أقلام حرة
بين الحاكم الشرعي وشرعية الحاكم
إنها مفارقة الواقع حيث أن الأحكام الشرعية تعبر عن مقاصد الشريعة وحيث أن مقاصد الشريعة تقتضي تنفيذها في الواقع. فإن ذلك يقتضي أيضا إمكانية تنفيذها، فأن لم يكن ذلك ممكنا لأسباب موضوعية تتعلق بعدم امتلاك ادوات التنفيذ، بمعنى أن الحاكم الشرعي (غير مبسوط اليد) فأنه حتما سيكون هو ومن يأخذ الحكم الشرعي منه تحت سلطة الأمر الواقع لمن يتولى السلطة السياسية وحيث أن الفقيه يجري عليه مايجري على الرعية من حكم القانون، فأن لم يعترض عليه أو يدعوا الى إسقاطه فأن ذلك يعني في ما يعنيه قبوله بشرعية الأمر الواقع لهذا النظام لذلك فأن اي حكم شرعي يصدر عن الفقيه في ما يخص الأمور العامة وكثير من الأمور الخاصة والتي تتقاطع مع سلطة القانون ستكون لامعنى ولا فائدة منها هذا في أدنى مستويات ما يحدث فضلا عن أن الفقيه في كثير من الأحيان بل غالبا يكون متماهيا مع هذه السلطة من خلال دعوة الجماهير للالتزام بالقوانين وعدم مخالفتها بل أكثر من ذلك دعوته الناس للانخراط في آليات النظام من مثل الترشيح والانتخاب والترويج والدعم لجهات متنافسة على السلطة الوضعية وبذلك فأنه يمنح هذا النظام الشرعية وبالتالي فإنه واقعيا ينزع عن نفسه صفة الحاكم الشرعي لأنه أقر بشرعية غيره بالتالي فإن مساحة الحكم الشرعي للفقيه. ستنحصر في أضيق صورها والتي لاتتعدى العبادات والتوجيهات الأخلاقية والإرشادية وليس أكثر من ذلك وبذلك يصبح عنوان الحاكم الشرعي غير متحقق للفقيه بعد أن أقر واقعيا (بشرعية الحاكم) أما إذا كان الفقيه (مبسوط اليد) بمعنى أنه يمتلك مقاليد السلطة السياسية فأنه سيكون هو الحاكم الشرعي فعليا وبذلك فأن مايصدر عنه من أحكام شرعية ستكون مُضَّمَنة في التشريعات القانونية للنظام الحاكم بعد ذلك فأن اي فتوى من الفقية يجب أن لا تتقاطع مع القوانين النافذة ومن هنا سيكون الفقيه حاكما شرعيا بالاعتبارين النظري والواقعي. السؤال الأهم هو هل أن ذلك ممكنا على مستوى الواقع ؟ بمعنى هل سيكون (الفقيه الحاكم) مبسوط اليد فعلا إذا أخذنا بالاعتبار أن أي نظام سياسي لابد له أن يكون جزءً من النظام العالمي في مكان ما من هذا النظام الذي تحكمه المصالح السياسية والاقتصادية والصراع حول مناطق النفوذ، على أن هذا الارتباط بالنظام العالمي. له استحقاقات تتعلق بكثير من القضايا الداخلية للدول والمتعلقة بالحقوق العامة والخاصة والتي تتقاطع حتما مع كثير من الأحكام الشرعية والتي لايحق للفقيه أن يتصرف بها من مثل مايحدث في إيران حاليا حول حكم الحجاب مثلا وليس حصرا، حيث أن (الفقيه الحاكم) محشور في زاوية حرجة بسبب أنه لايستطيع إنفاذ الحكم الشرعي بسبب تدخل العامل الخارجي الذي يمثل المنظومة الحقوقية الدولية وما يترتب على ذلك من عقوبات واجراءات تظهر تأثيراتها على المستوى المعيشي. للمواطن وبالتالي تصبح عاملا ضاغطا كلما أصر النظام على تطبيق حكم الفقيه أو أن يذهب الفقيه إلى التساهل والتماهي مع الضاغط الدولي وبذلك عليه أن يتخلى عن كثير من الأحكام الشرعية أو أن يكيف الحكم الشرعي بما لايتقاطع مع النسق العام، وبذلك فأنه
وبدوافع مختلفة من أهمها الدوافع الذاتية والنفسية للتمسك بالسلطة سيقبل بأن يتخلى عن دور الفقيه لصالح دور الحاكم ..
***
فاضل الجاروش