أقلام فكرية
حاتم حميد محسن: الحب الافلاطوني.. مراحل الحب السبع
من أكثر المفاهيم التي اسيء فهمها في فلسفة افلاطون هو الحب الافلاطوني، حيث العبور الى ما وراء الفلسفة، واصبح يُستعمل بشكل واسع عبر الثقافات منحرفا اثناء العملية عن معناه الأصلي. اعتقد افلاطون ان الحب هو تحفيز يقود المرء لمحاولة معرفة وتأمل الجمال في ذاته. يحدث هذا من خلال عملية متدرجة تبدأ بتقدير مظهر الجمال الجسدي ثم الانتقال الى تقدير الجمال الروحي.
الانتقال عبر هذه الخطوات يصل ذروته في المعرفة العاطفية الخالصة والنزيهة لجوهر الجمال الذي هو غير قابل للفساد ومساوي دائما لذاته: معرفة فكرة الجمال.
المفهوم الحقيقي للحب الافلاطوني
هذا النوع من الحب عادة يُفسر كحب روحي بدلا من جسدي. البعض يذهب بعيدا ليسمي الحب الافلاطوني بـ "الحب المستحيل"، رغم انه أكثر تطرفا من تصوّر افلاطون . افلاطون يعرض وبشكل واضح الخطوط العريضة للحب الافلاطوني في "الندوة" symposium.
الندوة او "المأدبة" كانت احتفالا شائعا يجتمع فيه اليونانيون مع بعضهم ليحتفلوا ويناقشوا الأفكار. خلال الندوة المنعقدة في بيت الشاعر المأساوي أجاثون، وحيث يحضر أهم رجال اثينا البارزون بمن فيهم سقراط و يوسانياس وارستوفان والسيبياديس ليبدأوا النقاش الفلسفي حول الطبيعة الحقيقية للحب، ويعرض كل فيلسوف حجته الخاصة به.
بعد الإستماع لجميع اولئك الحاضرين، يأخذ سقراط الكلمة ويحكي ما كشفته له ديوتيما – كاهنة ابولو حول معنى الحب الافلاطوني: انه سلّم يتدرج فيه الحب عبر سلسلة من الخطوات للوصول الى الذروة "الفكرة العليا" supreme idea.
بالنسبة لإفلاطون، الحب ليس غاية في حد ذاته وانما فقط وسيلة لإنجاز هذا المفهوم الأسمى للجمال. أول خطوة هي مادية، الحواس تطلق العنان للآيروس (الحب الذي يأتي من خلال العيون ويجبر المرء للاقتراب من شخص ما). في هذه المرحلة، الحب هو جسدي. افلاطون في الحقيقة لا يرفض البُعد الجسدي للحب، كما يعتقد البعض بشكل خاطئ، بل هو مرحلة أساسية وضرورية لكي نصل الى الفكرة الأسمى.
في الخطوة الثانية، يذهب الشخص من النظر الى الجمال في جسم معين الى النظر الى الجمال في عدة أجسام، وبهذا يصوغ فكرة للجمال بعيدة عن الشك ويشجع البحث عن فكرة وراء هذا التصور.
الخطوة الثالثة هي الخطوة التي يتم فيها الانتقال من الجسد المادي الى جمال الروح. في هذه الحالة، يتعلم الشخص حب الروح رغم المظهر الجسدي للجمال.
في الخطوة الرابعة، يرفع سقراط الحب الى نطاق مختلف جدا حيث يدخل عالم الاخلاق. حب الارواح الجميلة يزيد الجمال الاخلاقي. في الخطوة الخامسة، سقراط ينتقل من قواعد السلوك الى المعرفة الجميلة مشيرا الى المؤسسات وحب الحكومة.
الخطوة السادسة تبدأ من المعرفة الجميلة وتستعمل العلوم لتصل الى المتعة في جمال المعرفة والفهم.
في المرحلة السابعة، تصل فكرة الجمال الى تناغم تام مع الكون. انها تنتقل من العالم الى الصنف الكوني (الجمال ذاته). في هذه المرحلة، يأخذ الجمال لون الرؤية او الكشف، مُمارس من خلال عدسة الفلسفة.
افلاطون وحبه المثالي
يرتبط حب افلاطون المثالي بفكرته عن العالم المثالي (عالم حيث كل شيء تام ،وفيه واقعنا المادي ليس الا نسخة من صورة ذلك العالم المثالي). هذا يفسر لماذا مثال الحب الافلاطوني لايشير الى امتلاك حب يتعذر الحصول عليه وانما الى حب بمعنى انه خالد وواضح: شكل مثالي تام.
هذا الاطار مرتبط بشكل وثيق برمزية كهف افلاطون. الشخص الذي يأتي الى فكرة الجمال هو الشخص الذي نجح في الخروج من الكهف والنظر الى ضوء الشمس. ذلك الفرد انتقل من التجربة الاولية للحب الجسدي الذي يمكن مقارنته بمن هو موجود في الكهف، الى الوصول الى ممارسة الحقيقة الجميلة، المساوية لمغادرة الكهف الى العالم الخارجي.
***
حاتم حميد محسن