أقلام حرة

علي حسين: من الفوضى إلى التهريج

الرسالة التي وصلت من فيديو فوضى مجلس النواب، تقول بوضوح ان على الشعب أن يكون "خيال مآته" لا يحق له الاعتراض على القوانين، وليس من حقه معرفة ما يجري في الغرف السرية لرؤساء الكتل. من يشاهد الفيديو جيدا ويسمع تصريحات ما يسمى بنواب الشعب يكتشف أننا تجاوزنا المراحل الكوميدية والتراجيدية ودخلنا إلى مشاهد السخرية التي تتيح للنواب المقايضة على مطالب الناس ومستقبل ابنائهم .

عندما يصر محمود المشهداني ان يرفع شعار " صوتلي وصوتلك " فانه يذكرنا بما قاله ذات يوم من على احدى الفضائيات: " نحن لا يهمنا من يصبح وزيرا او رئيسا للوزراء، .. اللي ما ينطينا ما لاتنا نزعل عليه، واللي ينطينا نرضى عليه، ومراح نفكر بأن هذا مسؤول مهني لو مو مهني، يشتغل زين لو ما يشتغل زين، هاي مسألة ما تهمنا، المهم ينطينا المالات ".

عندما ازاحت امريكا وليس احزاب السلطة نظام صدام، كانت الناس تأمل بقيام عهد جديد تكون فيه الكلمة الاولى للمواطن، ولم تكن الناس تتوقع ان تتحول التجربة الديمقراطية الى مزاد تعرض فيه القوانين والمناصب، بالأمس شاهدنا وسمعنا نوابا همهم الاول اقرار قوانين ترسخ الطائفية والمحسوبية والانتهازية، وشاهدنا كيف يتم تسخيف قبة البرلمان، وليخبرنا النواب بصريح العبارة ان هناك واقعا على الشعب ان يتقبله راضخا، هذا الواقع يقول احزاب وتكتلات سياسية تمثل طوائفها ولا علاقة لها بالوطن، واصوات نواب كأنها صدى للعصور الوسطى، ومناخ تغلبه المنفعة، وقوافل سياسية متجهة الى الماضي وتكره المستقبل، ونواب يدافعون عن سلامة دول الجوار اما امن الوطن وسلامه فيأتي بالدرجة الثالثة . وبعد ان كان المواطن يأمل باقامة الدولة المدنية، اصبح العراق اقرب الى الدولة القبلية .

يتحدّث معظم السادة النواب، عن الوطنية، وهذه مسألة بحاجة إلى تحليل من خبراء علم النفس. لا يوجد شيء واحد أكثر بشاعة من اللعب على القوانين سوى الفساد، لذلك هناك قاعدة واحدة للوطنية، إما اقرار قوانين لمصلحة الناس وتنمية البلد والاتجاه به الى المستقبل، وإما الانحياز للطائفة والعشيرة ونهب اموال الدولة باعتبارها مالا مشاع بالجملة. وهناك شرط واحد للعمل السياسي الحقيقي، هو الإيمان بالوطن، وهذه قضايا لا تقبل استثناءات.

ليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها البرلمان بامتحان السياسة، فهو يفعلها في كل مرة يتم فيه تغليب مصلحة الاحزاب على مصلحة البلاد . وايضا ليست المرة الاولى التي نشاهد فيها هذه الفيديوهات الفضائحية، ولن تكون المرة الاخيرة التي نجد فيها مجلس النواب بعيد كل البعد عن هموم الانسان العراقي .. ثمة ازمة وطنية في دهاليز السياسة العراقية.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم