أقلام حرة
النفوس الظالمة!!
الظلم سلوك متعلم بالتكرار عبر الأجيال، وواقعنا الإجتماعي ظالم في طبعه وجوهره، ولكي نقضي على الظلم لا بد من العودة إلى النفس والسلوك الذاتي، وإعادة ترتيب مفردات وعناصر الخير فينا، بدلا من تعزيز منطلقات الظلم.
فالظلم سلوك قائم وفاعل بحياتنا في البيت والمدرسة والمجتمع والدولة بدوائرها المتنوعة، أما إذا إقتربت من الكراسي فالظَلمة يتربعون عليها ويديمون الظلم وإنتشار المظالم، لأنها تخدمهم وتعزز مكانتهم وسلطتهم.
فالظلم يدوم في الكرسي إلى حين، حتى يتولى الأمر مَن هو أشد ظلما، فمتوالية الظلم هندسية المواصفات شديدة التأثيرات.
ووفقا لمفرداتها مجتمعاتنا تستبدل ظالما بظالم، وتأتي بمَن يديم المظالم ويرعاها، ولهذا لن يحصل تغيير واضح، ولن تأتي الثورات بأنواعها بما هو نافع ومفيد للمواطنين، فالمجتمع يرتع في مستنقعات الظلم والظالم سيد مطاع، والمظلوم يستلطف الظلم، وينحني أمام الظالم وفيه مشاعر عدوانية تجاهه، وتجده يعبّر عنها بالنيل مما يمت بصلة للدولة أو ما نسميه بالممتلكات العامة.
فالظالم حر في التعبير عن ظلمه للآخرين، ليؤكد قوته وسلطته، وبأنه الحاكم المطاع والدستور والقانون، والمظلوم خانع مكسور إذا طالب بحقه إفترسه الظالم، وألقى به في غياهب السجون وأقبية التعذيب المجهولة، ليتولى أمره مظلوم يفرغ مظالمه فيه.
فواقعنا مظلم والظالم يتحرك بحرية فيه، ويحسب سلوكه الحق والإنصاف، لأنه يتوافق والوسط الذي يتحقق فيه، ولا يشير إلى حالة متعارضة معه، وبهذا يكون العدل غريبا، وإحترام الدستور والقانون ضعفا، والشعور بالمسؤولية كذبا، فالسائد ظالم يقسو ويفتك، ومظلوم يصرخ والمظلومون من حوله يتفرجون، ويلومنه لأنه مزق رداء ظلمه وطالب ببعض حقه.
وفي هذا الواقع السلوكي لا يمكن لثورة أن تتحقق لأن المجتمع لا يمكنه أن يكون معها، فالخروح من قوقعة المظلومية تحتاج إلى شجاعة وقوة ومجابهة وتضحيات كبيرة.
وبهذا تجد خسائر الثورات الجماهيرية كبيرة وإنجازاتها قليلة، وتعطي من الضحايا ما لا يوازي ما تحققه، بل معظمها تنتهي إلى الخيبة والإنكسار، لأن الظالم يؤجج في نفوس المظلومين نزعة الظلم فيطلقونها بوجه المظلومين الثائرين ضد الظلم.
وهكذا تمضي المجتمعات في دائرة مفرغة بين الظالم والمظلوم!!
***
د. صادق السامرائي
23\12\2020