أقلام حرة

صادق السامرائي: تجريم العقل العربي!!

الدكتور محمد الجابري وجورج طرابيشي الذي أمضى ربع قرن لنقد كتاب نقد العقل العربي للجابري، ربما توهموا بطروحاتهم التي أغفلت العلة الأساسية، وركزت على ما هو قائم في المجتمع بسببها.

العقل البشري لا ينحط بل تدوسه الكراسي بقوائمها، ووفقا للنفوس المنفلتة الجاثمة فيها.

فلكل مفكر مشروعه الذي يتوهم بأنه الأصلح والأقدر على حل المشاكل، فيركنه في رفوف معتمة ويتفاخر بما سطره من تصورات وإستحضره من أفكار، كما في حال الجابري الذي رأى أن أزمة العقل العربي يمكن إختصارها بثلاثيته المعروفة،  البيان – فقه، والعرفان - صوفية، والبرهان - منطق.

قرأت في شبابي معظم كتب الأستاذ طرابيشي، والعديد من كتب الجابري، وبين الإثنين فرق كبير، وكنت اميل لرؤى الطرابيشي أكثر من الجابري رغم قدرته على الإقناع حاضرة.

وبعد أن توسعت قراءاتي وتجاربي، تبين بأن المفكرين العرب عدا عبد الرحمن الكواكبي، صاحب كتاب أهوال الإستبداد، لم يتناولوا جوهر العلة، وإنما يدورون حولها ويؤكدونها، وربما جرأة الكواكبي أدت إلى قتله بفنجان قهوة مسموم.

ترى هل كانت هذه التفاعلات إلهائية لتأمين برامج مرسومة وخفية ؟

الواضح المؤلم أن تنامي عدد المفكرين والفلاسفة العرب يتناسب طرديا مع تعضيل مشاكل  الأمة، وإمعانها بالإندحار في الغوابر.

وهذه الظاهرة تحتاج لوقفة جريئة ومحاولة متوثبة لسبر أغوار جوهر المعضلة.

ويبدو أن معظم الكتابات والدراسات تدور حول المشكلة، وتخاف تناولها والدخول في معادلات نفاعل عناصرها ومفرداتها.

إن للمفكرين والفلاسفة والمثقفين ونخب الأمة دور مؤثر في صناعة واقعها المعاصر، وما تعانيه من تخبطات وصراعات بينية خسرانية متراكمة، وعدم قدرتها على الإستثمار الرشيد بثرواتها، ورزوخها في قاع الأحوال الريعية الكسولة المرهونة بإرادة الطامعين.

ربما سيقول البعض أن القوى الخارجية مهيمنة على مصير دول الأمة، ومن المعروف أن أية قوة لا تتمكن من قوة أخرى إن لم تتوفر عناصر داخلية تتفاعل معها.

هكذا يحدثنا التأريخ، وفي زمننا يكون الإستعمار الفكري والنفسي سبّاقا ومؤهلا للهدف لكي يستكين لمستهدفه.

و"إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه... وصدّق ما يعتاده من توهم؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم