أقلام حرة
علاء اللامي: رسائل ووثائق من أحد أقارب الجواهري وشهادات أخرى (1)

كنت قد وعدت القراء بنشر أية تعقيبات موثقة ورصينة يتكرمون بها، ورحبت خاصة بتلك التي قد تأتي من أقارب الشاعر الراحل الجواهري. وكان الصديق الأستاذ رواء الجصاني ابن أخت الشاعر الراحل والقيم والوصي الرسمي على تراثه ومؤسس مركز الجواهري وهو أيضا صحافي وناشر يدير دار نشر بابليون في العاصمة التشيكية براغ. قد كتب لي الصديق الجصاني بعد نشر الحلقة الثانية من مقالتي مرحبا بما نشرت ومبديا رأيه في بعض التفاصيل واعدا بأنه سيكتب لي بعد اكتمال نشر المقالة.
وقد برَّ الأستاذ الجصاني بوعده وكتب لي رسالة أخرى وأرسل معها بعض الوثائق والصفحات ذات العلاقة من مذكرات الشاعر الراحل. وقبل أن اقتبس ما أراه مهما ومفيدا من رسائل الجصاني سأكرر هنا وعذرا خلاصة مركزة لرأيي في موضوع قومية الشاعر الجواهري والتي كنت قد طرحها في مقالتي المنشورة. وسأنشر روابط تحميل بعض كتب المذكرات ذات الصلة ومنها مذكرات الجواهري بجزأين، والجزء الثاني من مذكرات ساطع الحصري وأرجو ممن لديه رابط لتحميل الجزء الأول، وهو الأهم، أن ينشره في التعقيبات أو يرسله لي على الخاص ومذكرات:
تذكير بخلاصة بحثي: الجواهري شاعر عراقي عظيم، بل هو أكبر شاعر معاصر من شعراء العربية في الشعر العمودي "القريض" في القرن العشرين ولعدة قرون خلت وصولا إلى قرن صفي الدين الحلي في القرن الثالث عشر وهو أحد شوامخ السردية الشعرية العربية العراقية الكلاسيكية، ولكني لا أرجح أن الجواهري عربي، وأما أمر جذوره الإيرانية فمحسوم بماضي أسرته طوال خمسة قرون في إيران قبل مقدمهم إلى العراق، وقد تكون أصوله القومية فارسية وقد لا تكون، وقد تكون أصول العائلة الجواهرية عربية قبل مقدمها إلى إيران من جبل عامل في لبنان وقد لا تكون، فهذان أمران لا سبيل لإثباتهما إلا على سبيل الترجيح والظن في الوقت الحاضر. فإذن، مسألة عراقية الشاعر الجواهري ليست موضع تشكيك أو قدح، فهي صفة أكيدة وأصيلة له وفيه، أما الأصل القومي له أو لغيره سواء كان فارسيا أو عربيا أو غير ذلك، فهو مسألة شخصية بحتة، شأنها شأن المذهب والدين، ولا ينبغي أن تهم أحدا سوى حاملها والمؤرخين والنقاد الذين يتصدون لكتابة سيرته أو أبحاث عنه. وصاحب الشأن هو مَن يمكنه ويحق له أن يؤكدها أو ينفيها كمعلومة، ومن حقنا نحن أن نبحثها نقدياً في محاولة لمقاربة الحقيقة بغض النظر عما يقوله هو وفي ضوء المنهج البحثي العلمي وما يتوفر من وثائق صحيحة.
رسائل وريث الجواهري رواء الجصاني:
بالعودة إلى رسالتيِّ السيد رواء الجصاني، الأولى والثانية، نجده يعرض وجهة نظره بوضوح. وخلاصتها حرفيا أنه يرى أن محمد مهدي الجواهري شاعر عراقي من أصل عربي ولكن الجواهري "كان يترفع عن الاشارة الى "أصله" العربي، باعتبار ذلك تحصيل حاصل، كما أحسب.. غير أن العشرات من أبيات شعره الثري تؤرخ لما كتبه بهذا الشأن". ثم يورد الجصاني عددا من الأبيات سوف أناقشها في موقع آخر من هذا النص.
وتعليقا على ذلك أقول: من وجهة نظر بحثية منهجية فإنَّ ما يقوله الجصاني يدخل في باب الشهادات ووجهات النظر والاعتقادات الظنية بدلالة عبارته "كما أحسب"، هذا أولا، وثانيا فهي شهادة ليست مدعومة بوثيقة أو دليل ملموس آخر، ولكنها تبقى وجهة نظر وشهادة لها قيمتها المعلوماتية الترجيحية لأنها تأتي من قريب عائليا ورسميا من الجواهري وقد عاش جزءا مهما من حياته برفقته.
وفي رسالة الثالثة الجوابية ردا على بعض استفساراتي أوضح الأخ الجصاني الآتي:
بخصوص حيازة الجواهري "الجنسية الايرانية": على ما تابعت فإنه لم تكن هناك شهادة جنسية عراقية لمن سكن العراق وعاش فيه، عهد ذاك، فالكل عثمانيون.. إلا من سجل "تبعية لإيران" كقادمين منها، أو من الرعية المسؤولة إيران عنها.
* ويضيف الجصاني: "ومما يروى عن مصادر بعض أسرة ال الجواهري، القدامى، ان الزعيم الاجتماعي للأسرة، الشيخ جواد (وهو حفيد الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، إمام عصره عند الشيعة، وزعيم الحوزة في النجف) قد سجل الاسرة كــ "تبعيـة" لإيران، للخلاص من شمول ابنائها بالجندرمة والعسكرية العثمانية، عشية وخلال خلال الحرب العالمية الثانية. وفي ضوء ذلك، ونسبة اليه، ومع إقرار قانون الجنسية العراقي بعد الحكم الوطني، ووفق المعروف/ انه كان يُرمز لأبناء وبنات آل الجواهري، بـكلمة "تبعيـة" عندما منحت / تمنح الجنسية العراقية لهم بـ" التبعيــة" وليسوا اصلاء (!!) ... مع استثناءات. وعلى حد علمي - وأنت أعرف- أن هناك أيضا الكثير من العوائل والأسر النجفية "تبعية" ومنها "الرضي" أسرة الشهيد سلام عادل "حسين الرضي"، وآل الخليلي.
ويضيف الجصاني: "وحتى اليوم هناك أبناء عمومة وخؤولة من آل الجواهري في طهران وغيرها يحملون الجنسية الايرانية، وهم مقيمون هناك منذ أمد طويل، يقرب من القرن، على الأقل. منهم خالي الآخر، عبد العزيز صاحب الجواهر (أي الجواهري) وهو "الشقيق" الأكبر من محمد مهدي، هاجر من النجف الى إيران في مطلع عشرينات القرن الماضي، وحمل الجنسية الايرانية، وتوفي هناك في السبعينات الفائتة، وهو فقيه وشاعر ومترجم بارع، واستاذ لغوي زائر في جامعة طهران".
يختم الأستاذ الجصاني رسالته بهذه المعلومة: " وللمعلومات أيضا، تم تهجير جمع من أبناء وبنات من الأسرة الجواهرية، أوائل الثمانينات الماضية الى الحدود مع إيران، ومنهم السيد صادق بن الشيخ ابراهيم، الجواهري، وأطفاله الاربع، كما اعتقل في النجف وأخفي (أعدم) الشيخ محمد تقي ابن الشيخ "اية الله" عبد الرسول، وهو خال الجواهري، في الثمانينات الأخيرة لتابعيته الى السيد الصدر الاول ودوره في زعامات حزب الدعوة الاولى. والشيخ حسن ابنه الان (ابن محمد تقي) بدرجة "اية الله" يقيم في النجف حاليا بعد ان هُجر او هاجر الى قم وبقي هناك أكثر من ثلاثة عقود، وعاد بعد عام 2003. وهو الزعيم الديني حاليا للأسرة الجواهرية ".
نستخلص من كلام الأستاذ الجصاني في رسالته الأخيرة الخلاصات التالية والتي يمكن أخذها بنظر الاعتبار كشهادة من قريب للشاعر الراحل وقيم ووصي على تراثه رسميا:
* إن العائلة الجواهرية كانت تحسب فعلاً على التبعية الإيرانية. ولكن وجود عدد من أفراد الأسرة ومنهم عبد العزيز صاحب الجواهر (أي الجواهري) الشقيق الأكبر لشاعر الجواهري في إيران وعيشهم فيها حتى وفاة بعضهم يؤكد أن الأمر يتعلق بما هو أكثر من التبعية الإيرانية، وقد يصل إلى حيازة الجنسية الإيرانية وهو أمر أكدته شهادات أخرى سنأتي على ذكرها لاحقا. والتبعية لا تعني فقط حاملي الجنسية بل غيرهم أيضا فقد كانت تشمل أسرا وغالبية العشائر والقبائل العربية العراقية لأنها شيعية واختارت التبعية لإيران القاجارية حتى لا يُشمل أبناؤها بالخدمة العسكرية العثمانية بموجب اتفاق إيراني عثماني بين الدولتين المتحاربتين آنذاك.
هنا، ثمة خلط تقليدي بين أمرين؛ الأول التبعية لإيران والثاني حمل جنسيتها من قبل ذوي الأصول الإيرانية من الفرس وغير الفرس. ولأن موضوع التبعيتين طويل ومعقد فسأتطرق له باختصار شديد على أمل العودة إليه في مناسبة أخرى بإسهاب أكثر.. يتبع قريبا.
***
علاء اللامي