أقلام حرة
شاكر عبد موسى: المرأة الإيرانية ما بعد مهسا أميني!
حينما جاء حزب البعث الى السلطة في العراق عام/ 1968 رفعوا شعار التغيير والقضاء على الفساد والتخلف ودعوا الشعب الى التحرر من الماضي، ومما يدل على ان الشعوب تريد الحرية والانفتاح اندفعوا بحماس في التحرر من كل القيود، ودعوا المرأة الى التحرر من القيود الاجتماعية والعشائرية والمساهمة الفعالة في تنفيذ التنمية الانفجارية، حينها ظهرت في العراق موضة الملابس القصيرة (التنورة والكوستم وما الى ذلك) وكان يُطلق عليها (الميني جوب) وقد غزت تلك الموضة العالم كله وليس العراق فقط، كأحدث تقليعه في عالم الأزياء النسائية.
لكن تلك التقليعة الحديثة في عالم الأزياء لم ترق الى عضو القيادة ونائب رئيس الوزراء آنذاك (صالح مهدي عماش 1924- 1985) فما كان منه وباعتباره وزيراً لداخلية النظام الحاكم سوى أن يصدر أمراً بصبغ سيقان كل فتاة تلبس (الميني جوب) بالتنسيق مع أمانة العاصمة.
تفاجأ أهالي بغداد صباحاً بعمال (أمانة العاصمة) وهم يحملون (السطل والفرشاة) لتنفيذ أمر السيد الوزير، وحدثت مشاكل ومواقف صعبة ومحرجه للكثير من النساء والعوائل بسبب ذلك الأمر والتصرف الشخصي، وبدأت الصحف بالكتابة عن الموضوع بسخرية تامة.. مما أضطر الحكومة الى ألغاء الأمر فوراً بعد أن تعرضت أحدى الفتيات الى عملية دهس من سيارة مسرعة أثناء هروبها من عمال أمانة العاصمة المغلوب على أمرهم.
كذلك في أيران،فمنذ انطلاق الثورة الإيرانية عام/ 1979م وأستلام الحكم من شاه أيران المخلوع (محمد رضا بهلوي 1919-1980 ) فرضت السلطات الإيرانية الإسلامية الجديدة قيود إجبارية على المرأة الإيرانية حتى مقتل (مهسا أميني 2000- 2022) أو كما تعرف في مدينتها بـ جينا أميني.
ومن المعروف أنها توفيت في المستشفى في 16 سبتمبر 2022، بعد ثلاثة أيام عند احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في مدينة طهران العاصمة بتهمة انتهاك قوانين غطاء الرأس الصارمة.
وقد أثارت وفاتها أكبر موجة احتجاجات في إيران منذ الثورة عام/ 1979، وأظهرت النساء في جميع أنحاء العالم، دعمهن من خلال قص شعورهن كفعل تحدٍ.
وبما أني من مدمني السفر الى مدن أيران الجميلة جميعها منذ سقوط نظام (صدام حسين المجيد) عام / 2003 ورفع قيود السفر تدريجياً بين أيران والعراق... لأحظت أن هناك شرطة علنية وشرطة سرية تحاسب المرأة الإيرانية على ما يسمى غطاء الرأس (الحجاب) وتغطيت الشعر الظاهر للعيان، في حين لا يوجد حساب على تجميل الوجه ووضع المكياج ونفخ الشفاه والخدود.... الى أخر من عمليات التجميل النسائية.
كذلك في الأماكن المقدسة الإيرانية كـ (مشهد، قم، أصفهان)، تتواجد في تلك الأماكن نسوة مرشدات دين (زينبيات) ينصحن المرأة المارة قرب تلك الأماكن بلبس الحجاب أذا كان نازل على الرقبة كإنذار مسبق أو توجيه إرشادي لمن لا تلتزم بذلك.
ولا أعرف من أفتى بهذه القنبلة الموقوتة، والتي تقول (بأن شعر المرأة عورة) ويجب المحاسبة عليه، ولكني أرى أن من يقف وراء ذلك رجال دين متشددين وليس رجال سياسة وسلطة عامة.
ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين، انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة، منذ بداية ما يسميه البعض (الصحوة الإسلامية).
فمن مجتمعات في ستينيات القرن العشرين لا تعرف هذا الزي، لدرجة أن طالبات مدارس الأزهر في مصر لم يكنَّ يرتدين الحجاب، إلى ظاهرة تكاد تسيطر على مجتمعات إسلامية بأكملها في عصرنا الحالي.. حينها كانت نسبة التحرش بالنساء في الدول العربية والدول الإسلامية أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم نساء المسلمين في معظم دول العالم، وأصبح حجاب الرأس ميزة تميز المرأة المسلمة حتى في أوربا وأمريكا.
وصاحَب انتشار هذه الظاهرة احتقار لغير المحجبات، ونعتهن بكلمات مهينة مثل "سافرة" و"متبرجة" و"غير ملتزمة".
ومهما كان سبب هذه الظاهرة، سواء كان رغبة في الزهد أم خوف من عذاب الله وجحيم جهنم، أم ضغط مجتمعي لا يتسع المجال هنا لشرحه،، فإنها لا شك ظاهرة تحتاج للدراسة والتحليل وأول سؤال على الجميع أن يسأله : هل الحجاب فريضة على كل مسلم ومسلمة؟... أم أنها نوع من العادات والتقاليد المتوارثة عبر التاريخ؟. هذا السؤال متروك للجميع والراسخون في الدين.
***
شاكر عبد موسى/ العراق / ميسان
كاتب وأعلامي