أقلام حرة

أكرم عثمان: الإيجابية الزائفة.. حين تسقط الأقنعة

تأملوا الأفكار والمواقف والأحداث التي تجري في عالم الأعمال على وجه الخصوص وفي حياتنا الاجتماعية عموماً، حيث ترفع المنظمات شعارات براقة عن حرية التعبير، وتتغنى بفتح أبوابها للأفكار والآراء، وتكثر الحديث عن الإيجابية والتفاؤل والأمل. ترسم صور جميلة على الجدران، وتقام ورش عمل وفعاليات تتحدث عن السلوكيات التي تبني الثقة والانسجام بين القادة والعاملين. كلمات براقة تزين التقارير والاجتماعات. لكن، هل كل ما يلمع ذهباً؟ وهل كل ما يقال نابع من قناعة راسخة ورؤية إيجابية مستدامة يحرص أصحاب القرار على غرسها لتوفير بيئة جاذبة تمنح الأمن والطمأنينة للعاملين؟

الحقيقة المؤلمة أن بعض هذه الإيجابية ليست سوى قشرة رقيقة تخفي هشاشة عميقة في الثقافة التنظيمية. فما إن تهب رياح الصعوبات والأزمات حتى تتساقط الأقنعة، وينكشف الجوهر الحقيقي والمعدن الأصيل. تنقلب الشعارات إلى صمت، والمجالس التي كانت ترحب بالنقاش تتحول إلى دوائر مغلقة يسيطر عليها الخوف والريبة وفقدان الثقة. تبدأ الاتهامات بالتقصير والإهمال، وتستخدم السلطة بأسلوب سلبي قائم على التهديد والوعيد بالعقاب والفصل، بل بمحاربة الموظفين في أرزاقهم وقوت يومهم وأسرهم.

تتبدد الحرية الموعودة، وتختفي الوعود بالدعم والراحة، ليبقى الموظف مجرد ترس في آلة لا يهمها سوى الإنتاج والربحية، حتى وإن سحق ذلك الترس روحه وجهده وطاقته. عندها يدرك المرء أن "الإيجابية" التي عرضت عليه لم تكن سوى عرض مسرحي وديكور في زمن الغلظة والتعنت والشدة، وأن الواقع أشد قسوة من كل الشعارات المرفوعة والكلمات المنمقة في الخطط والبرامج التي أنفقت عليها الأموال والجهود.

إن الإيجابية الحقيقية ليست كلمات تقال في المناسبات أو في أوقات الرخاء عندما تسهم جهود الموظفين في ربحية المؤسسة، بل هي ممارسة تختبر في جميع الظروف: في السلم والحرب، في الهدوء والأزمات، في الرخاء والشدة. هي ثقافة تبنى على احترام الإنسان وتقدير آدميته وجهده وعرق جبينه. الموظف الذي أفنى سنوات عمره في خدمة منظمته، لا يقاس فقط بما حققه من إنجازات، بل بما يحمله من قيمة إنسانية. وحماية حقوقه واجب أخلاقي وإنساني قبل أن يكون التزاماً قانونياً. أما استنزاف طاقته وجهده، فلا ينبغي أن يمر بلا تقدير ولا احترام.

السؤال الذي يجب أن نطرحه بجرأة: هل منظمتك تحمل الإيجابية في جوهرها، أم ترتدي قناعها فقط؟

الأيام والسنون كفيلة بكشف حقيقة الممارسات: أهي أفعال ترتقي لاحترام إنسانية الموظف، أم مجرد أصباغ وديكورات لتزيين المكان دون النظر إلى جوهره وعمقه؟

***

د. أكرم عثمان

25-9-2025

في المثقف اليوم