوف تأهيل المسلم لقتل المسلم بشتى الذرائع والمبررات.
ويبدو أننا نعيش في عصر حركات الخوارج ذات التأويلات المتطرفة والغلوائية الشرسة، التي تكفر وتزندق على هواها ووفقا للذين يشرعنون مآثمها وخطاياها.
***
د. صادق السامرائي
19\8\2025