أقلام حرة
علي الطائي: المرأة بعد الخمسين.. وبوق إسرافيل!!

كثيرًا ما يُقال: إن الحياة تبدأ بعد الخمسين، لكن في بعض البيوت، لا تُسمع سوى أصداء "بوق إسرافيل"، حيث تتحول هذه المرحلة إلى إعلان غير رسمي لنهاية الأنوثة والعاطفة والتواصل الزوجي. فجأة، تصبح المرأة أكثر انشغالًا بالتفاصيل الصغيرة، وأكثر ميلًا لافتعال المشاكل، وكأنها تعزف لحن النهاية لحياتها الزوجية والاجتماعية والعاطفية، ووأد لأنوثتها بدواعٍ واهية، لا تعدو أن تكون أوهام.
بعد الخمسين، قد تجد بعض النساء أنفسهن في حالة من التوتر الدائم، حيث يتضخم الشعور بالفراغ بعد خروج الأبناء من المنزل أو انشغالهم بحياتهم، فيتحول الزوج إلى المتنفس الوحيد لتفريغ المشاعر السلبية. تبدأ المشاكل الصغيرة في التفاقم، ويصبح الصمت بين الزوجين أكثر حضورًا من الكلمات، ويتحول البيت إلى مساحة يسودها الجمود العاطفي، وكأن الحياة الزوجية قد انتهت دون تصريح رسمي.
البرود العاطفي… الموت الصامت
إحدى أكبر المشكلات التي تواجه المرأة بعد الخمسين هي البرود العاطفي، سواء من جانبها أو من جانب زوجها. بعد سنوات من الزواج، تضعف المبادرات الرومانسية، ويحل الروتين محل الشغف. قد تهمل المرأة نفسها، لا من باب اللامبالاة، ولكن بسبب شعور داخلي بأن الأنوثة لم تعد أولوية، أو بأن الجمال بات شيئًا ماضيًا لا طائل من السعي وراءه. هنا، لا يكون "بوق إسرافيل" مجرد استعارة، بل حقيقة يعيشها الكثير من الأزواج في صمت.
بعض النساء يتعاملن مع الخمسين وكأنها خط النهاية، فتبدأ مرحلة الاستسلام للاكتئاب واليأس والشعور بعدم الجدوى. لماذا؟ لأن المجتمع، وللأسف، زرع في أذهانهن أن المرأة ينتهي دورُها عندما تتجاوز سن الشباب. لكن الحقيقة أن الحياة لا تتوقف عند عمر معين، بل كل مرحلة تحمل معها جمالًا وفرصًا جديدة، لمن يريد أن يراها.
كسر الدائرة المغلقة
الحل ليس في انتظار المعجزة، بل في اتخاذ قرارات صغيرة تعيد للحياة الزوجية والعائلية معناها. على المرأة بعد الخمسين أن تستعيد اهتمامها بنفسها، ليس فقط من أجل زوجها، بل من أجلها هي أولًا. الرياضة، الأناقة، الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، وحتى المغامرة بتجربة أشياء جديدة، كلها طرق لإعادة إشعال فتيل الحياة. كما أن الحوار مع الزوج ومحاولة إحياء اللحظات الجميلة التي جمعتهما قد يكون المفتاح لإعادة الدفء الذي فقد مع الزمن. أن تضع وردةً بيضاءَ طرية في صندوق الهدايا وتقدمه لزوجها الحبيب قد يعيدا اللحظات الشبابية ويعودا ليعيشا أجمل لقاء وكأنهم يلتقون لأول مرة.
وختاماً، بوق إسرافيل لا يُنفخ عند الخمسين، بل عند الاستسلام لليأس والمشاكل المفتعلة والبرود العاطفي. المرأة تملك الخيار: إما أن تجعل من هذه المرحلة بداية جديدة لحياة مليئة بالحيوية، أو أن تعلن النهاية بنفسها قبل أوانها.
***
بقلم د. علي الطائي
26-2-2025