أقلام حرة
مزهر جبر الساعدي: أهم نتائج ملحمة الصمود الغزاوية
واحدة من أهم نتائج ملحمة الصمود الغزاوي، التي حركت المياه الراكدة في العالم، وفي المنطقة العربية، هي إعادة القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، حتى بات الحديث عنها، حاضرا في كل لقاء أو مؤتمر أو تصريح، وبالتحديد إقامة دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. هذا الحديث لا يقتصر على الساسة الأمريكيين، بل شمل كل المسؤولين العرب وحتى في الجوار الإسلامي.
ولكن كيف تتمكن أمريكا والغرب الاستعماري؛ من إجبار إسرائيل على الموافقة أو الجنوح إلى الحق والعدل؛ بإقامة دولة فلسطينية، وهي مجتمعة لم تتمكن من إجبارها على وقف مذابحها هذه على غزة، على الرغم من مضي ما يقارب الخمسة أشهر من القتال هناك؛ وكيف تستطيع لي ذراع إسرائيل وجعلها تقبل أن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وفي الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، من دون أي ضغط حقيقي وفعال عليها، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة في الدعوات التي ما انفكت تدعو لها أمريكا والغرب الاستعماري، وحتى دول التطبيع المجاني العربية، إذا افترضنا أن حسن النية متوفرة لدى مسؤولي أمريكا ودول الغرب، مع أن هذا الافتراض هو افتراض غير واقعي، فهذه الدعوة تعيد إلى الذاكرة؛ الدعوة التي كان قد أطلقها بوش الأب عام 1990، الغرض منها؛ تحجيم وامتصاص ردود الأفعال، سواء ما كان منها في الوطن العربي أو في الجوار الإسلامي أو في العالم.. نتنياهو حين أكد أن إسرائيل لا تريد أن تقام دولة فلسطينية، ما كان من أصحاب دعوات الاعتراف بدولة فلسطينية وضمها إلى الأمم المتحدة؛ إلا الصمت أو السكوت على تصريحاته.. المسؤولون الغربيون لم يردوا على نتنياهو، بل على العكس يستمرون في دعم إسرائيل بكل وسائل الدعم من الذخيرة والحماية من المساءلة الدولية عن جرائمها هذه، وهي جرائم لا مثيل لها في التاريخ. المسؤولون في المقاومة الفلسطينية، يدركون تماما، أن هذه الطروحات ما هي إلا لعبة للتخدير أولا، وثانيا لتصفية القضية الفلسطينية؛ بإيجاد الحلول البديلة التي ليس من بينها دولة فلسطينية حقيقية ومستقلة وذات سيادة كاملة غير منقوصة، بل دولة مقعدة بشلل رباعي؛ تحتاج إلى عون الآخر الصهيوني في ممارسة الحياة والتحرك على الأرض؛ لتوفير حاجات العيش.. بالشكل الذي يريده العراب الصهيوني، وليس كما تريد الدولة، التي تم أو سيتم وضعها على الكرسي المتحرك بأذرع الغول الإسرائيلي؛ الذي سوف تشعره هذه الدولة، أو توفر له الأمن والأمان والتحكم بها متى أراد. إقامة دولة منزوعة السلاح أولا، وثانيا منزوعة القرار، سواء في الداخل أو في المحيط العربي أو الإقليمي أو الدولي، ليست دولة. بعبارة أكثر دقة ووصف؛ هي حكم ذاتي لا دولة. من بين الأهم الذي عليهم، أي على أمريكا والغرب وحتى الدول العربية؛ أن يقوموا أو يعملوا على استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي يمنع الكيان الصهيوني من إقامة المستوطنات على أرض الضفة الغربية بصورة كاملة، وأيضا وفي السياق ذاته؛ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي؛ لا يدعو بل يجبر الكيان الصهيوني على إزالة المستوطنات من الضفة الغربية بصورة كاملة أيضا. إلا أن أيا من هذا لم يحدث أو لم يتحدث عنه أي مسؤول دولي أو مسؤول عربي أو اقليمي أو إسلامي، وكأن الأمر غير ذي أهمية، أو ليس له علاقة بإقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. عليه فإن هذه الدعوات ما هي إلا ذر الرماد في العيون، وليس لها اي وجود حقيقي في أجندة الدول العظمى، وأولها وفي مقدمتها أمريكا والغرب الاستعماري.
إن إقامة دولة فلسطينية بالاعتماد على أمريكا والغرب الاستعماري وحتى روسيا والصين، وايضا الدول العربية وما اقصده بالدول العربية هي الأنظمة وليس شعوب العرب؛ هو وهم كبير فالحرية تؤخذ ولا تعطى، والشعوب بالجهاد والنضال والكفاح؛ تجبر المحتلين على المغادرة. دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى أقل تقدير واحتمال ما كان لها أن تستمر في احتلال فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، وتواصل رفضها سواء المخفي سابقا أو الظاهر حاليا؛ لولا الدعم الأمريكي اللامحدود، والمفتوح بلا حدود وكوابح ومحددات. من المعروف؛ أنه لا بد للدول؛ أن يكون لها رأي وموقف يؤخذ بهما، ويكون لها اعتبار وأهمية في ما يخص علاقاتها أو تأثيراتها في المحيطين الإقليمي والدولي؛ وهو استثمار مواقعها الجيوستراتيجية، كما هو موقع الوطن العربي، إضافة إلى الثروات المعدنية وعلى وجه التخصيص؛ النفط والغاز. إن الأنظمة العربية لم تستثمر هذا في علاقتها مع القوى العظمى والكبرى؛ وفي فرض مواقفها ورؤيتها السياسية بما يحفظ لها حقوقها وبالذات حق الشعب العربي الفلسطيني؛ كون القضية الفلسطينية هي كما قالوا في السابق، وهي كذلك من الناحيتين الواقعية والموضوعية؛ قضية العرب المركزية. كما أن كل المصائب في الدول العربية، وجميع كوارثها، ومنها الاحتلال وتخليق الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية في هذه الدول والشعوب العربية؛ هي التأمين المستدام لأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل إن القوى العظمى والكبرى هي من استثمرت هذه القدرات والإمكانيات العربية لصالح سياساتها، سواء في المنطقة العربية أو في المحيط الدولي، أو في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي. كمثال وليس الحصر؛ النظام السوري؛ لم يتحرك ولو خطوة في دعم غزة الصامدة. لماذا؟ لأن روسيا تمنع النظام من التحرك في هذا الاتجاه إلا حسب خططها ورؤيتها هي، وليس النظام السوري، الذي يتعرض منذ سنوات إلى هجومات إسرائيلية تكاد تكون يومية. روسيا تمنع النظام من أن يفعّل منظومة أس 300 وأس 400 ولو فعّلها؛ لما تعرض الجيش السوري لكل هذه الهجومات. الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول العربية، ولو بدرجات وأوضاع مختلفة ومتباينة، لكنها كلها تقع على الخط ذاته. الاستثناءان الوحيدان هنا هما حركة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في جنوب لبنان، ولو أن الأخير يوفر الدعم للمناضلين في غزة؛ بطريقة الاشتباك المسيطر عليه حتى اللحظة. وفي رأيي، ربما كبيرة جدا؛ أن يخرج هذه الاشتباك عن السيطرة؛ بإرادة صهيونية. حركة أنصار الله في اليمن؛ هي الوحيدة التي وفرت دعما غير محدود، بل مؤثرا جدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى عرابيها الأمريكي والغربي. ماذا لو فُعِلَ العرب من أجل دعم المقاومة الفلسطينية؛ الموقع الاستراتيجي والثروات؟ هل تستمر أمريكا في مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المذابح في غزة؟ الجواب: كلا وألف كلا، بل العكس تماما هو من يتسيد الواقع لصالح نضال الفلسطينيين.
***
مزهر جبر الساعدي