أقلام حرة
ما موقف المرجعية من قانون الانتخاب ومن يزور هذا الموقف؟
في الجزء الأول من الفيديو المرفق (رابط في الأسفل) يتحدث ممثل المرجعية السيد أحمد الصافي، عن ضرورة تغيير قانون الانتخاب النسبي المطبق وقت الخطبة، إلى قانون "منصف" و"لا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية" و "يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد...إذا أراد الشعب تغييرها"!
السيد الصافي يلمح تلميحا واضحا (دون ان يذكر صراحة، وهذا خط رجعة احتياطي يستعمل للإنكار إذا تبين خلل المنطق في الادعاء المذكور) الى ان النظام النسبي الذي كان معمولا به وقت الخطبة كان متحيزا للأحزاب وغير منصف ولا يمنح فرصة حقيقية لتغيير الحكومة حتى اذا أراد الشعب ذلك!
هذا طبعا خطأ كبير وخلط للمفاهيم لا يمكن للمرجعية (السيد السيستاني) المطلع بشكل جيد حسب علمي على القوانين، ان يقع فيه. فالدارس لأنظمة الانتخابات يستطيع الاطلاع على مميزات كل نظام، وسيعرف ان النظام النسبي هو الأفضل والأكثر تمثيلا للناخبين، ومناسب خاصة بالنسبة لبلد مثل العراق، وان النظام الفردي (الذي كان المرشح الوحيد كبديل في الإعلام ويكثر الحديث عنه، ولم يعترض عليه السيد الصافي) ليس فقط هو الأسوأ بينها على الإطلاق، وانما، (وإن كان يبدأ بترشيح نواب مستقلين)، ينتهي غالبا بعد دورة أو أكثر، بتقسيم البلد الى كتلتين انتخابيتين كبيرتين يكاد يستحيل تغييرهما لاحقا! وانصع مثال عليها هو بريطانيا التي تتبعه والمقسمة بين "العمال" و "المحافظين"، ويكاد يستحيل على الشعب تقديم بديل لهما بالانتخابات!
لكن هذا ليس اخطر ما في موضوعنا. الأخطر هو أن ادعاء السيد الصافي لا يمكن ان يكون صادرا من السيد السيستاني نفسه، لأن ألسيد السيستاني هو من بذل الجهد والضغط ليفرض هذا النظام نفسه الذي يهاجمه الصافي باسم المرجعية، ويلمح بأنه "غير منصف" ومنحاز ولا يمنح فرصة حقيقية لتغيير الحكام! وقد جاء ذلك على لسان ممثل المرجعية في لبنان الحاج حامد الخفاف، كما يبين الجزء الثاني من الفيديو، والذي جاء حديثه بعد تغيير نظام الانتخابات الأول، وبين كم بذل السيد السيستاني من جهد وإصرار على إقرار ذلك النظام الذي طالب الصافي بتغييره ولمح بعدم انصافه الخ! فكيف تهاجم "المرجعية" نظاما كانت هي السبب الرئيسي وراء إقراره وتتهمه بعدم الإنصاف؟
وهنا قد يقول قائل: نحن رأينا حالات نواب محددة تبين "عدم انصاف" النظام النسبي (الذي يسميه البعض سانت ليغو) حيث يفوز نائب ويخسر آخر رغم ان الخاسر حصل على أصوات اكثر من الفائز، فكيف تفسر هذا النظام الظالم الذي يقول الخفاف ان المرجعية فرضته؟
هذا يحتاج لشرح طويل بمقالة خاصة به، لكن حتى ذلك الحين اليكم هذا التوضيح المختصر:
الحقيقة هي ان هذا "الظلم" من قبل النظام النسبي، لأفراد مرشحين، هو ظلم ظاهري فقط تم استغلاله بشكل بشع فترة تظاهرات تشرين وقبلها من المشبوه اثير ادريس لشيطنة نظام الانتخاب النسبي. والخلل "ظاهري" فقط، لأن النائب الفائز بالأصوات الأقل، يكون قد فاز بأصوات حقيقة مضافة اليه، أعطاه إياها بشكل غير مباشر، ناخبون من خلال التصويت لكتلته، ولم تحتسب باسمه عند الفرز. وهذا ليس خللا حقيقيا ولا يعيب أساس النظام لأنه لن يرفع كتلة لتفوز بأصوات أقل ويخفض كتلة لتخسر ولديها أصوات أكثر. بالمقارنة فأن النظام الفردي هو الذي قام بهذه العمل المختل ورفع كتلة الصدريين الفائزة بعدد اقل بكثير من الأصوات وسلمها مقاعد اكبر من الإطار الفائز بالأصوات الأكثر بكثير!
يبقى ان نقول كلمة لإكمال الموضوع وهي ان النظام النسبي للمحافظات ليس متحيزا للسنة كما قد يفهم البعض من كلام الحاج الخفاف. وهو ليس متحيز، لأنه لا يمنحهم إلا ما تستحق نسبة سكان محافظاتهم وفق الدستور. إنما توجه السيد السيستاني الى ذلك لإصلاح خلل مؤقت تسببت به قيادات السنة في وقتها بتحريم الانتخاب فحرمتهم "حقهم" من المقاعد، وهدد الوضع بجعل التمثيل السياسي "شيعي – كردي" فقط، فأعاد السيد السيستاني للسنة حصتهم ومنع حدوث ذلك الخلل بحقهم. والآن وقد انتهى هذا الأمر، ربما يكون للعودة الى نظام الدائرة الواحدة (وهو نسبي أيضا مثل نظام المحافظات السابق الذي دعا اليه السيد السيستاني) خطوة الى الأمام، كما أوضح الحاج الخفاف في نهاية الفيديو. وطبعا السيد الصافي لم يكن يقصد هذه العودة الى الأفضل لأن النظام النسبي برأيه لا "يمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد"!
وهكذا نرى أننا أمام كلمتين متناقضتين تدعي كل منهما انها قادمة من المرجعية، ومن الواضح أيهما هو الصحيح والمدعوم بالمنطق والإشارة إلى أحداث حقيقية، وهو رأي الحاج حامد الخفاف برأيي. وبالتالي نستنتج أولا ان المرجعية لا تدعم وربما لم تبد أي رأي في موضوع تغيير نظام الانتخابات بعد تشرين، وبالتالي لا يوجد أي مانع من العودة الى النظام النسبي. ومن ناحية أخرى فهو يعني ان السيد أحمد الصافي لم يعد اليها بل كان يتكلم ممثلا أما عن نفسه أو جهة أخرى!
وكيف يتجرأ السيد احمد الصافي ان يفعل ذلك باسم المرجعية؟ لا تفسير لذلك إلا ان تكون المرجعية محاصرة لا يتم اطلاعها على ما يجري في البلد، سوى ما تسمح به المجموعة المحيطة بها!
https://www.youtube.com/watch?v=ANwTDHF42v0
***
صائب خليل