أقلام حرة
صادق السامرائي: الطغيان!!
الطغيان في اللغة مجاوزة الحد والعصيان، فكل شيئ جاوز القدر فقد طغى.
وطغى البحر: هاجت أمواجه . وطغى السيل: إذا جاء بماءٍ كثير.
"ونذرهم في طغيانهم يعمهون"، "فأما ثمود فأهلِكوا بالطاغية".
وعندما نعرّف الطغيان بالمفردات النفسية والسلوكية، فأنه يعني الفعل الظالم الناجم عن فقدان الأمان.
فالطاغية يكون في موقف محكوم بخيارين، فأما المواجهة أو الفرار، وتتغلب فيه حالة المواجهة على الفرار، لأن نتيجة الفرار قاسية وصعبة وخالية من الحوافز والمسوغات ولا تحقق الرغبات.
فالمواجهة رغم صعوباتها لكنها ذات محفزات ومعززات لا محدودة، تدفع بالطاغية إلى الإمعان بسلوكه الإستبدادي حتى النهاية.
وكأنه في سباق نحو الهاوية، وكل ما يقوم به ويفكر به ويقرره، من أجل إطالة مسافة السباق وحسب.
فالطاغية ليس غبيا أو جاهلا، وإنما يتمتع بقدر متميز من الذكاء الذي يسخره لمشروع إطالة مسافة سباقه وصراعه مع الآخرين، الذين يمنحهم المواصفات والمسميات التي تبرر محقهم والفتك الفظيع بهم.
ومنبع السلوك الطاغي فقدان الأمان الداخلي، ومعظم الطغاة فقدوا هذا الشعور في طفولتهم، وصار الشك والتوجس والخوف والظن بالسوء معيار سلوكهم.
فإن كانوا في عائلة فأن سلوكهم الطغياني يتكشف، وإن كانوا في دائرة أو منصب حكومي أو سياسي سيكون تعبيرهم أوضح.
وكلما إمتلك الشخص قوة أكبر إنطلقت آلياته الدفاعية، المنبثقة من بركة عدم الشعور بالأمان المتأسنة في أعماقه.
وتبدو حالة عدم الشعور بالأمان كالدملة المملوءة بالأقياح، والتي تريد الإنفجار وإطلاق ما فيها من الصديد.
وبعض العلماء والباحثين يرى أن العلاقة قوية ما بين الشخصية السادية والطغيان البشري، وآخرون يحسبونه تعبيرا عن المشاعر الشريرة الدونية الغابية الكامنة، وغيرهم يرى أنه من إنتاج النرجسية الفاعلة في السلوك، والتي تسببت فيها الطفولة المحرومة من الأمومة والشفقة وتقدير المشاعر والأحاسيس، أو الطفولة المهملة والمنبوذة.
وفي واقع السلوك الإستبدادي أنه إستجابات لمنبهات خارجية تدركها آليات الشك والخوف والحذر، وتمعن في رد فعلها العنيف عليها، حتى أن بعضهم يتملكه الشعور بأنه يعرف أعداءه من نظراتهم وملامح وجوههم، وفي هذا إمعان بالشك والبرانويا الوهمية، التي تدفع إلى إجراءات تعسفية قاسية ومرعبة.
ولهذا فأن الطغاة يفتكون بأقرب الناس إليهم، ولا يوجد في عرفهم وفاء أو صداقة، وإنما كل الآخرين أعداء ويتحينون الفرصة للفتك بالطاغية، ولهذا فعليه أن يتغدى بهم قبل أن يكون على مائدة عشائهم.
ومن رؤى الطغيان وتفسيرات سلوكه أن البشر إذا وضع في مجاميع تتنافس على مصادر قليلة، فأن التفاعل فيما بينها سيكون فتاكا ومبررا للفظائع والمجازر والجرائم المرعبة.
وفي واقع ما يدور هو إستحضار آليات الغاب وتأكيدها، والعمل بموجبها للوصول إلى ذروة الوحشية والإفتراس الشرس للآخرين.
وما يقوم به الطغاة المعروفون من أفعال لا يمكن التصديق بها، إذا حسبناهم من البشر، ولا بد من وضعهم في خانة أخرى، ونتصور بأنهم يظهرون كالبشر، لكن سلوكهم لا يمت بصلة إلى آدميتهم أو بشريتهم، وكأنهم مخلوقات أخرى بهيأة آدمية.
فالتصرفات الوحشية الإفتراسية التي يقوم بها الطغاة العتاة، لا يمكن للخيال أن يتصورها، ولا يتمكن عقل إنساني من إستيعابها والتصديق بها، والتأريخ يزدحم بشواهدهم المروعة.
وما بقيت المجتمعات في دوامة الحاكم والمحكوم فالطغيان يدوم!!
***
د. صادق السامرائي