أقلام حرة
جواد غلوم: عيادات تجميل أم عيادات تقتيل؟!
"شيء ضئيل من الواقع الصحي المتردي في العراق"
لنعترف بملء أفواهنا ونقرّ بما في أنفسنا إننا في بلاد النهرين – والان هي بلاد القهرين – قد أصبحنا في الصفوف الخلفية بين الدول التي فتكت بها الأمراض وعمّ فيها الواقع الصحي السيئ للغاية لاسباب كثيرة يطول شرحها منها تأثيرات الحروب الطويلة واستخدام الأسلحة المحرّمة دوليا يعرفها القاصي والداني وزاد الامر سوءاً فقدان التأمين الصحي السليم والخدمات الطبية المتردية الى حد كبير، فالمبتلي بمرض ما - وأنا أحدهم - نراه اليوم يهيم هنا وهناك ليتصيده الطبيب القليل الخبرة وضعيف الدربة والمران ثم يدفعه الى المختبرات لإجراء التحاليل والإشعاعات اللازمة ليقع اخيرا في نقمة الصيدلي ليفرغ اخر مداد المال مما في حيازته ويعود الى بيته خالي الوفاض الا من جيبه الفارغ وينهل من الأدوية التي غالبا ما تكون غير فعّالة بسبب الغش العائم فيها وتصنيعها من المناشئ غير الرصينة وهكذا تستمر دورة المراجعات بين العيادات ودكاكين باعة الأدوية وغرف التحاليل ولا من بارقة امل في الشفاء الا ما ندر جدا بحنوّ الله تعالى لا برعاية الجهات الصحية .
بعدها يضطر العليل المصاب الى حزم حقائبه ليسافر الى بلدان الجوار وغير الجوار مستدينا من اهل الخير والمعارف والأصدقاء لعله يجد بلسما شافيا وأيادي سخية حانية تلئم جراحه النفسية والجسدية .
هنا اريد ان انبّه الى حالة خطيرة وكارثة اخرى ربما تفوق في ويلاتها ما يصيب الانسان من اسقام عضال تدمر ابناء شعبي المغلوب على امره نتيجة شيوع مرض نقص المناعة المكتسبة وما يسمى " الايدز " في بلادي بشكل يكاد يثير الفزع بسبب انتشاره .
وبعيدا عن الفوضى الجنسية التي سببت تفشّي وانتشار هذا المرض القاتل وعمليات نقل الدم العشوائية غير المنضبطة وارتياد بيوت الدعارة غير المؤمنة وعديمة المراقبة صحياً ومراكز المساج المشبوهة التي بدأت تكثر بشكل مخيف خصوصا في العاصمة بغداد، لكن هناك بؤرٌ اخرى قد لا يلتفت اليها غير العارف والمبصر بعواقب الامور ؛ الا وهي صالونات التجميل وخصوصا مزوّقي الوشم وصنّاع ما يسمى بالتاتو ودكاكين وعيادات الحجامة التي أخذت بالشيوع والانتشار الى حد غير معقول وما تستخدمه من أدوات حادة لا يتمّ استبدالها او حتى تعقيمها بين مريدي هذا الصنف ممن يهوى إشاعة الوشم في جسده ويستسيغ نقشات التاتو فيفاجأ – بعد تحليل دمه عندما تقتضي الحاجة – انه مصاب بالايدز دون ان يدري فهذا المرض القاتل الغادر يسري في الجسد بصمت في أول دخوله اليه دون ان يُظهر أوجاعا وأعراضا بائنة الاّ بعد ان يتفاقم ويتّسع ليهدّ الانسان المبتلي به ويودي به الى عالم الأموات حتما .
ايّة كارثة مدمرة وايّ هول مرعب حينما يتعرض شاب عشريني يافع لعارض صحي بسيط فيلجأ الى فحص دمه ليكشف مرضه ويفاجأ على حين غرّة انه مصاب بنقص المناعة وقد بدأ الآيدز يفعل فعله ويجول جولته الاولى لتحطيم ميعة الصبا وتمزيق ريعان الشباب والفتوة وهذا ما شاهدته قبلاً في فيلم فيديو أصابني بالهلع والفزع .
لست ضد ان يمارس الشباب هذه التقليعات والمظاهر التي قد تؤدي الى مسحة من الجمال والتميّز في الشكل لكننا نقف بحزم في مواجهة هذه العيادات ومراكز التقتيل لا التجميل التي تستهتر بحياة الانسان وهي جلّها غير مرخّصة من اجل المال وترخيص الحياة الانسانية والدفع بها الى التهلكة وجعلها بخسة لا قيمة لها .
ما الضير من قيام الجهات الصحية المسؤولة وخصوصا المركز الوطني لمكافحة الآيدز عندنا بمراقبة وفحص هذه الامكنة والصالونات ودكاكين العيادات التي لا تراعي الجانب الصحي وغلقها ومحاسبة القائمين عليها ولو اقتضى الامر التنسيق مع الجهات الامنية، فحياة الانسان أثمن بكثير من ثروة ولدت من هذه العيادات والصالونات الموبوءة وترعرعت على مآسي الغير وعذاباتهم .
لا أخفي انني قد أحرث في ماء أو أنفخ في قِربة مخرومة فلا احد يسمع او يصغي او يقرأ كلماتنا من مسؤولينا وربما يروّج أحد المتنفذين للعلاج والمعاينة لأحد المراكز الصحية خارج بلادنا مثلما روّج قبلاً القنصل العراقي في مدينة مشهد لأحد المشافي في هذه المدينة التي يقيم فيها ويمارس نشاطه السياسي او الدعائي لا أدري، ولله في ساستنا شؤون وشجون لا تريد ان تنتهي الا بالكوارث والبلايا الجمّة .
***
جواد غلوم