أقلام حرة
محمد العربي حمودان: أمريكا وإسرائيل.. سَيِّدٌ وَمَوْلاه
"سقوط الولايات المتحدة داخل المعطف الصهيوني" كان هذا -أو كأنه هو- عنوان مقال قرأته في إحدى الدوريات الإسلامية في ثمانينيات القرن الماضي، ومازال هذا العنوان محفورا في ذاكرتي إلى يومنا هذا.
وجدير بالذكر، أنه في تلك الأيام كانت الصحوة الإسلامية في أوجها وعنفوانها، يومها كنت أنا الفتى المراهق من بين أولئك الذين يمكن تصنيفهم ضمن القطاع الرابع، بحسب تصنيف الأستاذ "فهمي هويدي" في كتاب (الصحوة الإسلامية رؤية نقدية من الداخل)مؤلف جماعي.
والقطاع الرابع بحسب التصنيف أعلاه هو ذلك الجزء من جسم الصحوة المتجسد في تلك الجموع الغفيرة من الناس التي لم تكن مسيسة ولا منظمة و التي كانت تتبنى المشروع الإسلامي كما كانت تطرحه الحركة الإسلامية في كل من المغرب والمشرق الإسلاميين.
وللأمانة فإن القطاع الرابع بدوره كان ينقسم إلى فئتين: فئة ملتزمة بمقتضيات أحكام الشريعة في مختلف مناحي الحياة، وفئة كان التزامها على المستوى التصوري أكثر و أكبر من التزامها السلوكي، إذ كان يعتري هذا الأخيرَ قصورٌ هنا وهناك (وخلق الإنسان ضعيفا) سورة النساء.
وفي ذلك الجو كان مصطلح الصهيونية يُعَرَّف على أنه حركة يهودية صرفة، وأن هذه الأخيرة هي التي تشكل الرؤية الصهيونية للعالم،مع الرفض القاطع لأي محاولة تهدف إلى التمييز بين اليهودية والصهيونية، على اعتبار أنهما وجهان لعملة واحدة، طبعا كان يكرس لنا هذا المفهوم مفكرون وكتاب كانوا ملء السمع والبصر، وعلماء دعاة كانوا نجوما حقيقيين، وقد كان لهم دور كبير جدا في تشكيل العقل و الرأي العام الإسلاميين.
كما كنا لهم نقرأ، ومنهم نسمع بأن الصهيونية إنما هي تلك الجمعية السرية، التي أسسها يهود منذ فجر التاريخ الإسلامي، وهي التي اغتالت الفاروق عمربن الخطاب ومن بعده ذا النورين عثمان بن عفان رضي الله عنهما وهي نفسها التي اغتالت الملك فيصل، وغيره من العلماء وأصحاب الكفاءات العالية إلخ... رحم الله الجميع، وهي نفسها التي أسقطت أمريكا داخل معطفها بحسب العنوان الذي مر معنا آنفا.
وقد كان هؤلاء العلماء الكبار كثيرا ما يؤكدون أطروحتهم بخصوص الصهيونية، من حيث مفهومها وقدرتها على نسج المؤامرات الرهيبة، بما ورد في كتب كانت حينئذ أشهر من نار على علم من مثل كتاب (بروتوكولات حكماء صهيون)، وكتاب (حكومة العالم الخفية)، و(احجار على رقعة الشطرنج)إلخ....
وما أراني أذيع سرا إذاما قلت بأنني كثيرا ماكنت أهمس لنفسي قائلا: إذا كانت اليهودية والصهيونية شيئا واحدا، فلماذا يا ترى أباح الإسلام لنا نحن المسلمين مؤاكلة اليهود بل ومصاهرتهم!؟ وكيف نفهم قوله تعالى :(لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم.إن الله يحب المقسطين) سورة الممتحنة. وقوله تعالى: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) سورة المائدة.
إلى أن ظهرت دراسات علمية رصينة، أخذت على عاتقها فك الإرتباط بين اليهودية والصهيونية بمعنى أنه ليس كل يهودي صهيونيا وليس كل صهيوني يهوديا بالضرورة، وأن اللوبي الصهيوني نفسه ليس قاصرا على اليهود، وأنه يضم نخبا أخرى غير يهودية بل وحتى مَنْ هم لليهود كارهون، إذ إن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية المطاف هي اللوبي الحقيقي.وبذلك تم نزع تلك الهالة عن اللوبي الصهيوني الذي يعتبره "البروتوكوليون" -كما سماهم الراحل عبد الوهاب المسيري وهم الذين يؤمنون بأن بروتوكولات حكماء صهيون هي فعلا من تأليف اليهود بينما هي وثيقة منحولة عليهم - تجليا من تجليات الصهيونية العالمية، ليثبت بالحجج الدامغة، والبراهين الساطعة كيف يستمد هذا اللوبي قوته التأثيرية من مدى خدمته لمصالح الإمبريالية الأمريكية بالدرجة الأولى. وأن الكيان الإسرائيلي برمته لا يعدو كونه كيانا عميلا ذا مهمة وظيفية لاغير.
وهذا ما توضحه تللك المحادثة التي دارت بين تيودور هرتزل وملك إيطاليا إيمانويل الثالث في إحدى المناسبات حيث قال هرتزل:" إن نابليون كان قد دعا إلى عودة اليهود إلى فلسطين" فأجابه الملك قائلا:" إن ماكان يريده -أي نابيون- هو أن يجعل اليهود المشتتين في جميع أنحاء العالم عملاء له"وهذا ما كان يؤمن به تشمبرلن وزير خارجية بريطانيا باعتراف الهالك هرتزل نفسه.الأمر الذي يفيد عكس وخلاف ما هو مقرر في (البروتوكولات) "من أن اليهود سيسيطرون على العالم وسيسخرون البشر لخدمتهم"(البروتوكولات واليهودية والصهيونية) عبد الوهاب المسيري.
فلا غرو إذن أن يعيد بايدن مقولته التي كان قد صرح بها في منتصف ثمانينيات القرن الماضي والتي ذكر بها العالم عندما زار مَواليه في تل أبيب ليشد من أزرهم عند اندلاع معركة طوفان الأقصى:"لولم توجد إسرائيل لكان علينا إيجادها" وقبله قال سلفه ريغن:"إسرائيل تحمي آبار البترول ومصالحنا في المنطقة" ومثل ذلك قال الذين من قبلهم وسيقوله الآتون من بعدهم.
ومع كل ما تقدم مازال الكثير من الذين لاندعي المزايدة عليهم، بخصوص إدراكهم لحقيقة الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي تند عن أقلامهم، وألسنتهم عبارات وثيقة الصلة بالتفكير "البروتوكولي" فعلى سبيل المثال لاالحصر منذ أيام وعلى "تلفزيون العربي" سئل الدكتور عزمي بشارة عن رأيه بخصوص
اتصال بايدن شخصيا بأهالي الأسرى أوببعضهم ، فرجح لديه أن يكون نفاقه للصهاينة هو سبب ذلك!ولست أرى ما الذي يجبر بايدن على أن ينافق مَواليه، بل الصواب هو أن ذلك يأتي في إطار تفقد الرجل لأحوال أولئك الذين يستخدمهم وقودا، من أجل الحفاظ على قاعدة بلاده العسكرية والأمنية المتقدمة، والتي تغنيه في الحفاظ عن مصالح بلاده في المنطقة، عن عشر حاملات الطائرات تبلغ تكاليفها عشرات البلايين من الدولارات،"ولن يستطيع أي رئيس أمريكي أو كونجرس أن يسمح بتدمير إسرائيل" (الفرصة السانحة) رتشارد نيكسون.
واللافت في الموضوع هو أن الدكتور عزمي نفسه، عاد ليقول في نفس اللقاء بأن أمريكا قادرة على إعطاء تعليمات لإسرائيل بوقف إطلاق النار، وهذا هو الصواب وهذا ما أكد عليه أمين عام حزب الله في معرض حديثه عن معركة طوفان الأقصى في خطابه الأخير، حين قال:"إن الولايات المتحدة الأمريكية هي من تدير الحرب وبالتالي فالضغط ينبغي أن يكون على هذه الإدارة". وفي هذا السياق نقرأ طلب نتنياهو من الرئيس بايدن، ولي نعمته التدخل لتحسين شروط المفاوضات مع حركة حماس فيما يخص تبادل الأسرى لصالح إسرائيل.
من خلال ما تقدم وهو قليل من كثير، فإن الأمريكيين هم السادة أما الإسرائيليون فليسوا سوى مَوالي، نعم موالي لأصحاب الصراع الرئيسيين، واذكر معي عزيزي القارئ ماقاله القائد البريطاني الشهير (جلوب باشا):"إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد".ومن ثم فالصهيونية ظاهرة استعمارية غربية وقودها يهود و ديباجاتها اليهودية (الصهيونية والحضارة الغربية)د.عبد الوهاب المسيري."طَلَعَ الصَّباَحُ فَأَطْفِئوا الْقَنْدِيلا".
***
محمد العربي حمودان