أقلام حرة
ثامر الحاج امين: غربتُنا في البلاد
شعور مؤلم ان تعيش الإحباط من ضياع الأحلام بعد سنوات من الانتظار المرّ والقاسي وأفول شمس الأمل بوطن ينعم بالحرية والأمان، فمن كان يصدق ان البلاد التي بدأ منها التاريخ وطرز حياتها بأرقى الفنون والآداب ستكون لقمة سائغة تلتهمها أفواه الجائعين الشرهين اصحاب البطون والعقول التي عاشت الخواء والقحط، يا لنا من قوم أتعبهم التفاؤل، فقد كنا نضحك هازئين من خيال الشاعر يوم سمعناه يندب (نُفيت واستوطن الأغراب في بلدي ) حيث كنا نظن ان البلاد عصية على الغرباء ولن تكون يوما نهبا لشذاذ الآفاق وخفافيش الارهاب، بلادنا التي جعلنا من أجسادنا الغضة والمعجونة بعشق الأرض سورا لها، يا الهي .. أية غفلة هذه التي تسلل فيها كل هؤلاء اللصوص وسرقوا اغانينا وضحكاتنا وأرعبوا طيورنا الآمنة وعاثوا فسادا بحقولنا المزهوة بالخضرة واستباحوا أزهارها بإقدامهم القذرة، بلادنا التي تبدو اليوم غريبة علينا بينما هي الذاكرة التي حفظت لنا صور الطفولة ومرح الصبا والشباب، ها نحن اليوم تحت شمس صباحاتها نتلمس طريقنا الى الشيخوخة وقد ابيضّت رؤوسنا دون ملل من عشقها والتغني بجمالها، بلادنا التي نثرنا في أزقتها أجمل سنوات العمر وتعطرت اجسادنا الغضة بأريج ترابها الطاهر كيف صارت اليوم نهبا للمعتوهين وسماسرة السياسة وصناع الخرافة وعبيدها، فاليوم نجوب شوارعها وفي كل خطوة تنتابنا غصة اذ نجد انفسنا مهمشين وضائعين وسط حشود لا نعرفها بعدما كنا فيها اشبه بالفنارات وسط البحر، تعبرنا المارة ولا وجه فيها يعيدنا الى زمن الزهو وألق السنوات التي مرّت مثل حلم، يا للقدر السيء الذي أوصلنا الى هذا الزمن الغريب الموحش، زمن يرتع فيه العهر والكذب والصفقات الدنيئة، نسير حيارى من هول ما نرى وليس هناك ما يواسي غربتنا سوى قول الشاعر ابراهيم ناجي :
هذه الكعبة كنا طائفيها
والمصلين صباحاً ومساء
*
كم سجدنا وعبدنا الحُسْنَ فيها
كيف بالله رجعنا غرباء
***
ثامر الحاج امين