أقلام حرة
حاتم جعفر: محكمة التفتيش البغدادية
(عود على بدأ لصفحات لم ولن تنسى من المجد والكرامة)
لم تخطىء كثيرا رئاسة الوزراء العراقية حين ردت على استفسار المحكمة الجنائية المشكلة لمحاكمة الصحفي منتظر الزيدي، معتبرة زيارة الرئيس الامريكي للعراق قد تمت بناءا على دعوة رسمية وجهت له من قبلها. وعلى ما أرى فقد كان من الاولى الاجابة على ذلك التساؤل بالقول: بأن الرئيس جورج بوش الإبن، هو من وجّه الدعوة للرئاسات الثلاث في العراق، رئيس الدولة العراقية، رئيس البرلمان وأخيرهم رئيس الوزراء. وليس هناك من ضير في ان تكمل,لو أكملت، بأنه قد تم استقبالهم جميعا في قصر الرئاسة الامريكي المقام في بغداد والمخصص لتلك الزيارات.
عن تلك اللحظات التي نتحدث عنا فقد كرماء والى أبعد الحدود، حين قمنا برفع وحضر كل الاجراءات الرسمية البرتوكولية التي ينبغي الالتزام والقيام بها في هكذا مناسبات. وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من جهتها، نقلت مراسيم استقبال كل المسؤولين العراقيين، وكيف كان الرئيس الأمريكي يرحب بضيوفه (الكرام) وعلامات الدهشة والتعجب بادية على محياهم جميعا، وكذلك تلك الحفاوة والحرارة الفائقة والتكلف الزائد عن اللزوم حين المصافحة، أيضا العناق الخاطف على والطريقة الغربية وليس على الطريقة الشرقية التي إعتدنا عليها، مما يثبت ثانية بأن مراسيم الاستقبال قد تمت في حضرة الرئيس الامريكي وتحت ظلاله الوارف.
والشيء الاخر الذي يثبت بأننا في ضيافة الرئيس، هي الحيرة التي انتابت المسؤولين في تحديد المكان والكيفية التي دخل منها الى بغداد. فأبو جعفر المنصور طيب الذكر حين بنى عاصمته، وضع في حسابه ضرورة السيطرة الامنية على مداخلها وزاد من أعداد العسس مخافة الاعداء وذوي النوايا السيئة (لا أدري ان كان الامريكان يعدون من هذا الصنف أم لا) ومن اي البوابات ولج فخامة الرئيس المفدى، فهل من باب المعظم أم من الباب الشرقي أم من باب القبلة في الكاظمية أم شطحت به الجغرافيا ودخل من باب الطوب في الموصل أم أن الحقيقة تقول، بأنَّ أبوابنا باتت مشرعة، لليسوه والميسوه وصار العراق (خان جغان).
هل تتذكرون حين حط الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الإبن بطائرته الخاصة مضارب الدليم في غرب العراق، وجعل من خيمة رئيس مجالس الصحوات في العراق آنذاك الشيخ أحمد ابو ريشة مكان استقبال ضيوفه من قادة الدولة العراقية الجديدة؟. هل تتذكرون كيف قطع هؤلاء الزعماء التزاماتهم الرسمية وغير الرسمية وتداعوا تباعا وبسرعة قياسية، من أجل تلبية الدعوة ورغم أنوفهم للقاء بالرئيس الامريكي، وعلى أرض ليس هناك من خلاف على عراقيتها.
قد يتهمني البعض بعدم اطلاعي بشكل كافي على ما يجري من تطورات سياسية وادارية في أرض السواد، خاصة واني قد قضيت أكثر من نصف عمري مغتربا أو هاربا ان شئتم، فلربما يكون قد صدر مرسوم رئاسي، على حين غفلة مني ومن غيري، يقضي بجعل احدى مدن الانبار عاصمة صيفية للعراق الجديد، علما ان فكرة العاصمة الرديفة هو نظام معمول به في بعض الدول، حيث تجعل من احدى مدنها المهمة عاصمة اقتصادية أو ثقافية.
وشروط الدولة الكاملة السيادة وغير المنقوصة، معروفة المعالم وجرى تثبيتها في المواثيق التي أقرها المجتمع الدولي وهيئاته. وبالنسبة للعراق فهو عضو كامل السيادة وكما يُفترض ومنذ العشرينات، وجرى تدعيم ذلك في الأربعينات ومع تأسيس المنظمة الدولية والتي سميت حينذاك بعصبة الامم، وبحدوده المرسومة والمقرة، والتي توارثناها أبا عن جد. وعندما تحدث المنازعات بين دولة واخرى بسبب تجاوز ما، سيتم الشروع بحلّها عبر الطرق الدبلوماسية، واذا ماعجزا عن ذلك فسيتم التدخل وبناءا على طلب يقدم من قبل هذه الجهة او تلك، وصولا الى حل الازمة. وعن ذلك فهناك في ذلك فهناك أمثلة كثيرة، ابتداءا بمشكلة المياه وانتهاءا بتعديل الحدود وترسيمها.
اذن هناك آلية دولية، جرى اعتمادها من أجل حل أي النزاعات بين دولتين أو أكثر. غير اننا العراقيون، بُتنا امام مأزق كبير بل كارثة حقيقية، فالامر لايتعلق بخلاف حدودي بسيط، بل نحن تحت وطأة احتلال غاشم، بسط سيطرته على كافة المنافذ والحدود، وعلى أرضه وسماءه ومياهه، والاتفاقية الامنية التي عقدت بين امريكا والعراق، أكدت وكررت وللمرة الالف، بأننا بلد محتل والسلطات المهمة جلّها تحت قبضته، فما من تشكيلة وزارية ولا من اقرارميزانية ولا من علاقات دبلوماسية ولا.. ولا .. الا وكانت تحت رغبته وإرادته، او على الاقل بدراية وعلم منه. واذا ما تساهلنا قليلا وخففنا من غلواء هذه التهمة، فهي أي (قوات الاحتلال)، مَنْ إرتضت لنفسها أن تكون كذلك وتحمل هذه الصفة ودونما إكتراث أو إلإلتفات للشرعية الدولية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.
والحديث عن استقلال القضاء العراقي هو ضرب من ضروب الإدعاء والتمني ليس الاّ. فقد كان امام الجهاز القضائي فرصة ذهبية ليثبت مدى استقلاليته ووطنيته، وذلك خلال مجريات المهزلة التي تم فيها محاكمة الصحفي منتظر الزيدي. فبدل من ان تصدر قرارها الجائر بحبسه ثلاث سنوات، كان عليها ان تفرج عنه فورا، ويجري تكريمه، لتصديه لشخص غير مرغوب فيه، وأيضا لإختراقه الحدود ودخول البلاد بدون إذن، وكذلك لعدم توجيه دعوة رسمية من قبل الحكومة العراقية للسماح له بزيارة البلاد.
واذا كانت الحكومة العراقية قد إستهدفت من وراء محاكمة الصحفي العراقي رد الاعتبار (لكرامة الرئيس) التي هدرت بسبب من تلك الفعلة، فالوسيلة التي وُضفت في إهانة مَنْ سميتموه ضيفا، لم تكن لترتقي الى اسلحة الدمار الشامل التي أستخدمت في تدمير العراق، ولم تهدر كرامات العراقيين من قبل كما هدرت على أيدي قوات الاحتلال في سجونها، والتي أقامتها خصيصا للمقاومين والمتصدين لمشروعها. كذلك ليس بجديد في أسلوب التعبير الغربي حين الاحتجاج على زائر بتلك الوسيلة او بأخرى كالبيض الفاسد. بالمناسبة وعلى ذكر البيض الفاسد فقد قررت احدى المحاكم البريطانية تغريم أحد مواطنيها بغرامة مالية، تساوي قيمتها غسل وكوي الملابس التي ألحقَ الضرر بها، بسبب القاء البيض الفاسد على أحد المسؤولين الكبار. وفي حادثة منتظر لم يقع أي ضرر فاحدى الرميتان أخطأت الهدف وفي الثانية جرى تلافيها بأعجوبة. والى رمية أخرى قد تصيب الهدف, ولاندري على من ستكون.
وللتذكير فقط، فبحوزة الشباب العراقي المعارض للعملية السياسية التي جاء بها المحتل، مختلف الأشكال والأنواع والقياسات من الأحذية ولكل المواسم، والتي تنتظر الإنطلاق نحو رؤوس يانعة، تستحقها بإقتدار عالٍ، وأعتقد أن أمر توقيتها قد دنى كثيراً.
***
حاتم جعفر - السويد ــ مالمو