أقلام حرة
جودت العاني: القول في الإعلام والقول في السياسة.. ما الفرق؟
أولا: يقولون (بين الرأس والذنب حرب باردة وأكثر):
هذا ممكن، حين ينشب الصراع بين شخصيتين، إلا أن الأكثر اهمية حين ينشب الصراع بين الرأس والذنب.. الرأس ينهش الذنب، والذنب يحاول ان يتفادى العض ويفر من محاولات النهش بطريقة اللف والدوران.. ولكن النتيجة تتساقط أسنان الرأس ولم تعد في الذنب غير الجروح ولا حتى شعرة واحدة . وبات الرأس والذنب يصرخان من شدة الألم الذي سرعان ما تحول كل هذا الى (جرب) اصاب شفاه الرأس وأصاب الذنب نفسه. والأمر الأكثر إثارة هو أن هناك من لا يكترث من الاقتراب من راس مسعور ولا من ذنب يأكله المرض، وهناك من يترقب النتائج. والمعروف عن مرض الجرب انه ينتشر بسرعة ويأكل لحم الفك أما الذنب فقد يسري الى داخل المؤخرة في طريقه نحو الجوف، والزمن كفيل بإعطاء صورة واضحة وفاضحة لمشهد العلاقة بين الرأس والذنب.. وهذا التوصيف هو الأكثر إثارة في الحرب الباردة.
ثانياً: ويقولون (إن الحرب التالية بين دولتين إقليميتين):
ومثل هذه الحرب كان القول عنها أو فيها من سنين ولم تقع كما هي سابقاتها الآتي فرخن حروباً وأسقطن حكومات وهجرن شعوب وبعثرن طاقات واستنزفن موارد..إلخ
الحرب بين الكبير الدولي والصغير الإقليمي لن تقع، مع الأخذ بعين الإعتبار القاعدة الأساسية في علم الإستراتيجيا، أن لا حرب بدون سياسة.
والحرب بين الصغير الإقليمي والصغير الإقليمي، غير العربيين، هي الأخرى لن تقع، لأن الحديث في الإعلام يختلف عن الحديث في السياسة، إضافة إلى إستخدام مصطلح آيديولوجي مفاده "أن تعلن خلاف ما تبطن".
والحرب المفترضه إعلامياً بين الصغيرين، ترتبط بالحرب التي يديرها الكبير بالتهديد والوعيد وهو يحمل الهراوة على الجميع من جهة، فضلاً عن هراوته الصغيرة التي صنعها للمنطقة والأخرى هراوة التخويف والتهشيم التي يتعامل بهما مع المنطقة من جهة أخرى.
هراوتان أو كماشتان صنعتهما القوة الكبيرة لمحاصرة المنطقة بكل اقطارها .. هاتان الهراوتان ليس بينهما اختلافات او تناحرات او صراعات جوهرية، وهما متفقتان على الأساسيات ومختلفتان في الثانويات البسيطة من الأمور التي يتم حلها غالباً تحت الطاولة أو من خلال طرف ثالث.
والقاعدة التي تحكم علاقة الصغير الإقليمي بالصغير الإقليمي الآخر هي قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) تحت اشراف العم الأكبر. فلا احد يستطيع ان يتفوه كذباً أو تغليساً أو نفاقاً بأن الحرب قادمة بين الصغيرين الإقليميين أو بين الكبير وأحد الصغار.
أحد الصغيرين الإقليميين قد أسقط في حفرة ويحاول الخروج منها بالحفر.. ألم يكن غباءاً ؟ فكلما تعمق في الحفر في خارجها عن طريق التوسع كلما إنهارت عليه أطنان من الأتربة.. وكلما اختنق، كلما بات الإنهيار قريباً.
المراقبون يرون ان الصغير الإقليمي الذي تمكن من حفر اربعة مواقع متقدمة للنجاة من الانهيار قد وجد مشتركاً مع الصغير الإقليمي الآخر ليحفر حفرة رابعة تحت أرض مركزية لا احد يجرؤ من الاقتراب منها بالسوء.. وهذا الاقتراب وخرائطه موجودة في خزانة البيت الأسود، والصغير الإقليمي يعلم بذلك، لكنه يظل يلعن الشيطان الأكبر.. وهذا هو الفرق الجوهري بين فعل الإعلام وفعل الاستراتيجيا.!!
الحرب بين الصغيرين الإقليمين لن تقع ولكن قد يعض أحدهما الآخر أو يخدشه أو يمازحه بمناورات وألعاب نارية استعراضية فاضحة.
والسبب هو أن الصغيران مكلفان سوية بالحفر تحت بقعة مقدسة، وأحد أدوات الحفر تدعي القدسية والمسؤولية المقدسة للخلاص وتشارك الصغيرين الإقليميين جريمة الحفر تحت اشراف البيت الأسود.!!
***
د. جودت صالح
5 / 9 / 2024