أقلام حرة
محمد سعد: حوار على كوبري المحطة!
هل تتغير عندما تتجاوز الأربعين أو الخمسين...؟!
نعم أنا أتغير..، هذا ما قاله لي رجل من قريتنا. شارف على ال80 عاما من العمر، فسألته: ما الذي تغير لديك...؟، يقول: فبعد أن كنت أحب أشقائي وزوجتي وأولادي وأصدقائي فقط، بدأت الآن أحب نفسي معهم...
فقد أدركت للتو أنني لست مثل“ أطلس ”في أساطير اليونان، والعالم لا يقف على ظهري. ولم يتوقف...!
نعم، أنا أتغير.
لقد توقفت منذ مدة عن مساومة بائع السمك والفواكه والخضار والجزار، في النهاية، لن تزيدني بعض القروش غنى، لكنها قد تساعد ذلك البائع المسكين على توفير مستلزمات الحياة والغلاء الفاحش وجنون الأسعار ومستلزمات المدرسة لأبنائه...!
صرت أدفع لسائق التوكوتك والسيارة الأجرة من دون انتظار الباقي. فقد تضع المبالغ الإضافية ابتسامة على وجهه. على أي حال إنه يكد من أجل لقمة العيش أكثر مما أفعل أنا اليوم...!
لقد تعلمت عدم انتقاد الناس حتى عندما أدرك أنهم على خطأ. فبالتالي لم يعد يهمني إصلاح الناس وجعل الجميع مثاليين. إن السلام مع الكل أفضل من الكمال الوهمي...!
صرت أمارس فن المجاملات بسخاء وحرية بلا نفاق. إذ تعلمت بالخبرة أن ذلك يحسن المزاج ليس فقط لمن يتلقى المجاملة، ولكن خصوصا بالنسبة لي أيضا...،
تعلمت ألا أنزعج عن تجعد يحدث على الجلباب او قميصي او اتساخ فية. او انزعج أمام المرايا من تجاعيد الوجة وشيبة الشعر...! بالتالي إن قوة الشخصية أهم بكثير من المظاهر...!
تذكرت انا الفلاح الفصيح المثقف في قريتنا الشيخ صالح ابو قورة... قال لي يوما... يقابل الإنسان علي مظهرة. ثم يودع علي عقليتة...!
قال:- صرت أبتعد بهدوء عن الناس الذين لا يقدروني. فبالتالي قد لا يعرفون قيمتي، لكنني أنا أعرف جيدا من أنا...!
لذلك سمحت لك أن تقترب وتجلس وتحاورني. لمعرفة قيمة من يقدرني.!! وأصبحت لا أهتم لمن يخذلني فأنا أعلم أن الله يصرفهم عني لأنهم لا يستحقون أن يكونوا في دائرة أهل الفضل بل وانهم طردوا من باب الإحسان وتولوا معرضين...!
هل تغير الوضع في المجتمع الريفي والفوضي تجعلك عصبي...؟!
قال؛- لقد صرت باردا كالثلج عندما أواجه أحدهم يستفزني بعدوانية كي يدخلني في جدل عقيم على أي حال، في النهاية، لن يبقى من كل الجدالات شيء، وأنا لم أعد أتحمل...!!
نعم، لقد تغيرت...!
إنني أعمل كل ما يجعلني أشعر بالسعادة. وأن أستمتع بحياتي... فالعمر يمضي... والقطار سريع وانتظر القطار في المحطة القادمة...!!
المال والبنون زينة الحياة... كما أخبرنا القرآن الكريم.،
قال:- أولادي جزء من حياتي وليس كل حياتي... وأن أستمتع بعلاقتي مع الله... وأكثر من طاعاتي... لم بتبقي من العمر الكثير
قريبا سوف يذيع المذياع في القرية عن موعد جنازتي. وسوف يسأل رجل عابر من مات. ثم يسأل آخر من القارئ في السرادق المقام، ويشربون الناس القهوة. ويخرجون من السرادق ولا يذكرني أحد في اليوم التالي...!! فبعد موتي... كم من سيذكروني؟ ولمتى...؟؟
وبالتالي فهمت بأني أنا المسؤول عن سعادتي في الدنيا والآخرة...!!
***
محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري
في الجغرافيا السياسية