أقلام حرة
مزهر جبر الساعدي: قرار (833) لترسيم الحدود بين العراق والكويت
اقرت المحكمة العليا العراقية بطلان مصادقة البرلمان على الاتفاقية العراقية الكويتية الخاصة بتنظيم الملاحة في خور عبد الله، كون ان المصادقة عليها لم تكن دستورية، اي انها جاءت او جرى المصادقة عليها بخلاف ما نص عليه دستور 2005؛ الذي يتطلب حضور ثلثي اعضاء البرلمان، وهذا هو ما لم يكن متوفرا عند المصادقة على هذه الاتفاقية، فقد حضر 80 – 85 من اعضاء البرلمان. كما ان المصادقة جرت في عام 2013، ولم تبدِ المحكمة او تقول رأيها في هذه الاتفاقية الا في الرابع من ايلول/ سبتمبر 2023. ان هذا التأخير يستفز عقل المتابع عن اسباب هذا التأخير وموجباته؛ أذ، لا يوجد ما يبرره. الكويت رفضت هذا الرفض العراقي لاتفاقية تنظيم الملاحة في خور عبد الله؛ والذي جاء عبر بطلان المحكمة العراقية العليا لهذه الاتفاقية. الكويت احالت هذه الاتفاقية الى قرار مجلس الامن الدولي 833 بأن الحكومة العراقية والبرلمان العراقي ملزمان بتطبيقه. هذا القرار أصدره مجلس الامن الدولي، في عام 1993، وقد اقرت به حكومة العراق للنظام السابق قبل 2003، في عام 1994. هذا الاقرار جاء على وجه الاضطرار في ظروف العراق المعروفة في ذلك الوقت حين كان يرزح تحت الحصار الجائر، وتحت البند السابع، الذي يسمح باستعمال القوة العسكرية في حالة عدم تنفيذ العراق لقرارات مجلس الامن الدولي، وكان قرار المجلس 833 هو واحد من حزمة قرارات، كان على العراق تنفيذها كاملة. إنما الحكومة العراقية في وقتها وفي قبولها بتنفيذ القرار، وفي مضمون رسالة قبولها به الى مجلس الامن الدولي؛ ابدت قبولها به مع تحفظها عليه، كما انها وفي ردها عليه؛ اكدت على اهمية الرجوع في تنفيذ هذا القرار الى الاتفاق العراقي الكويتي في عام 1963 والذي هو واحد من وثائق مجلس الامن الدولي، كون المجلس تبنى او ان المجلس صدر منه هذا القرار وفقا او تنفيذا للاتفاق العراقي الكويتي، والذي من ضمن حيثياته هو اعتراف العراق بالكويت دولة مستقلة، بما يتضمن هذا من تحديد حدود دولة الكويت. هذه الحدود هي في المطلاع وليس في صفوان؛ حسب قول المراقبون من ذوي الاختصاص القانوني من العراقيين؛ أن مئات من جوازات السفر مختومة بختم الدخول والخروج من المطلاع، وليس من اي مكان اخر على الحدود بين العراق والكويت. الكويت وبسبب انشغال العراق سواء بالحروب الخارجية مع الجوار العربي والاسلامي والداخلية ايضا، او بالانقلابات العسكرية، وصراعات السلطة؛ استثمرت هذا الانشغال، وقامت بالقضم المستمر للأراضي العراق، في البر وفي البحر، اضافة الى سرقة نفط العراق من خلال اتباع طريقة الحفر المائل، هذه السرقة كانت قد اقرت بها الحكومة الكويتية في حينها. مسألة نزاع الحدود بين العراق والكويت لم تكن وليدة اليوم، بل انها كانت منذ استقلال الكويت، ولا تزال حتى الآن. في عام 1973طلب العراق في عهد النظام السابق من الكويت؛ تأجير جزيرة بوبيان لفترة طويلة؛ كي يكون له اطلالة واسعة على الخليج العربي، يتم استثمارها في الناحيتين التجارية والعسكرية، لكن الحكومة الكويتية رفضت هذا الطلب العراقي. في عام 1977حدثت مناوشات على الحدود بين العراق والكويت وتم في حينها؛ وأدها في مهدها؛ من خلال او بواسطة تدخل الجامعة العربية. بالعودة الى الغاء المحكمة العراقية العليا؛ مصادقة البرلمان العراقي على الاتفاقية المذكورة؛ هذا الإلغاء جوبه بردود افعال متشنجة من الجانب الكويتي، ومساندة دول الخليج العربي للكويت والوقوف الى جانبه في هذا النزاع. السؤال هنا كيف يتم وعلى اي طريقة يتم تسوية الامر، او التوصل اتفاق بين الجانبين العراقي والكويت في حل هذا النزاع؟ من وجهة النظر المتواضعة؛ هناك طريقان لحلحلة هذا النزاع الحدودي؛ تحويل النزاع الى محكمة دولية، استبعد هذا الخيار على الاقل في ظروف العراق الحالية. وثانيا، ربما كبيرة جدا؛ يتم اعادة التصويت من جديد على الاتفاقية تحت قبة البرلمان. السؤال الثاني وهو السؤال الاهم والاخطر: ما الذي يجعل الكويت تصر على غلق منافذ العراق على البحر، وهي اصلا ثغور ضيقة جدا، كي يكون دولة منغلقة ليس لها مساحة تطل منا على مياه الخليج العربي، ومنه الى اعلى البحار؟ بينما من الجانب الثاني؛ ان الكويت لها مساحة كبيرة جدا، اكثر من 500كيلو متر؛ تشرف منها على سواحل الخليج العربي. ميناء مبارك هو الأخر ايضا ليست الكويت بحاجة له وفي هذا الموقع بالذات المطل على خور عبد الله، بحيث ووفق الاتفاقية بتسوية الملاحة في خور عبدالله ليس وفق خط التالوك الذي يعني ان يعبر التقسيم من المياه العميقة التي تصلح للملاحة، بل من خط منتصف في خور عبد الله، وهذا وحسب خبراء هذا الاختصاص، تكون حصة العراق من خور عبدالله في المياه الضحلة. من نافلة القول الاشارة هنا على ان العراق وفي السبعينيات كان قد قام بأعمال كبيرة جدا في خور عبد الله من الكري الى بناء المنشاءات وانفق فيها عشرات المليارات في حينها، ولم تعترض الكويت ابدا، ولم تشتكِ لا في مجلس الامن الدولي لا في الجامعة العربية. ان هذا الاصرار الكويتي على ألحاق الضرر بالعراق يثير لدى المتابع الكثير من علامات الاستفهام والاسئلة حول دوافع هذا التعنت والاصرار على هذا الطريق، خصوصا وان الكويت لا تحتاج الى الملاحة في خور عبد الله بالمطلق و لا ميناء مبارك. يجري كل هذا، في ظروف المنطقة العربية وفي جوارها؛ من مشاريع للقوى الدولية في حقلي طرق التنمية والممرات الدولية، سواء على البحار او على البر، والأخير؛ بشكليه السككي والبري، ربما ان هذه المشاريع الدولية كانت على الورق يوما ما وزمنا ما؛ حتى تم انضاج ظروف اقامتها على الارض؛ مما يعني اخراج العراق عمليا من هذه المشاريع ويظل ممر ليس الا.. للبضائع التي لا تنقل عبر موانئه، بل من الموانيء الاخرى، وفي ذات الوقت يكون رهينة للدول المحيطة به، وكما ايضا، للقوى الدولية الكبرى الراعية لهذه الدول المحيطة بالعراق، وللمشاريع المشتركة بينهما. في حالة تثبيت الحدود بين العراق والكويت وبالطريقة التي حددها القرار 833، وبالذات، بل على التحديد الحصري، الحدود البحرية؛ يكون العراق عندها، وفي حالة تنفيذ هذه المشاريع؛ مجبرا على الانصياع لإرادة الدول المحيطة به سواء العربية او غيرها، والدول الكبرى المشتركة معها في هذه المشاريع، والا فانه يموت اقتصاديا وتجاريا. هذا من جانب اما من الجانب الثاني؛ ان تقليص مساحة الساحل العراقي المطل على الخليج العربي؛ يقلص ايضا الجرف القاري والمياه المتاخمة، والمياه الاقتصادية؛ مما يسلب من العراق حقوقه في هذه المياه. جزيرة الدرة اذا كان خور عبد الله وكما هو في الحقيقة التاريخية، عراقي بلا ادنى شك؛ تقع تلك الجزيرة في المياه الاقتصادية العراقية، مما يعني ان حقل الدرة عراقي من غير ان يكون مشترك لا مع الكويت ولا مع السعودية ولا مع ايران.
***
مزهر جبر الساعدي