أقلام حرة
جميل حسين الساعدي: عصر الفاشية التكنولوجية ونهاية الإنسان
الإنسان بدأ بالإضمحلال، فالتكنولوجيا أصبحت تحدد مصيره وتتحكم فيه إلى درجة جعلته يشعر بالإغتراب، ويبتعد عن طبيعته ككائن بشري، له حرية الإرادة والقدرة على التصرف في إدارة أمور حياته، فهو أصبح خاضعا بالإكراه، لما تمليه عليه الأنظمة التكنولوجية، التي اقتحمت حياته في أدقّ تفاصيلها، فهو لم يعد سيّد نفسه، وسلبت منه حرية القرار والإختيار، فهو خاضع ومسيّر.
في دائرة، لا يمكنه الخروج منها، فهو أمام جبروت أقوى من جبروت الأنظمة الدكتاتورية والفاشية، إنه أمام فاشية الآلة، التي اختزلته من إنسان إلى رقم محفوظٍ في ذاكرة الكمبيوتر، وإلى إنسان مراقب في تحركاته وتصرفاته من قبل الكاميرات، التي انتشرت في كل مكان بدءأً من المكان ، الذي يسكن فيه مرورا بالطريق، الذي يسلكه وانتهاءا في المكان، الذي يتناول فيه فنجان قهوته أو وجبة غدائهِ أو عشائهِ، فهو يحسب لكل حركة حسابها، فهو مراقب وملاحق ليس من من مخلوقات منظورة ، بل من أجهزة خفية، تفوق أذكى أجهزة الأمن البشرية . وهو لم يعد آمنا في عمله، فالإنسان الآلي متواجد في المصنع وفي المطعم، وسيغزو كلّ مرافق الحياة، فهو في خوف وقلقٍ مستمر أن يسستغنى عنه، ويصبح عبدا مقهورا أمام آله صماء، تسيّرها قوة بشرية، تنظر إلى نفسها على أنّها الصفوة المختارة من بين كلّ البشر، والتي تسعى للإستحواذ على الإنسان كليا وتصادر كلّ ما لديه من إمكانيات، وتسخّرها لاهدافها، حتى لو كان في ذلك تخريب طبيعته وما لديه من عواطف ومشاعر، وإذا استدعى الأمر إلغاء وجوده ككائن حيّ . فالحرب القادمة سلاحها هو النيترون أو ما يسمى بأشعّة الموت، والتي ستقضي على كلّ مظاهر الحياة وتبقي على المصانع والمباني والممتلكات . الفاشية الحديثة صمّاء، ولا يمكن التحدث معها كالفاشيات القديمة . إنها فاشية غير منظورة، تحجم الإنسان، وتحسب عليه حركاته وأنفاسه إلى الحد الذي يشعر فيه بالإختناق في عالمٍ يدّعي أنّه حرّ، ويتبجّح بالحرية. إنها فاشية خفيّة، ومن المحتمل أنّ كوفيد 19( كورونا) كان وجها من وجوهها الكثيرة.
***
جميل حسين الساعدي