أقلام حرة
جمال العتّابي: إيقاع....
برعاية معالي السيد الوزير الاستاذ الدكتور.....
وبإشراف السيد الوكيل.......
وبجهود مباركة للسيد المدير العام...........المحترم
تتشرف دائرة ال........... بدعوتكم لحضور ندوة بعنوان........ يحاضر فيها الاستاذ.......
***
هذا النموذج في الاعلان ابتكرته العقلية البيروقراطية الادارية العراقية على مدى عقود من الزمن. مبالغات في ( الإنشاء)، وأقصى المديات في تقديم الطاعة والولاء، سلوك متملق ومنافق ورثناه، تضخّم واستفحل في عهد (النظام الجديد)، لا نجد له مثيلاً في البلدان المتحضرة كلها.
ربما يطول الحديث في اسبابه وغاياته، لكن باختصار يمكن القول: انه امتداد (لثقافة) كرّستها صحافة النظام السابق واصبح تقليداً ثابتاً يتصدر الصفحات الاولى للجرائد، يرافق نشاطات (القائد الضرورة ) كشرط حتمي في نشر صورته بمناسبة أو من دونها مع عبارة : برعاية من لدن سيادته حفظه الله ورعاه.
أما فعاليات ونشاطات وندوات (النظام الجديد) فهي على الأغلب أبعد ما تكون مكرّسة لمناقشة أزمات البلاد المتفاقمة، والتفكير بحلول لها، و نادراً ما تشهد الجلسات حضور السيد المعالي أو وكيله!
إذن لماذا هذا السلوك؟ أليس بإمكان المسؤول اللجوء الى لغة متواضعة تنسجم وتواضع محاور الجلسات، تحفظ مقامه وكرامته، أم ان هذه (الظاهرة) وسيلة دفاع قوية تضمن له الحماية والاستمرار حسب تفسير علم النفس المجتمعي؟
ربما تمضي بنا الاجابة عن هذه الأسئلة الى اشكالية معنى الولاء والطاعة و الاختلاف في فهمها، حين تتخذ الدعوة اليهما شكلاً سافراً في ظل الأنظمة الدكتاتورية والقمعية، فتتولى أجهزة الاعلام المنافقة تصوير الحاكم والمسؤول بأنه مصدر الحكمة والقرار السديد، وما علينا إلا أن نوكل أمورنا اليه، فهو الذي يفكر بالنيابة عنا، ويعرف مصلحتنا، ويعفينا من مشقّة اتخاذ أي قرار، ومقابل ذلك فان أي "عصيان" هو اثم لا يغتفر، فكبيرة الكبائر هي " شق عصا الطاعة" (لاحظ الارتباط في التعبير اللغوي التراثي، بين الطاعة والعصا).
من المؤسف أن مؤسساتنا قائمة على هذا الايقاع الذي يؤدي الى تقويض الثقة بالنفس، ويحيل الأداء الى فعل انتهازي ونفعي. ان مبادئ الإدارة تكتسب شرعيتها من العمل الوظيفي النزيه، والمعيار الحقيقي المتفق عليه للنجاح، هو الاخلاص والابداع في العمل لاغير.
***
د. جمال العتابي
.....................
* أستأذن الصديق الفنان خضير الحميري في استعارة إحدى رسوماته مع المنشور