أقلام حرة
صادق السامرائي: تداعيات الرأس المخلوع!!
لكل مخلوق رأس يتدبر شؤون حياته ويقوده في مسيرة التفاعل مع نفسه ومحيطه، وهو البوصلة التي تحسم نوعية وإتجاه السلوك وتقرر آليات التفاعل مع التحديات المناهضة لبقائه.
والكثير من المخلوقات خلعت رأسها أو إنخلع عنها رأسها لأسباب وتداخلات جراحية نفسية متنوعة، والذي يفقد رأسه يعرّض وجوده للهلاك.
والبشر مؤهل لأن ينخلع عنه رأسه، وخلع الرؤوس لا يتحقق بالسكين والسيف فقط، وإنما هناك آلة أخطر منهما جميعا، إنها آلة البتر النفسي، فالآلات النفسية الحادة المسلطة على رقاب الناس أشد فتكا من السيوف والسكاكين، ذلك أنها ذات قدرة على خلع الرؤوس بالجملة، وتحويل البشر إلى أبدان متحركة أو روبوتات تؤدي ما يمليه عليها الرأس البديل، أو المعوِّض للرأس المقطوع نفسيا وإدراكيا عن بدنه أو جسمه وشخصه.
والبتر النفسي للرؤوس حالة قائمة ومعروفة منذ الأزل، وللتضليل والتوهيم دور كبير في هذا الشأن، حيث يتم إفراغ الرؤوس من محتوياتها وآلياتها، وحشوها بغيرها من المفردات والأساليب التفاعلية ذات القدرات العاطفية العالية، والتي تنفجر بقدرات بركانية هائلة أمام ما لا يتفق ومناهج رؤيتها المحشوة فيها، فتساهم في تأسيس آليات التخاطب بالوعيد، وتسعى لبناء ميادين سفك روح الوجود وخنق صوت النجود.
وتلعب العقائد والمدارس الدينية دورها في قطف الرؤوس وتجميعها في سلال المهملات الخسرانية، ودحرجتها على سفوح الإهلاك والتنكيل بالمعاني الإنسانية والقيم الحياتية، والأعراف اللازمة للحفاظ على القوة والعز ة والكرامة في أي مجتمع.
وللدين دوره الفتاك في قطع الرؤوس وإستبدالها بخيارات مناهضة للحياة، ذلك أن للدين سلطة هائلة كامنة في الأعماق، و أول قوة أذعن لها البشروسخرها الأقوياء لإمتلاكه.
فمنذ أولى الحضارات ما بين نهرين أو على ضفاف نهر وأنهار، والبشر يحكم البشر بواسطة الإرادة الدينية والإلهية، ولهذا كانت المعابد الأبرز والأضخم في عماراتها في جميع العصور، ولا تزال سلطتها قائمة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وفاعلة في الحياة ومقررة لمسير التداعيات المتفاقمة.
ذلك أن الأديان يمكنها أن تُسخِّر للقيام بأي شيئ، فهي القادرة على تسويغ الخير والشر وقلب الموازين والمفاهيم، وإستبدال الرؤوس بسرعة خاطفة.
وعندما يحضر الدين والعمل المنفعل المقترن به، فأن التأثير الإستبدالي للرؤوس يكون على أشده وفي أفظع حالاته ومراراته، وقد مرت البشرية بمواسم ونوبات إستبدال رؤوسها برأس واحد يهيمن على مصيرها ويلقمها الويلات، ويغرقها بأغادير النجيع وعواصف الآهات.
ولكي تواجه البشرية هذا الإستبدال القمعي للرؤوس عليها أن تنمي إرادة المعرفة وتفعّل العقل، وتربي الأجيال وفقا للمبادئ الوطنية الرحيمة الجامعة، المعتصمة بقيم صالحة واحدة لا يحق للبشر تجاوزها، وتضع خطوطا حمراء مصيرية، وتضرب بيد من حديد على رأس مَن يحاول أن يتجاوزها.
أي أن الأمم والشعوب لا تكون قوية وعزيزة من غير ثوابت صالحة لبقائها ونمائها، تتفق عليها وتقضي على من يتحداها ويتجاوزها.
تلك حقيقة خفية متحققة في واقع بشري متصاخب!!
***
د. صادق السامرائي