أقلام حرة

صادق السامرائي: إبراهيم السامرائي يا سامراء!!

سبقني في الكتابة عن هذا الموضوع أحد الأستاذة الموقرين وآخرون، وكنت أستجمع الأفكار لكتابة مقالة بهذا الخصوص.

إذ نبهني إلى ذلك، سؤال طرحه زميل يوم 27\7\2013 في حفلة إفطار، حيث إقترب مني قائلا: "حدثني عن فقيه اللغة العربية الدكتور إبراهيم  السامرائي" (1923 - 2001)، والحاصل على الدكتوراه من السوربون 1956!!

فكان سؤاله مباغتا، لكنني مضيت أذكر ما أعرفه عنه، ورحلته مع اللغة، وأنه توفى في عمّان، ولديه مؤلفات، وأحتفظ بديوان شعر له (من ملحمة الرحيل)، أهداه إليّ أحد الأخوة قبل أعوام، وقرأته في حينها.

وأخذت أتساءل، لماذا لم يكتب أحد عن فقيه لغتنا العربية المتبحر باللغات السامية ؟

هل لأن اللغة ما عادت تعنينا؟

أم أنه الإهمال والظروف التي أوقعت بيننا وبين الذات والموضوع والهوية؟

فبدأت أضع الكلمات على السطور، وأتناول مسيرة المرحوم بالبحث والدراسة.

والدكتور إبراهيم السامرائي العماراتي العراقي العربي، المولود في مدينة العمارة من أجدادٍ ولدوا في سامراء، وكأنه تمسك بجذوره وتفاعل مع موطنه الجنوبي الجديد.

ولقب السامرائي يحمله الكثيرون ممَن لم يكن مسقط رأسهم مدينة سامراء، وإنما لأن أجدادهم من تلك المدينة ونزحوا إلى غيرها، فحالما يحلون في المكان الجديد، يتمسكون بلقبهم، وإنتمائهم للمدينة، لأثرها التأريخي والحضاري في الزمن العباسي، ولشهرتها في الدنيا بأسرها.

والعجيب في سامراء أنها لا ترعى نوابغها ومبدعيها والمتميزيين من أبنائها، بل توفر لهم الكثير من مسوغات وأسباب الرحيل عنها، وهذا ربما ينطبق على مدن العراق الأخرى، لكنه واضح في مدينة سامراء، ومعظم الذين أبدعوا لم يتحقق إبداعهم على أرضها!!

وكأنها كالبودقة أو الرحم الذي يلد ما فيه من الطاقات، ويحفزها على الإبتعاد عن المحيط الذي ولدت فيه.

وقبل أشهر كنت فيها فواجهني أحد الزملاء بقوله "إشجابك إلى هاي النكرة": (مَن الذي أتى بك إلى هذه  الحفرة)؟!!

والكثير من العلماء والمبدعين من أبناء سامراء غادروها بوقت مبكر، والذين بقوا فيها إنكمشوا وأصابهم الغياب.

ولذلك أسباب كثيرة لا تتسع السطور لتناولها.

فسامراء لا تصنع تماثيل لأعلامها، ولا تسمي شوارعها بأسمائهم، ولا توجد فيها تفاعلات ثقافية ذات قيمة معرفية، تعزز دور الذين أسهموا في صناعة الحياة العراقية والمعرفية في البلاد، وتسود فيها الأمية التأريخية والحضارية.

فربما اليوم لا أحد يعرف الدكتور كمال السامرائي، والدكتور إبراهيم السامرائي، والدكتور مهدي صالح السامرائي، وغيرهم العديد من العلماء والفنانين والكتاب والصحفيين والنابغين في ميادين العلوم والمعرفة الإنسانية.

فسامراء تجهل أبناءها، أو تتجاهلهم، لغاية في نفسها لا يعرفها إلا الله.

وفي صباي وشبابي، إلتقيت وتفاعلت مع شخصيات متميزة في الأدب والفن والثقافة والرياضة والسياسة وعلوم الإجتماع واللغة والتأريخ والطب والصحافة والهندسة والمعارف الدينية والفكرية والفلسفية، لكنهم تدحرجوا إلى هاوية النسيان، بسبب الإهمال المتواصل، وعدم تفاعل الأجيال، وخلوّ المدينة من الأرشيف، والمؤرخين المهتمين بأبنائها.

وتلك حقيقة مؤلمة، تؤدي للتأخر وصناعة التداعيات، لأنها تساهم في وجود أجيال لا تعرف بعضها، وتتناكر كأنها الأعداء في سوح الغاب.

ترى لماذا لا نفخر بعلمائنا ونقدرهم في حياتهم، ونتناسهم بعد وفاتهم؟!!

وهل توجد دراسة عنه في جامعة سامراء؟!!

***

د. صادق السامرائي

4\8\2013

.......................

* المقال غير منشور في حينه.

في المثقف اليوم